الاستفتاء الكوردستاني ومحاربة الارهاب

آخر تحديث 2017-10-02 00:00:00 - المصدر: باسنيوز

على الرغم من كل الطلبات و الضغوط المختلفة من اجل تأجيل الاستفتاء الكوردستاني او إلغاءه إلا انه مضى في طريقه وتم اجراؤه في 25/9/2017 وكانت نسبة المشاركة 72% ونسبة نعم 92.7% حسب ما اعلنته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والاستفتاء وتعددت المواقف الدولية والاقليمية والداخلية بين رفضها وتأييدها ولا تزال تتغير.

إن احد الاسباب التي كانت تتمسك بها اطراف طالبة التأجيل هو ان الاستفتاء سيؤدي الى تقليل الاهتمام بمحاربة الارهاب بشكل عام وداعش بشكل خاص وإن الجهود التي كانت تبذل في سبيل القضاء عليها ستتشتت ويجب ان يكون محاربة الارهاب اولوية اعمال كل القوى في المنطقة و ذلك لخطورتها و جسامة اثارها المرعبة.

ومن اجل الاجابة على هذا السؤال و اثبات ما للشعب الكوردستاني من دور فاعل في محاربة الارهاب نورد النقاط التالية:-

1- إن الشعب الكوردستاني بمختلف الاطياف والاديان والقوميات وطيلة قرن من الزمن كان دوماً ضحية لإرهاب الدولة العراقية بأنظمتها المتعاقبة بين القتل والإبادة والتدمير والاغتيال والانفال وملء السجون والمعتقلات والاسكان في المجتمعات القسرية والمحاربة النفسية، هذا الارهاب الذي شمل كل مناحي الحياة حتى ان البهائم والحيوانات والبيئة لم تسلم منها بل كانت اهدافاً لنيران طائراتها ومدافعها، قلما توجد دولة في العالم تعامل مواطنيها بهذه الطريقة وذهب المئات والالوف من الابرياء ضحية لتلك السياسات الممنهجة التي كانت ترمي الى انهاء الوجود الكوردستاني ولا تزال تهديدات وقرارات واجراءات الحكومة العراقية بعد اعلان نتائج الاستفتاء ومحاولات فرض الحصار بعد قطع رواتب الموظفين وميزانية الاقليم تأتي في هذا السياق وكل التوقعات تشير ان الاتي سيكون الاسوأ إلا ما رحم ربي.

2- إن قيادة الحركة التحررية الكوردستانية كانت ولا تزال ترفض اللجوء الى الارهاب كوسيلة لتحقيق اهدافها وخاصة المرحوم ملا مصطفى بارزاني الذي اشتهر بمواقف واستعداده الدائم لمحاربة الارهاب سواء من الدول او من غيرها.

شهد الأصدقاء، والأعداء أن الثورة الكوردستانية كانت ثورة لم تنحدر في أي وقت من الأوقات إلى مستوى إشاعة الإرهاب بأعمال تخالف قواعد الأخلاق وروح القانون ظل الشعب الكوردستانى سنيناً عديدة يلتزم بالمبادئ العامة لإدارة الحرب، والعهود، والمواثيق التي تنظم حرب الأنصار التزاماً حرفياً، ولم يمارس عملاً ارهابياً، لا داخل العراق، ولا خارجه في حين توفرت لديه الامكانات كلها ليمارس هذه العمليات، وبهذا كسبت الحركة التحررية الكوردستانية احتراماً ندر ما كسبته ثورة أخرى عبر التاريخ الحديث في أوساط الشعب الكوردي عامة، وفي الاوساط الدولية سواءً بسواء، رغم الضنك الشديد الذي كان يعانيه شعبنا، إذ كادت كوردستان تكون ساحة حرب دائمة، وسماؤها موقعاً للطائرات المغيرة ليلاً و نهاراً إلى جانب الانتهاكات، وأعمال الإبادة الجماعية، التي كان يرتكبها الجيش بين آونة وأخرى.

فلا تدعنا الى تغيير موقفنا من الإرهاب، و لا تفقدنا... لنقابل تلك الأعمال بمثلها، كما حصل في السليمانية عام 1963 عندما قام الزعيم صديق مصطفى آمر اللواء العشرين بدفن 86 شخصاً من الأهالي وهم أحياء، كما قام آمر الفوج طه الشكرجي بشنق 39 شاباً على أعمدة الكهرباء، وقيام غانم مصباح الأمين آمر اللواء العشرين في سرجاوه قرب بيتواته بتمزيق أجساد 72 مواطناً تحت سرفات الدبابات.

في العام 1969 في قرية (دكان) أحرقت 67 امرأة  وطفلاً، وفي قرية صوريا المسيحية قتل 39 من الفتيات والأطفال والنساء والرجال، فضلاً عن حوالي 40 من الجرحى بأمر الملازم عبدالكريم محمد الجحيشي.

هذه الكوارث والقتل الجماعي لم تحاول الثورة مقابلتها بالمثل مطلقاً، و لو بتفجير عبوة ناسفة في مجتمع أو في قرية من القرى، و لا قتل سفير، أو دبلوماسي أو مسؤول من المسؤولين الحكوميين.

كما أن بارزاني لم يسمح خلال مدة قيادته للحركة التحررية الكوردستانية أن تتعرض قرى ومدن كوردستان إلى الدمار والخراب، ولم يعلن الحرب على أحد. كان دائماً موجوداً في الجبال، ويقاتل الأعداء منها، لكي لا يلحق الضرر بالأبرياء، ويحافظ على سلامة شعب كوردستان، وكان يحل الخلافات التي تحدث بين أجهزة الثورة، أو أصدقاء الكورد بعين العطف والشفقة، و لم يسمح بأن تتعمق هذه الخلافات، أو تتفاقم بفعل سعة صدره وقلبه الرؤوم.

كان بارزاني ضد العنف والتطرف، وأي عمل إرهابي، وكان بعيداً عن أساليب الغدر، والاغتيالات السياسية، طيلة فترة نضال الحركة التحررية الكوردية وقد قال عنه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كلمات مثيرة تليق بمقامه حين قابله في القاهرة، كما اكتسب احترام الزعيم عبدالكريم قاسم، وقال عنه الرئيس حسنى مبارك : إنه رجل عظيم يستحق القراءة عنه.

إن بارزاني ذلك الزعيم الذي لم تغره قوته، وإخلاص أبنائه، ورفاق كفاحه المناضلين الأشداء، لأن يلجأ إلى اختيار الاغتيالات، والتصفية الجسدية لأعداه، و لم تتحول قواته إلى مليشيا طائفية، أو حرس خاص، بل على العكس من ذلك.

حين تنتهك باستمرار حقوق شعب مغتصب الوطن، ومجزء من قبل الآخرين الأجانب، ويضطهد يسعى بدون شك في كل مجال، و فرصة تسنح له، ويلجأ إليها للتخلص من هذا الظلم، والاضطهاد، والتجزئة، ويستخدمها في حين ان أصدقاء، وأعداء الثورة الكوردية، وقائدها بارزاني شهود على أن الثورة الكوردستانية كانت أنظف ثورة لأن بيشمه ركه البارزاني لم تنزل إلى هذا المستوى أبداً , بأن ينشر الإرهاب , و يستخدمه , و يحيد عن الأخلاق , و القوانين الدولية .

و في هذا الصدد يقول اليكساندر كسيلوف مسؤول جهاز المخابرات في الاتحاد السوفيتى K.G.B في عام (1973 – 1974) ((إن البارزاني قد اضطر دوماً إلى حمل السلاح , إن أعظم المواقف , و أذكاها التي أبداها البارزاني تتمثل في أن أي قطرة دم لم ترق بمبادرة من البارزاني , و إنما دافع عن شعبه).هذا كلام مراقب، و شاهد، ومطلع عن كثب على ذلك .

ويقول السيد مسعود بارزاني (عام 1984 زرت المستشار النمساوي (برونو كرايسكى) في فينا، والذي كان واحداً من قادة الاشتراكيين الديمقراطيين العالميين المشهورين، واستقبلنى بحرارة، واحترمني كثيراً و من بين أقواله (إني صديق والدكم , و أحب الشعب الكوردي، وأنصحكم أن تستمروا على نظافة، ونقاء هذا النهج، ابتعدوا عن الاغتيالات كلما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، لأجل كسب عطف و حب البلدان.

ومن المواقف الدالة على منع بارزاني القيام بأي اعمال ارهابية، فبعد العمليات المتتالية للحكومات العراقية للاعمال التخريبية،  إلا أن الرد لم يكن يمثل العمل , لقد ترفعت الثورة، وبناءاً على توجيهات، و أوامر بارزاني عن القيام بمثل هذه الاعمال الدنيئة كزرع القنابل في الحواجز، والمدن، وتفجيرها بين الناس، ومنها على سبيل المثال يقول السيد مسعود بارزاني بعد محاولة اغتيال بارزاني الفاشلة في (29 ايلول 1971) (يتحتم عليّ أن أنقل وجهة نظر بارزاني إثر هذه المؤامرات، والأعمال التخريبية، ذات يوم قصدني مسؤولو جهاز الأمن الثوري، قائلين: وجدنا سبيلنا إلى وضع قنبلة في منزل (خير الله طلفاح) و هي عملية مضمونة النجاح مائة بالمائة , و من جانبي تصورت أنها قد تقدم دليلاً على كفاءة جهازنا، وارتفع قدر نفسي في نظري، و أقبلت على بارزاني أحمل إليه الاقتراح، فبدأ عليه الغضب مني وقال :

هل هناك ضمان بأن لا يصاب النساء أو الاطفال؟ قلت كلا لا ضمان لذلك .

قال: إذن مالفرق بينكم، وبين ناظم كزار، ثم نظر إليّ، و قال :اصغ اليّ جيداً، حذار من أن تقوموا على قتل الابرياء، وقتل النساء، والأطفال، فهذا من عمل الجبناء، الذين لا يخافون الله. إن لم أكن موجوداً بينكم لأحول دون هذا، فأنا لا أسمح لك في أي وقت من الأوقات أو أي ظرف ان تجيز القيام بمثل هذه الاعمال المشينة.

3- ان موقف الشعب الكوردستاني من الجماعة الارهابية الشرسة التي تسمي نفسها (دولة الخلافة / داعش) و ما قدمه  هذا الشعب من تضحيات دليل اخر على ان الشعب الكوردستاني يقف صفاً واحداً في مواجهة الارهاب حيث قدم اكثر من (1700) شهيد من خيرة ابناءها واكثر من (10000) ألف جريح و ضرب اروع الامثلة في الفداء و القتال ابهر العالم الديمقراطي المتحضر و دفعه الى تقديم المساعدات اللازمة من الاسلحة و العدد العسكرية لأنه كان الجيش الوحيد الذي يقاتل داعش على الارض و تمكن من كسر شوكتها و ايقاف مدها بعد أندحار الفرق العسكرية العراقية أمامها ، هذه الجماعة التي حاولت طمس الهوية الكوردستانية وفعلت فعلتها في مناطق سيطرتها بين القتل والابادة الجماعية والاتجار بالنساء كسبايا في الاسواق وممارسة ابشع انواع التعذيب ....الخ.

4- مواقف السيد (مسعود بارزاني) رئيس اقليم كوردستان المتكررة من مواصلة محاربة الارهاب اينما كانت و انها تعد هدفاً سامياً له لعلم سيادته بخطورة هذه الظاهرة العالمية التي لا تعرف الحدود و الدين و المذهب و بات مرضاً يعاني منها الدول بأسرها .

كل هذا دلائل قاطعة على أن إجراء الاستفتاء والإعلان عن الدولة الكوردستانية لا يزيد إلا الاصرار  على محاربة الارهاب وكل القوى الظلامية التي لا تريد الخير للإنسانية..