جيشها زرع الألغام على الحدود لمنع عودة النازحين منهم...
أفاد مسؤولون بنغلاديشيون ، إن ما يقرب من 150 ألفاً من مسلمي الروهينغا المضطهدين فروا من ميانمار إلى بنغلادش خلال أقل من أسبوعين، فيما زرع جيش ميانمار الألغام على الحدود لمنع عودة المسلمين النازحين .
ويأتي ذلك بعدما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أول أمس الثلاثاء، من مخاطر حدوث تطهير عرقي في ميانمار ربما يتسبب في زعزعة استقرار المنطقة.
وقال مصدران في حكومة بنغلادش، إن ميانمار تقوم منذ ثلاثة أيام بزرع ألغام أرضية عبر قطاع من حدودها مع بنغلادش، وأضافا أن الغرض من ذلك قد يكون للحيلولة دون عودة الروهينغا المسلمين الذين فروا من العنف في ميانمار.
وقال المصدران لوكالة رويترز وهما على دراية بالموقف لكنهما طلبا عدم الكشف عن هويتيهما بسبب حساسية الأمر ، أن بنغلادش ستتقدم باحتجاج رسمي على زرع الألغام الأرضية على مسافة قريبة جداً من الحدود.
وشكل الوافدون الجدد، ومنهم مرضى وجرحى كثيرون مصابون بحروق أو بطلقات نارية، عبئاً على وكالات المساعدات والتجمعات السكانية التي تساعد مئات الآلاف من اللاجئين من موجات عنف سابقة في ميانمار.
انتقادات لـ أونج سان سو كي
وقالت فيفيان تان المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن مخيم كوتوبالونج في بنغلادش امتلأ عن آخره وإن الضغوط شديدة على الموارد في مخيمات أخرى.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن من الضروري زيادة المساعدات الإنسانية بصفة عاجلة وأن المنظمة والوكالات التي تعمل معها لديها عجز في التمويل الحالي يبلغ 18 مليون دولار للأشهر الثلاثة المقبلة وذلك من أجل تعزيز الخدمات الحيوية للوافدين الجدد.
وأكدت رويترز وصول مئات من أفراد الروهينغا وقد بدا عليهم الإرهاق بالزوارق بالقرب من قرية شاملا بور في بنغلادش يوم الثلاثاء الفائت، فيما يشير إلى أن موجة النزوح مستمرة.
وتتعرض رئيسة وزراء ميانمار أونج سان سو كي، التي يغلب على سكانها البوذيون لضغوط من دول إسلامية بشأن الأزمة.
وتعرضت سو كي لاتهامات من منتقدين في الغرب بالتقاعس عن رفع صوتها تأييداً للأقلية التي تشكو الاضطهاد منذ زمن بعيد، بل وطالب البعض بسحب جائزة نوبل للسلام التي فازت بها عام 1991 بوصفها نصيرة للديمقراطية.
ومنذ 25 أغسطس/آب المنصرم، يرتكب جيش ميانمار إبادة جماعية ضد المسلمين الروهينغا في أراكان . ولا تتوفر إحصائية واضحة بشأن ضحايا تلك الإبادة، لكن المجلس الأوروبي للروهينغا أعلن، في 28 أغسطس/آب الماضي، مقتل ما بين ألفين إلى 3 آلاف مسلم في هجمات جيش ميانمار في أراكان خلال 3 أيام فقط.
وتعد حكومة ميانمار مسلمي "الروهينغيا" "مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش"، فيما تصنفهم الأمم المتحدة "الأقلية الدينية الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم".
وكانت قوات الشرطة في بنغلاديش تجاهلت أوامر الحكومة بمنع تدفق عشرات الآلاف من مسلمي الروهينجا عبر الحدود هربا من العنف ضدهم في ميانمار.
وأكدت الانباء في كوكس بازار في بنغلاديش استمرار تدفق مسلمي الروهينجا عبر الحدود بلا عوائق.
من هم الروهينغا
غالباً ما يوصف الروهينغا بأنَّهم "أكثر الأقليات اضطهاداً في العالم"، ولكن من هؤلاء القوم، وكم عدد من بقي منهم بعد كل هذه المذابح ومن يساندهم، ولماذا تصر دولة ميانمار على اضطهادهم مخاطرة بجلب السخط الدولي عليها؟
الروهينغا هم جماعة عِرقية مسلمة عاشوا لقرونٍ في ميانمار ذات الغالبية البوذية. ويوجد حالياً نحو 1.1 مليون مسلم روهينغي يعيشون في هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا. يتحدث مسلمو الروهينغا اللغة الروهينغية، وهي تختلف عن باقي اللغات المُستخدمة في ولاية راخين ومختلف أنحاء ميانمار.
ولا يتم اعتبار الروهينغا من بين الجماعات العِرقية الرسمية البالغ عددها 135 في البلاد، فقد حُرِموا من الحصول على مواطنة ميانمار منذ عام 1982، الأمر الذي جعلهم عديمي الجنسية. ويعيش معظم الروهينغا في ميانمار في ولاية راخين الواقعة على الساحل الغربي للبلاد، ولا يُسمَح لهم بالمغادرة دون إذنٍ من الحكومة. وهي واحدة من أفقر الولايات في البلاد، وتشبه مخيماتها الغيتو، وتعاني من نقص الخدمات والفرص الأساسية، . وبسبب العنف والاضطهاد المستمرين، فرَّ مئات الآلاف من الروهينغا إلى البلدان المجاورة، إما براً أو بحراً، على مدار عقود عديدة.
أما من بقي في ميانمار، فيواجهون السخرة، وليس لديهم الحق في امتلاك الأراضي، وتُفرض عليهم قيود شديدة.
من أين أتى الروهينغا؟
عاش المسلمون في المنطقة المعروفة الآن باسم ميانمار منذ أوائل القرن الثاني عشر، وفقاً لكثيرٍ من المؤرخين وأعضاء جماعات الروهينغا. وقالت منظمة "روهينغا أراكان الوطنية" إنَّ "الروهينغا يعيشون في أراكان منذ وقت سحيق". وكلمة أراكان هي إشارة إلى المنطقة المعروفة الآن باسم راخين. ويسود اعتقاد بأنهم أسلاف تجار مسلمين استقروا في المنطقة منذ أكثر من 1000 عام، وفقاً لـ"بي بي سي".
بالمقابل، دأبت الحكومات المتعاقبة في ميانمار -ومنها ذات الشعارات الإصلاحية في السنوات القليلة الماضية- على القول إن مسلمي الروهينغا ليسوا جماعة عرقية فعلياً، وأنهم في واقع الأمر مهاجرون بنغال يعتبرون بمثابة أحد آثار عهد الاستعمار المثيرة للخلاف. ونتيجة لهذا، لا يدرجهم دستور ميانمار ضمن جماعات السكان الأصليين الذين من حقهم الحصول على المواطنة.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال أكثر من 100 عام من الحكم البريطاني (1824-1948)، هاجر عددٌ ملحوظ من العمال من الهند وبنغلادش إلى ما تُعرَف الآن باسم ميانمار. ولأنَّ البريطانيين كانوا يديرون ميانمار باعتبارها إحدى مقاطعات الهند، فقد اعتُبِرت هذه الهجرة داخلية، وذلك وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش. ولم يكن غالبية السكان الأصليين يستحسنون هجرة العمال تلك.
وقالت هيومن رايتس ووتش في تقريرٍ صدر عام 2000، إنَّه بعد الاستقلال، اعتبرت الحكومة في ميانمار الهجرة التي وقعت خلال الحكم البريطاني "غير شرعية، وعلى هذا الأساس ترفض منح المواطنة لغالبية الروهينغا". وقد دفع هذا العديد من البوذيين إلى التعامل مع الروهينغا كبنغاليين، ورفضوا الاعتراف بمصطلح روهينغا باعتباره اختراعاً حديثاً أُنشِئ لأسبابٍ سياسية. ويعيش أفراد من الروهينغا حالياً كذلك في بنغلادش والسعودية وباكستان.
لماذا ازداد الأمر سوءاً مؤخراً؟
بعد فترةٍ وجيزة من استقلال ميانمار عن البريطانيين في عام 1948، تم إقرار قانون مواطنة الاتحاد الذي يُحدِّد العِرقيات التي بإمكانها الحصول على المواطنة.
ووفقاً لتقريرٍ أعدَّته "عيادة حقوق الإنسان الدولية" في جامعة ييل لدراسة الحقوق عام 2015 في وقتٍ سابق، لم يشمل هذا القانون عِرقية الروهينغا. غير أنَّ هذا القانون سمح لأولئك الذين عاشت أسرهم في ميانمار لمدة لا تقل عن جيلين بتقديم طلبات للحصول على بطاقات الهوية. وقد مُنِح الروهينغا في البداية بطاقات الهوية تلك أو حتى المواطنة بموجب الشرط المتعلِّق بالعيش في البلاد لفترة جيلين. وخلال هذا الوقت، عمل العديد من الروهينغا أيضاً في البرلمان.
بعد الانقلاب العسكري في ميانمار عام 1962، تغيَّرت الأمور بصورةٍ كبيرة بالنسبة للروهينغا. وبات مطلوباً من جميع المواطنين الحصول على بطاقات تسجيل وطنية. غير أنَّ الروهينغا لم يُمنحوا سوى بطاقات هوية أجنبية، مما حدَّ من فرص العمل والفرص التعليمية التي بإمكانهم السعي نحوها والحصول عليها.
وفي عام 1982، صدر قانون مواطنة جديد جعل مسلمي الروهينغا عديمي الجنسية. وبموجب هذا القانون، لم يُعتَرف بجماعة الروهينغا باعتبارها من بين المجموعات العِرقية الأخرى في البلاد مرةً ثانية. ونتيجة للقانون، ظلَّت حقوقهم في الدراسة، والعمل، والسفر، والزواج، وممارسة شعائرهم الدينية، والحصول على الخدمات الصحية، مقيدة. فلا يمكن للروهينغا التصويت، وحتى لو نجحوا في اجتياز اختبارات المواطنة، يجب أن يُعرَّفوا بكونهم "مُجنَّسين"، بدلاً من كونهم روهينغا. وفُرضِت عليهم قيود فيما يتعلَّق بدخولهم بعض المهن مثل الطب والقانون، أو الترشُّح للمناصب المهمة.
اغتصاب وتهجير لمئات الآلاف
ومنذ السبعينيات، أجبر عددٌ من حملات القمع ضد الروهينغا في ولاية راخين مئات الآلاف على الفرار إلى بنغلاديش المجاورة، بالإضافة إلى ماليزيا وتايلاند ودول جنوب شرق آسيا الأخرى. وخلال هذه الحملات، أبلغ اللاجئون في كثيرٍ من الأحيان عن حالات اغتصاب، وتعذيب، وحرق متعمد، وقتل على أيدي قوات الأمن في ميانمار.
وبعد مقتل تسعة من رجال شرطة الحدود في تشرين الأول 2016، بدأت القوات تتدفق إلى قرى في ولاية راخين. وحمَّلت الحكومة من أسمتهم مقاتلين ينتمون لإحدى الجماعات الروهينغية المسلحة مسؤولية ما حدث. وأدَّى ذلك لشن حملةٍ أمنية على القرى التي يعيش فيها الروهينغا. وخلال الحملة، اتُّهمت القوات الحكومية بمجموعةٍ من انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، والاغتصاب، والحرق المتعمد.
في تشرين الثاني 2016، اتهم مسؤولٌ في الأمم المتحدة الحكومة بتنفيذ "تطهيرٍ عرقي" ضد مسلمي الروهينغا. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها توجيه مثل هذا الاتهام.
ففي نيسان 2013، على سبيل المثال، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنَّ ميانمار تقوم بحملةٍ للتطهير العرقي ضد الروهينغا. وقد نفت الحكومة هذه الاتهامات باستمرار. وفي الآونة الأخيرة، شنَّ الجيش الميانماري حملة قمعٍ ضد السكان الروهينغا في البلاد بعدما تعرَّضت مراكز الشرطة وقاعدة للجيش للهجوم في أواخر آب 2017. ووصف السكان والناشطون مشاهد للقوات وهي تقوم بإطلاق النار عشوائياً على رجال ونساء وأطفال الروهيغنا العُزَّل. لكنَّ الحكومة قالت إنَّ ما يقرب من 100 شخص قد لقوا مصرعهم بعد أن شنَّ مسلحون من "جيش خلاص روهينغا أراكان" هجوماً على مراكز الشرطة فى المنطقة.
ومنذ اندلاع العنف، وثَّقت الجماعات الحقوقية حرائق نشبت في 10 مناطق على الأقل من ولاية راخين في ميانمار. وقد فرَّ أكثر من 50 ألف شخص نتيجة لأعمال العنف، فيما حُوصِر الآلاف فى منطقةٍ خالية بين البلدين.
وطبقاً للأمم المتحدة، منعت دوريات الشرطة مئات المدنيين الذين حاولوا دخول بنغلاديش من دخولها. كما احتُجِز الكثيرون وعادوا قسراً إلى ميانمار.
كم بقي منهم، وما عدد من فروا وأين ذهبوا؟
ومنذ أواخر السبعينيات، فرَّ ما يقرب من مليون مسلم من الروهينغا من ميانمار بسبب الاضطهاد واسع النطاق. ووفقاً لأحدث البيانات المتاحة من الأمم المتحدة في أيار، فرَّ أكثر من 168 ألف شخص من الروهينغا من ميانمار منذ عام 2012. وفي أعقاب العنف الذي اندلع العام الماضي ، فرَّ أكثر من 87 ألف روهينغياً إلى بنغلاديش في الفترة بين تشرين الأول 2016 إلى تموز 2017، وذلك وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.
بينما عرَّض الكثيرون من الروهينغا حيواتهم للخطر في أثناء محاولاتهم الوصول إلى ماليزيا بالقوارب عبر خليج البنغال وبحر أندامان . فبين عامي 2012 و2015، خاض أكثر من 112 ألف شخصٍ هذه الرحلة الخطرة. وقدَّرت الأمم المتحدة أنَّ هناك ما يصل إلى 420 ألف لاجئ روهيغني في جنوب شرق آسيا. بالإضافة إلى ذلك، يُوجَد نحو 120 ألف روهينغي من المُشرَّدين داخل ميانمار.