اردوغان وروحاني يطلقان الرصاصة الاولى لحصار كردستان العراق

آخر تحديث 2017-10-04 00:00:00 - المصدر: رأي اليوم

ربما يكون السيد مسعود البارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق قد انقذ زعامته من الانهيار بالاصرار على المضي قدما في اجراء الاستفتاء الذي زاد من شعبيته بشكل ملحوظ، ولكنه وضع الاكراد امام مأزق حرج، وزاد من عزلتهم إقليميا ودوليا، ووحد الأعداء ضدهم.

من تابع المؤتمر الصحافي الذي انعقد اليوم في طهران بحضور الرئيسين، التركي رجب طيب اردوغان والإيراني حسن روحاني في ختام مباحثاتهما الرسمية، يدرك جيدا ان أيام إقليم كردستان المقبلة ستكون صعبة جدا، وان الرخاء والامن اللذين تمتع بهما الإقليم طوال السنوات الـ14 الماضية في طريقهما للتبخر، مع تزايد احتمالات الحروب والعودة الى قمم الجبال ووديانها.

الرئيسان اكدا على ان تركيا وايران لن تقبلا مطلقا بتفتيت المنطقة، وتمسكهما بوحدة الأراضي العراقية والسورية، وان “البلدين” هما مركزا الاستقرار في الشرق الأوسط، واتخذا قرارات مهمة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما.

الرئيس اردوغان ذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما “هدد” بأن مصير “إقليم شمال العراق” سيكون العزلة بعد الاستفتاء الباطل، وقال من الآن فصاعدا سنتحاور مع الحكومة العراقية المركزية، وتساءل ساخرا “ما هذا الاستفتاء الذي لا تعترف به ونتائجه الا دولة واحدة (إسرائيل) ويديره “الموساد”؟”

***.

الاكراد، والسيد البارزاني على وجه التحديد، كانوا يراهنون على ضعف الحلقة التركية، مثلما كانوا واثقين بأن حلفاءهم في إسرائيل سيعملون على تغيير الموقف الأمريكي الرافض للاستفتاء، والانفصال، لما لهم من قوة في الإدارة والكونغرس، عبروا عن هذه التمنيات في مجالسهم الخاصة، واكد السيد البارزاني انه كان يتوقع ردود الفعل هذه، وكان متيقنا بأن الحصار قادم، ولكن بمرور الوقت ستتغير الأوضاع، ولن يقبل العالم بحصار الاكراد، وان النصر صبر ساعة.

هذه القراءة ربما تكون متسرعة، وتنطوي على الكثير من السذاجة، وعدم المعرفة بخطورة الخطوة التي اقدم عليها السيد البارزاني وفي الوقت  الخطأ، فالايرانيون “الدهاة”، يعرفون ان الاقتصاد هو نقطة ضعف الرئيس اردوغان، ولذلك قرروا تعويضه عن خسارة 10 مليار دولار، هي حجم تجارته مع إقليم كردستان، من خلال فتح ثلاثة معابر حدودية جديدة، وتوقيع اتفاق بالتعامل بالعملات الوطنية المحلية لتنشيط التجارة البينية، وفتح خط نقل نفطي الى الموانيء التركية مباشرة ودون المرور عبر أربيل، ورفع حجم التبادل التجاري من عشرة مليارات دولار الى ثلاثين مليار دولار في غضون سنوات معدودة.

السيد البارزاني لم يتوقع حدوث امرين رئيسيين، وهو يتحلى بالعناد، ويرفض توسلات حلفائه بتأجيل الاستفتاء، وربما كان يعلم بهما ولم يقدرهما التقدير الواجب:

الأول: ان الحشد الشعبي اقتحم الحويجة، آخر معاقل “الدولة الإسلامية” قرب كركوك، وبات يتخذها كنقطة انطلاق الى كركوك وجوارها للاستيلاء على منابع النفط فيها، وربما التقدم بعد ذلك نحو أربيل، فحدود الإقليم مع العراق التي يزيد طولها عن 1800 كيلومتر لن تتمكن قوات البشمرغة من توفير الحماية لها في مواجهة الاخطار المتوقعة.

الثاني: حدوث انشقاق في الجبهة الداخلية الكردية، وتمرد يتصاعد ويزداد قوة على زعامته، خاصة في إقليم السليمانية الذي تعتبر قيادته الأكثر قربا من طهران، فاليوم شنت السيدة هيرو إبراهيم، زوجة الرئيس الراحل جلال الطالباني، وعضو المكتب السياسي في حزب الاتحاد الكردستاني هجوما شرسا عليه، أي البارزاني، رافضه تشكيلة مجلس سياسي للتعامل مع الاستفتاء، واتهمته بتحدي روسيا والصين وامريكا وبريطانيا ودول الجوار بعدم الاستجابة لمطالبها بعدم اجراء الاستفتاء، وحذرت من ان مواطني الإقليم يدفعون ثمن هذا العداء والتحدي، معلنة شق عصا الطاعة على رئاسة الإقليم، ومؤكدة معارضتها لها.

تركيا هي التي تملك مفتاح نجاح او فشل أي دولة كردية مستقلة، واذا توحدت مع ايران ضد هذه الدولة فلن تفيدها إسرائيل وامريكا، والسيد البارزاني دفع السيد حيدر العبادي الى أحضان ايران مكرها.

صحيح ان هناك أصوات في شمال العراق تقول ان الجوع والحرمان وعدم الاستقرار ليس جديدا على الاكراد، وتعودوا عليهما لعقود، عاشوا خلالها مقاتلين فوق قمم الجبال، وباتوا مستعدين للعودة اليها، فهي اكثر حنية عليهم، وحماية لهم، ولكن لماذا تحمُل كل هذه المخاطر والمعاناة، خاصة ان الجيل الكردي ليس مثل جيل آبائه واجداده، تعود على البحبوحة والرخاء والكماليات، ليس مضطرا لتحمل نتائج قيادة لا تفكر الا في زعامتها وتضعها فوق مصالح الشعب الكردي.

اتفق اردوغان وروحاني والعبادي ضد الاكراد واستفتائهم، مثلما اتفقوا على شرط الغاء الاستفتاء ونتائجه قبل أي حوار لرفع الحصار، وهذه الدول الثلاث الى جانب سورية هي القادرة مجتمعة على خنق إقليم كردستان العراق، واغراقه في حال من الشلل، لانها تخشى على وحدة أراضيها وشعبها.

هناك نظرية تقول ان اكبر خطأ ارتكبته “الدولة الاسلامية”، وزعيمها ابو بكر البغدادي، بعد استيلائها على الموصل عام 2014 انها توجهت الى أربيل، ووصلت الى 40 كيلومترا منها قبل ان يوقفها الامريكان والايرانيون، ولو ذهبت الى بغداد لربما نجحت في الاستيلاء عليها في ظل انهيار الجيش العراقي في حينها، فاربيل اكثر قربا الى قلب أمريكا واوروبا من بغداد.

من المفارقة ان ايران لعبت دورا كبيرا في إيقاف قوات “الدولة الإسلامية”، على الارض، بينما اقتصر الدور الأمريكي على القصف الجوي، وقدمت الأسلحة والعتاد للبشمرغة التي تراجعت معظم وحداتها امام قوات البغدادي، ولا نعرف ما اذا كانت ستتخذ الموقف نفسه لو كانت تعرف بخطط الانفصال هذه؟ والشي نفسه يقال أيضا عن صدام حسين الذي ارسل قواته ودباباته قبل الغزو الأمريكي بأشهر لإنقاذ أربيل ومنع قوات الطالباني من الاستيلاء عليها.

***.

السيد البارزاني كان باستطاعته ان يحكم بغداد، وبطريقة ديمقراطية، او تحول الى صانع ملوك، لو تعامل مع القوى الأخرى التي كانت ترفض الحكومة العراقية وفسادها وطائفيتها في حينها، ولكنه تصرف مثلها بطريقة طائفية عرقية انفصالية، وقد يخسر الاثنين، بغداد واربيل معا.

لا نعرف كيف ستتطور الأمور في الأسابيع والاشهر المقبلة، ولكن يجب وضع امرين في عين الاعتبار، أولهما ان كردستان ليست البارزاني، والبارزاني ليسى كردستان، والثاني انه اذا كانت أربيل نجت من اجتياح قوات “الدولة الإسلامية” عام 2014، فإنها قد لا يكون الحظ حليفها اذا ما فُرض عليها الحصار، وزحفت اليها قوات الحشد الشعبي وفيلق القدس الإيراني، مثلما تشير بعض التوقعات والتهديدات.

يجب ان يدرك الاكراد جيدا ان إسرائيل وبعض الدولة العربية السنية المعتدلة المتحالفة سرا معها تريد استخدامهم كورقة لإضعاف جيرانهم واستفزازهم، ولكن هؤلاء الجيران اقوياء ومشاريع دول إقليمية عظمى، ومن لم يستطع هزيمة “حزب الله” في لبنان، و”حماس″ في غزة، لا يمكن ان يهزم ايران وتركيا والعراق وسورية مجتمعة..والأيام بيننا.

 

عبد الباري عطوان.