توقعات باعلان قيام جمهورية كاتالونيا المستقلة الاسبوع القادم...
ليست الخصومة الذائعة الصيت عالميا بين فريقي ريـال مدريد وبرشلونة في كرة القدم سوى الواجهة اللطيفة لصراع مديد بين القطبين المركزي والكاتالاني في اسبانيا، تعود جذوره الى القرن الثالث عشر .
منذ ذلك التاريخ حاول الكاتالانيون خمس مرات الاستقلال عن الحكم المركزي في مدريد بالتزامن دائماً مع ازمات اقتصادية حادة كانت آخرها عام ١٩٣٤ إبان الانهيار المالي العالمي، انتهت بحصول كاتالونيا على اعفاءات ضريبية ومحفزات تجارية حصرية لعبت دوراً اساسياً في نهضتها الصناعية والاقتصادية لتصبح المقاطعة الاغنى في اسبانيا توفر وحدها خمس اجمالي الناتج القومي.
ومنذ وفاة الجنرال فرانكو خريف ١٩٧٥ وما ساد في اعقابها من قلق حول مصير نظامه الديكتاتوري، لم تشهد اسبانيا هذا التوتر الذي تعيشه منذ أسابيع مع اقتراب موعد الاستفتاء اليوم حول استقلال كاتالونيا، والذي دعت اليه الحكومة الاقليمية في ذروة المواجهة مع الحكومة المركزية التي ارسلت 15 الف عنصر من الحرس المدني لمنع اجرائه تنفيذا لقرار المحكمة الدستورية الذي أبطل مفاعيل القرار الذي اتخذه البرلمان الكاتالاني بالدعوة الى الاستفتاء في غياب نصف اعضائه من المعارضة.
وتعيش برشلونة منذ اسابيع حالة من التعبئة الشعبية المؤيدة للإستفتاء، إتخذت طابع المواجهة السلمية المفتوحة مع مدريد فيما تزداد المخاوف من وقوع حوادث أمنية نتيجة العصيان المدني والاستفزازات التي يخشى أن تكون التنظيمات الاستقلالية اليسارية المتطرفة تستدرج قوات الامن المركزية للوقوع فيها.
وعمد أهالي طلاب التعليم الابتدائي والتكميلي الى «احتلال» مدارس اولادهم والبقاء فيها منذ ليل الجمعة، ردّا على خطوة الحكومة المركزية مصادرة اوراق الاقتراع واقفال المراكز المخصصة للإستفتاء.
الاحزاب والقوى السياسية والنقابية الاسبانية تجمع على عدم شرعية الاستفتاء لعدم دستوريته، وترفض استقلال الاقليم الكاتالاني وإن كان بعضها يدعو الى فتح باب التفاوض لتعديل الدستور تمهيداً لصيغة كونفيديرالية تمنح «الاقاليم التاريخية» مزيداً من الصلاحيات الادارية والمالية.
الدول الاوروبية تتابع بقلق تطورات الأزمة وتتجنب التعليق عليها، إذ أن معظمها يعاني من حركات انفصالية متجذرة، من اسكتلندا الى كورسيكا ولومبارديا وفالونيا، فيما اكتفى الاتحاد الاوروبي باعلان استعداده للتوسط استجابة لطلب من الحكومة المركزية. وواشنطن، التي استقبلت رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي الاربعاء الماضي، اعلنت تأييدها وحدة أراضي اسبانيا، ورأى مراقبون في تصريح لدونالد ترامب دفعاً الى المزيد من التأييد الشعبي لإجراء الاستفتاء الاستقلالي .
الحجج التي تدعم استقلال الاقليم الكاتالاني هي اللغة والقومية التاريخية والتأييد الشعبي وحق تقرير المصير. والملفت أن القوى والأحزاب الكاتالانية المؤيدة للاستقلال لم تكن تتجاوز ٣٠ في المئة منذ عامين، وبالتالي لم يكن اجراء الاستفتاء الاستقلالي على جدول اعمالها . إلا أن تطورات وعوامل عدة تضافرت في الفترة الاخيرة لتدفع في هذا الاتجاه، منها امتداد الأزمة الاقتصادية وتباطؤ معالجتها، والتشرذم غير المسبوق في التمثيل البرلماني الذي نتج عن الانتخابات التشريعية العامة الاخيرة، وما أعقبها من تعثر دام سنة تقريبا قبل تشكيل الحكومة، وعودة الحزب الشعبي اليميني الى الحكم مع ما يعرف عنه من نزعة مركزية شديدة وقلة تجاوب مع المطالب الاقليمية ، ورفضه البحث في امكانية تعديل الدستور لإرساء نظام كونفيديرالي أوسع . يضاف الى ذلك أن القوى الاقليمية، وبخاصة في منطقتي الباسك وكاتالونيا، تعتبر هذا الحزب امتداداً وراثيا لنظام الجنرال فرانكو الذي قمعها بشدة طوال اربعة عقود ومنعها حتى من استخدام لغتها المحلية.
رئيس الحكومة الكاتالانية أعلن، مستندا الى التجاوب الشعبي، أن الحركة الاستقلالية فازت حتى قبل اجراء الاستفتاء. وألمح الى أن البرلمان الاقليمي قد يقدم مطلع الاسبوع المقبل على اعلان منفرد لقيام جمهورية كاتالونيا المستقلة. ولا شك في ان الاستفتاء، وأيا كانت شوائبه، سيخرج بغالبية ساحقة مؤيدة للاستقلال نتيجة لعدم مشاركة القوى المعارضة.
وقد يكون التلميح باعلان الاستقلال تمهيدا لتعزيز الموقف التفاوضي في المرحلة المقبلة، لكن خطوة تصعيدية اخرى كهذه من شأنها أن تدفع اسبانيا في اتجاه يفتح الباب على احتمالات بالغة الخطورة.