الخلل في الدستور أم في العقول؟

آخر تحديث 2017-10-09 00:00:00 - المصدر: باسنيوز

يعد الدستور القانون الاعلى والاسمى ولا يمكن لاي قانون اخر مخالفته في البلدان المتمدنة والمتحضرة التي يسودها القانون، فهو يحدد شكل الدولة فيما اذا كانت بسيطة او مركبة ونوعية نظام الحكم كونه ملكياً او جمهورياً وشكل الحكومة رئاسية ام برلمانية، اضافة الى ذلك فان الدستور ينظم السلطات العامة من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الاساسية للافراد والجماعات، وسلطة الدستور هذه تأتي من كونه يعبر عن ارادة الشعب الذي غالبا ما يعبر عنها بالتصويت المباشر على نصوصه.

ككل شعوب العالم التواقة للحرية صوت الشعب العراقي  على الدستور الجديد في 15 تشرين الاول  2005 املا في بناء بلد حضاري متمدن يسوده الدستور ويحكمه القانون بعيدا عن الحروب وملاحقة المعارضين والحكم عبر الاهواء والنزوات الشخصية من قبل الشخصيات الحاكمة او افراد عوائلهم او تابعيهم من الحواشي، لكن الذي حدث ولا يزال مستمرا لحد اليوم هو ان الدستور الديمقراطي الذي يتباهى به ( ويحتكم اليه ) السادة حكام العراق الجديد لم يكن سوى حبرا على ورق ولم يتم التعامل به الا في ما ندر.

من ابرز الانتقادات التي توجه الى الدستور العراقي هي كتابته والتصويت عليه بسرعة بمقاطعة سُنية واضحة، لكن رغم ذلك فان الدستور اقر بموافقة 78 من المصوتين ودخل حيز التنفيذ عام 2006، ومنذ ذلك الحين  حتى يومنا هذا لم يكن الدستور سوى وسيلة لتجميل الوجه القبيح للعراق الجديد واداة لقمع واسكات المعارض كما يحدث الان مع اقليم كردستان بسبب الاستفتاء على الاستقلال، لان الدستور الذي يحتكمون اليه ويتحججون به في الازمات لم يطبق منه حرف واحد منذ دخوله حيز التنفيذ حتى يومنا هذا، ولتأكيد قولنا سنتخذ من بعض مواد الدستور مثالا.

ينص الدستور في المادة (6) : ( يتم تداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور. )، نحن كعراقيين نعرف جيدا ان هذه المادة رغم وضوحها في الدستور فانها لم تطبق ابدا، بل بالعكس من ذلك فان الصراع على السلطة والتشبث بها واحتكارها كلفا العراق ما لا يقدر من اموال وارواح ( تصريحات حكام اليوم تؤكد ان السلطة اصبحت من الميراث لذلك لا يمكن تسليمها بسهولة ابدا )، فلو كان ساسة العراق الجديد يؤمنون بهذه المادة ونصها ما كان رئيس الوزراء السابق يهدد ويعرقل نقل السلطة بعد انتهاء مدته وما كان نواب رئيس الجمهورية اصبحوا ثلاثة بدلا من اثنين . وكذلك ينص الدستور في المادة (7) اولا: يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون)، لم تطبق هذه المادة الا جزئيا وتم التعامل بها بكل دهاء ومكر وازدواجية، فمن ناحية حزب البعث والبعثيين ( حتى المؤيدين والمتعاطفين ) طبقت عليهم بكل صرامة، اما من ناحية الحكام واقربائهم وابناء طائفتهم فلم يكن لها وجود اصلا، لانه وامام مرأى ومسمع كل مسؤولي وقانونيي العراق الجديد تعرض المسيحيون وبقية الاقليات الدينية  في العراق منذ الاف السنين الى الخطف والقتل والتهجير والتكفير والتحقير والاذلال بصورة علنية ، دون ان نلمس اية اجراءات قانونية او قضائية بحق القائمين بذلك! . وفي المادة (9) : ثانيا ينص الدستور على :- ( يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة. )، لو كان الدستور سيدا واحتكم اليه بصورة صحيحة لكانت هذه المادة قد انقذت ارواح عشرات الالاف من ابناء شعبنا التي زهقت من قبل الميليشيات المسلحة التابعة لاصحاب السمو في العراق الجديد، واذا كان الدستور واضحا في حظره هذا فكيف اذا اصبحت الميليشيات تسرح وتمرح في الوطن دون مسائلة؟  ( المضحك المبكي ان قادة الميليشيات المحظورة دستوريا تهدد اقليم كوردستان علنيا! ).

وينص الدستور ايضا في المادة (18) رابعا على :- يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى من يتولى منصبا سياديا او امنيا رفيعا التخلي عن اية جنسية اخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون. )، قبل تطبيق بنود الدستور على الشعب كان من المفترض ان يحتكم الى نصوصه حكام ومسؤولي العراق الجديد ليكونوا مثالا يحتذى لكن بدلا من ذلك كانوا هم اول من اغتالوه وهو في المهد، فكم من مسؤول عراقي طبق هذه المادة او طبقت عليه؟.

بالاضافة الى كل ذلك ينص الدستور في المادة (140) على مسؤولية السلطة التنفيذية على انجاز وبصورة كاملة ( التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد ارادة مواطنيها ) في مدة اقصاها 31/12/2007، فلماذا لم تحرك السلطات التنفيذية ساكنا ازاء هذه المادة منذ ذلك الوقت لحد يومنا هذا؟.

ان الخلل ليس في الدستور المولود ميتا كما يروج، بل في العقول التي تدير البلد بعد 2003.