بحث قادة عسكريون غربيون، بريطانيان وألماني، احتمالات الحرب القبلة بين إسرائيل وحزب الله، فرأوا أن هذا الاحتمال كبير، وأن لبنان لم يعد دولة صديقة، وأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي.
إيلاف من واشنطن: في ندوة أقامها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في اطار سلسلة من المحاضرات حول مكافحة الارهاب، تحدث الكولونيل ريتشارد كمب، القائد السابق للقوات البريطانية في افغانستان وقائد فريق مكافحة الإرهاب الدولي في لجنة الاستخبارات المشتركة البريطانية، والجنرال لورد ريتشارد دانات، رئيس الأركان السابق للجيش البريطاني، والجنرال كلاوس ناومان، الرئيس السابق لأركان الجيش الالماني ورئيس اللجنة العسكرية لحلف الأطلسي. وقد شارك الثلاثة في مشروع المجموعة العسكرية رفيعة المستوى الذي أعد تقريرًا عن "جيش حزب الله الارهابي: كيف نمنع حربًا ثالثة في لبنان".
الحرب المحتملة
قال كمب إن احتمال أن يشعل حزب الله حربًا أخرى مع اسرائيل كبير، ولا سيما أنه يقوم حاليًا بدور وكيل إيران الرئيسي ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما. ليس لدى المجموعة العسكرية رفيعة المستوى شك في أن اسرائيل حين تبدأ الحرب سترد بقدر كبير من العدوانية والقوة والسرعة. ومن المحتم أن تسفر عملياتها عن خسائر كبيرة في الأرواح بين المدنيين، ولا سيما في جنوب لبنان.
بحسب كمب، حزب الله يعرف ذلك، "وفي الحقيقة يأمل في إشعال هذا النزاع مراهنًا على وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين لتحريض المجتمع الدولي ضد إسرائيل. وعلى غرار حماس وجماعات مماثلة، فإن حزب الله يهدف إلى كسب ما يكفي من التأييد لمحاكمة اسرائيل بارتكاب جرائم حرب. لهذا السبب وحده من المستبعد أن تفكر اسرائيل في شن حملة استباقية كبيرة في لبنان".
أضاف: "لتغيير حسابات حزب الله وتفادي الانجرار إلى تقديم خدمة له، يجب أن تعيد الحكومات الغربية النظر في ردات أفعالها على عمليات إسرائيل المبررة، العسكرية منها والتي تستهدف الارهاب، الهجمات الارهابية التي تدفع إلى هذه العمليات أصلًا. لكن الحكومات الغربية كثيرًا ما تكون أكثر اهتمامًا بتهدئة البلدان العربية في مثل هذه المواقف. وسيبقى هذا التفكير مستمرًا طالما أن المسؤولين ينظرون إلى الإرهاب الموجه ضد إسرائيل نظرة مختلفة عن الارهاب الموجه ضد بلدان أخرى".
تطوير مهم
أما دانات فقال إن حزب الله حقق تطويرًا مهمًا في أفكاره الاستراتيجية وقدراته منذ حرب لبنان 2006، "وإن فهم الأخطار الناجمة عن ذلك ضروري لتقويم احتمالات وقوع هجوم وطبيعة الهجوم المضاد الحتمي من اسرائيل. وفيما يتعلق بالقدرات القتالية الأرضية، فإن حزب الله نما حتى أصبح أكثر من جماعة ارهابية أو مسلحة وهو الآن أقرب إلى القوة العسكرية المتعارف عليها بتسلسل قيادة واضح وبنية تحتية. وازدادت عديده زيادة هائلة إلى ما يُقدر بـ 25 ألف مقاتل فاعل و20 الف عنصر احتياط. وأنهى زهاء 5000 من المقاتلين الفاعلين تدريبات متقدمة في إيران".
أضاف دانات: "في هذه الأثناء، توسعت ترسانته إلى أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة، آلاف منها ذات قدرات بعيدة المدى تصل إلى 250 كلم. والقوات الأرضية مجهزة الآن برشاشات كلاشنكوف ومناظير للرؤية الليلية وأسلحة متطورة ضد الدبابات ومهارات محدَّثة في المتفجرات، واضاف حزب الله وحدة إسناد مدرعة جديدة لديها دبابات حديثة. ويملك الحزب مئات الطائرات المسيرة ومنظومات متطورة للدفاع الجوي وصواريخ ساحل ـ بحر مجنحة وقدرات استخباراتية كبيرة. وبالتضافر مع الخبرة القتالية التي اكتسبتها قوات حزب الله في سورية فإن هذه التطورات تمكّن الحزب من تنفيذ عمليات على مستوى الكتيبة أو الفوج. يضاف إلى ذلك أن حزب الله يبقى أهم ركن في استراتيجة إيران للحرب بالوكالة، وإذا اندلع نزاع آخر مع إسرائيل فان من المرجح أن تدفع إيران وكلائها الإرهابيين الآخرين في المنطقة ليهبُّوا إلى الدفاع عنه".
ثلاثة أنشطة
بحسب دانات، يتكون المفهوم الاستراتيجي الأساسي لحزب الله من ثلاثة أقسام مترابطة: النشاط الارهابي والنشاط العسكري التقليدي والنشاط السياسي. ويعني هذا الترابط أن الحزب ينفذ عمليات من دون مراعاة لقوانين الحرب، على الرغم من شبهه بجيش تقليدي، "وعلى سبيل المثال، لم يكن لدى الحزب وازع من استخدام المدنيين غطاء لعناصره متعمدًا استغلال غير المقاتلين ليصبحوا أهدافًا. وبمرور الوقت حول الحزب غالبية القرى الشيعية في جنوب لبنان إلى موارد عسكرية توفر بنية تحتية ومجندين ومستودعات وأنفاق تحت الأرض مصممة لأغراض الحرب".
أضاف: "لذا، يجب أن يدرك المجتمع الدولي أن حزب الله أصبح تهديدًا خطيرًا ليس لإسرائيل فحسب بل للشعب اللبناني أيضًا. وخلال الحرب المقبلة، لا شك في أن الحزب يهدف إلى إضعاف تصميم اسرائيل وكسب أفضلية تكتيكية باستهداف المدنيين والبنية التحتية ذات الأهمية البالغة داخل اسرائيل، وربما يسعى حتى إلى السيطرة على رقعة أرض مهمة في محاولة لإثبات صدقية موقفه المقاوِم أمام العالم العربي. ومن المؤكد أن إسرائيل سترد بهجوم مضاد كاسح يعرض السكان المدنيين في جنوب لبنان للخطر الجسيم".
ختم: "في حين أن أحدث تقارير المجموعة العسكرية رفيعة المستوى يركز على منع حرب ثالثة، فإن بالامكان القول إن الرصاصات الأولى أُطلقت بالفعل بما ينفذه الطرفان من شتى صنوف العمليات غير المكشوفة ضد أحدهما الآخر. وفي هذه الحالة، لن يكون من الصعب الانتقال من حرب باردة إلى حرب ساخنة".
لبنان ليس دولة صديقة
قال ناومان: "إزاء تطور قدرات حزب الله العسكرية ورغبته في استهداف المدنيين الاسرائيليين واستراتيجيته في استخدام المدنيين اللبنانيين دروعًا بشرية، فإن الحرب المقبلة ستكون أسوأ قطعًا من الحرب السابقة. وإذا اندلعت يمكن أن تترتب عليها عواقب انسانية وخيمة وتضع مصالح استراتيجية غربية في خطر".
أضاف: "ما زال بامكان الغرب أن ينزع فتيل هذه الحرب المحدقة أو يخفف من أسوأ آثارها، وللقيام بذلك يجب أن تعيد الولايات المتحدة واوروبا تقويم علاقاتهما مع لبنان وتحديث سياساتهما على هذا الأساس، فلبنان لم يعد دولة صديقة بوجود جماعة ارهابية متربصة فيه. وفي هذه المرحلة تمكن حزب الله من بسط سيطرته على القسم الأعظم من البلاد تاركًا الحكومة معتمدة على وجوده ومستغلا المسؤولين لتجاهل مصالح الشعب من أجل تنفيذ أجندة ايران في المنطقة. وإذا لم يدرك الغرب أن لبنان لم يعد يختلف عن حزب الله فان الخطر ليس من شأنه إلا أن ينمو".
وتابع: "يستعد حزب الله لنزاع آخر مع اسرائيل لسببين: الأول ليس جديدًا، فالحزب وراعيته ايران يعارضان وجود اسرائيل؛ والسبب الثاني ناجم عن مشكلة الشرعية التي واجهت حزب الله أخيرًا في لبنان بسبب الخسائر التي تكبدها في سورية. وفي الوقت الحاضر، من المرجح أن تمنع هذه المشكلة حزب الله من مهاجمة اسرائيل لأن قادته ربما لا يريدون إشعال حرب مكلفة أخرى الآن. وفي الوقت نفسه من المرجح أن يغتنموا فرصة تنفيذ هجوم واحد إذا سنحت لتجديد صدقية الحزب في الداخل. لكن مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدي بسهولة إلى حرب شاملة".
حزب الله كيان ارهابي
بحسب ناومان، اتخذت الولايات المتحدة خطوات إيجابية لمنع حرب ثالثة في لبنان مثل إدراك الجذور الايرانية للنزاع المديد وفرض عقوبات ضد طهران وحزب الله، "لكن المطلوب عمل مباشر وأشد حزمًا، وعلى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن تنظر إلى الأمام في هذا الشأن بالجمع بين الضغوط السياسية والمالية والرادعة على حزب الله والحكومة اللبنانية وإيران، كما يجب أن تعلن بلغة لا تقبل اللبس أن لاسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها في أعقاب هجمات ينفذها حزب الله".
قال: "على الغرار نفسه، يجب أن تفعل الحكومات الأوروبية المزيد لإدراك الوضع والتعامل معه. والأهم انها يجب أن تعلن بلا تحفظ أن تنظيم حزب الله بأكمله كيان ارهابي متخلية عن التمييز الكاذب بين نشاطاته السياسية ونشاطاته العسكرية".
وتابع: "كما يجب أن تدرك الدبلوماسية الدولية التهديد الخطير التي يمثله حزب الله لا سيما ما يتعلق بقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل). فلا اليونيفيل ولا القرار الذي يفوض عملياتها كانا ناجحين، ولذلك على الأمم المتحدة أن تعزز اليونيفيل أو تعيد النظر في تفويضها لأنها حاليًا ليست قوية بما فيه الكفاية لأن تكون قوة فاعلة. وإزاء الأضرار المحتملة التي يمكن أن تلحقها حرب أخرى بالشعب اللبناني واسرائيل والبلدان الاوروبية التي تترنح أصلًامعن وطأة قضايا اللاجئين، فإن وقت التحرك الأشد فاعلية هو الآن".