لا يكترثون بتحرير مدينتهم: موصليون نازحون ويفضّلون التوطّن في كربلاء

آخر تحديث 2017-08-03 00:00:00 - المصدر: نقاش

 الرجل الستيني لا يخفي حنينه إلى منزله وجيرانه وذكرياته هناك، غير أن الخشية من المستقبل وعدم الثقة بالجيران والناس الذين عاش معهم لسنوات تطغى على كل مشاعر الحنين التي تعتمل بصدره.

 

ذو الفقار هو أب لسبعة أبناء بينهم بنتان ويقيم في إحدى الحسينيات على الطريق بين النجف وكربلاء منذ تموز (يوليو) 2014، ويسكن معه ابنه المتزوج وعدد من أحفاده بالحسينية ذاتها حتى بدا المكان أشبه بسيارة مكتظة بالركاب ومليئة بضجيج دائم.

 

وبينما كان الرجل يتحدث كان بعض أحفاده يثيرون الصخب عند النافذة القريبة محاولين استراق السمع تارة أو لفت الانتباه إلى وجودهم تارة أخرى.

 

ومع كل مشكلاته في السكن والمعيشة والصعوبات الأخرى التي تواجه أبناءه وأحفاده في ما خص التعليم، الا انه يفضل البقاء في كربلاء بسبب الخشية من عودة الاضطرابات وأعمال العنف الطائفية على غرار ما شهدته المدينة في حزيران من عام 2014.

 

يقول الرجل بمرارة انه ما زال يشعر بغصة إذ فقد أسرتين مكونتين من (16) شخصا من أبناء عمومته بعدما اختفوا في خضم الفوضى التي اجتاحت الموصل بعد أن سيطر عليها تنظيم داعش، ومن المرجح أنهم قضوا كغيرهم ممن فقدوا حياتهم على أيدي عناصر التنظيم المتشدد لأسباب طائفية او عرقية وهو غير مستعد.

 

الأمر الآخر الذي جعل النازح المسن وأقرباءه يفضلون البقاء في كربلاء على العودة الى الموصل هو توفر فرص العمل في كربلاء للذين يعرضون خدماتهم بأسعار مناسبة للسكان كما أنهم تعلموا العربية بشكل جيد في الأعوام التي قضوها في المدينة.

 

 يقول ذو الفقار "طالما أن العيش والعمل في الموصل لم يعودا ممكنين، أو محفوفين بالمخاطر فلماذا اعود؟".

 

عشرات الآلاف من التركمان الشيعة ممن كانوا يعيشون في الموصل نزحوا إلى مناطق أخرى في وسط وجنوب البلاد بعد سيطرة تنظيم داعش على الموصل في حزيران (يونيو) 2014، واستقر آلاف منهم في الحسينيات والجوامع بين مدينتي كربلاء والنجف.

 

والى جانب ذو الفقار هناك نازحون آخرون يرفضون العودة إلى مدينة الموصل ومنهم محمد العلوي الذي كان يسكن في سهل نينوى ويعمل كبنّاء لكن سبب رفضه العودة يختلف عن الأسباب التي ساقها ذو الفقار.

 

 فمحمد لا يأبى العودة لأنه يعتقد أن المنطقة التي كان يعيش فيها تهدمت بسبب المعارك وتفتقر الى البنى التحتية ولن تكون صالحة للعيش قبل عدة سنوات.

 

والى أن تكون منطقته صالحة للعيش والعمل قرر محمد البقاء في كربلاء، طالما انه رتّب أوضاعه المعيشية ويحظى بدخل مقبول يمكنه من توفير حاجاته الأساسية، لكنه لا يخفي قلقه من قرار أصدرته حكومة كربلاء في تموز من العام الماضي.

 

القرار يمنع توطّن النازحين في المحافظة ويلزمهم بالعودة الى مناطقهم بعد تحريرها وإعادة الخدمات الأساسية إليها، إذ تذرعت الحكومة المحلية بعدم قدرة المحافظة على استيعاب الأعداد الكبيرة للنازحين إلى ما لانهاية وطلبت منهم تفهم القرار في ضوء حاجة أبناء المحافظة الى العمل.

 

وبينما يبعث قرار الحكومة المحلية القاضي بإعادة النازحين الى مناطقهم بعد تحريرها القلق في نفوس النازحين ممن لا يرغبون بالعودة إلى مناطقهم التي نزحوا منها، يجد آخرون نزحوا من قضاء تلعفر شمال غرب مدينة الموصل، أنفسهم غير معنيين بهذا القرار، لأنهم يعتبرون إقامتهم في كربلاء مؤقتة ولا يحتاجون إلى من يصدر لهم تذكرة للعودة الى مساكنهم بعد تحريرها.

 

ويقول عبد الحسن جسام (45 عاما) وكان يسكن في حي السلام او "حي البواري" كما يسمى شعبيا انه يتوق للعودة الى منزله ولقاء جيرانه الذين تفرقوا لسنوات، وتغلب عليه عاطفة جياشة فتدمع عيناه، وهو يتحدث عن عمله وحديقة منزله في تلعفر.

 

 ويبدو أن شعور النازحين التركمان الشيعة برغبة العودة الى مدينتهم ناجم عن كونهم يشكلون أكثرية في قضاء تلعفر، ما جعلهم يشعرون بثقة أكبر في التغلب على الصعوبات المحتملة التي تحيط بعودتهم لكن بعضهم ممكن حصل على عمل واستقر في المدينة يفضل البقاء.

 

وحتى يحزم النازحون أمتعتهم وركوب الحافلات الى ديارهم متى ما تهيأت لهم أسباب العودة أو يقطع الرافضون للعودة الأمل نهائيا برؤية ديارهم مرة أخرى، تبقى مصابيحهم الخافتة تبعث ضوء يطل من نوافذهم يشي بوجودهم على جانب الطريق المظلم الممتد بين كربلاء والنجف.