دَعكمْ من مبدأ تقرير المصير... دعكمْ من حقيقة أنّ هذا المبدأ صار قاعدة راسخة في الشرائع والقوانين الدولية والوطنية... دعكم من واقع أنّ هذا المبدأ أمسى حقاً مُعترفاً به من الحقوق الأساس للأفراد، ناهيكم عن الجماعات والأقوام والأمم والشعوب.
دَعكمْ من هذا كله، ولننظر في المصلحة... هل لنا نحن العراقيين، وبخاصة عرب العراق، مصلحة في بقاء الكورد معنا رغم أنوفهم ماداموا لا يرغبون في هذا بإرادتهم الحرّة ومن كلّ قلوبهم؟
لننظر في التاريخ .. انتهى النزاع على ولاية الموصل العثمانية بين تركيا والعراق لصالح العراق في العام 1926 بموجب المعاهدة الثلاثية (التركية - العراقية - البريطانية) الموقّعة في ذلك العام. كان من شروط إلحاق الولاية ذات الأغلبية السكانية الكوردية بالعراق وكذا من شروط إنهاء الانتداب البريطاني ونيل الاستقلال الوطني (المتحقّق في العام 1932)، منح الكورد نوعاً من الحكم الذاتي. هذا لم يتحقق، ما ظلّ يثير "التمردات"، أو الثورات، من جانب الكورد الذين كانوا يطالبون بحقوقهم التي أقرّها تعديل دستور 1925.
"التمردات" الكوردية كانت ذريعة لأنظمة الحكم المختلفة، الملكية والجمهورية، للعمليات العسكرية في "الشمال" التي تطوّرت إلى حروب طاحنة تسبّبت في اقتطاع نسب متصاعدة من تخصيصات التنمية في موازنات الدولة لصالح موازنة "الدفاع"... شبان في عمر الزهور، جنوداً وضباطاً، كانوا على الدوام يموتون بالجملة من أجل قمع "التمردات" أو الثورات الكوردية التي لم تكن تتوقف إلا لتندلع من جديد.
كلّ الأحداث المأساوية في تاريخنا الحديث كان العامل الكوردي حاضراً بقوة فيها.
الحرب ضد إيران (1980 – 1988) كانت كارثة وطنية كبرى .. أنفق فيها نظام صدام أموالاً تعادل كل ما حصل عليه العراق من ثروته النفطية، منذ بدء إنتاج النفط وتصديره وتحوّله إلى مصدر الدخل الوحيد للعراق، فضلاً عن هلاك نحو مليون من شباب العراق في محرقة الحرب، قتلى ومعوقين وأسرى.
احتلال الكويت والحرب الدولية التالية كانت كارثة وطنية كبرى أخرى مكمّلة لسابقتها، بنتائج وكلفة مماثلة.
العامل الكوردي كان حاضرا في هاتين الكارثتين ، فالحرب ضد إيران جذرها في اتفاقية الجزائر 1975 .احتلال الكويت والحرب اللاحقة جذرهما في هزيمة الحرب الاولى.
قبل هذا كان العامل الكوردي حاضراً أيضاً في كل الانقلابات العسكرية التي لم تعط للعراقيين فرصة للتنفس من أجل الاستقرار والتنمية.
باختصار، عدم الاعتراف بحقّ الكورد في حكم أنفسهم ذاتياً، على وفق ما جاء في ترتيبات إلحاق ولاية الموصل بالعراق وما نصّ عليه دستور 1925 المعدّل، ثم ما نصّ عليه دستور 14 تموز 1958 المؤقت من شراكة العرب والكورد، ثم ما جاء في اتفاقية آذار 1970 وقانون الحكم الذاتي 1974.. عدم الاعتراف هذا جلب الحروب والخراب والدمار والدكتاتوريات للعراق.
السؤال المنطقي: ما نفعنا ببقاء الكورد معنا برغم أنوفهم؟.. لماذا نريد إرغامهم على البقاء؟ .. ألم يكن من الأصلح والأنفع لنا أن يكونوا هم في دولة ونحن في دولة؟ .. لو كانت ولاية الموصل قد ألحقت بتركيا أو مُنحت الاستقلال هل كنّا نحن العراقيين، وبالأخص عرب العراق، سنتجرع كل هذا السمّ الذي أذاقتنا إيّاه الدكتاتوريات المتعاقبة؟