مراكش: في تجريبة فريدة، اجتمع شباب من مهن مختلفة، مساء السبت، من أجل المشاركة في ورشة لكتابة الحكاية الشعبية. شباب يشتغلون في قطاع التدريس و السياحة و الفن وغيرها جمعهم حبهم للحكاية الشعبية و شغفهم بإمكانية صناعتها، فاجتمعوا بدار بلارج ( موقع أثري يحتضن مؤسسة للثقافة و الفن) بالمدينة العتيقة بمراكش من أجل خوض تجربة، أسفرت عن قصص مستوحاة من الواقع و المخيال الشعبي، سردها كل من المشاركين بطريقته الخاصة، فيما تولى آخرون ترجمتها للإنجليزية، باعتبار أن الورشة شارك فيها حتى أجانب ناطقون بالإنجليزية.
شباب يطلقون مبادرة الحكاية
المبادرة جاءت من شباب سكنهم الولع بالحكاية الشفاهية الشعبية، ومكنتهم الإقامة بمراكش على الإستمتاع، في مراحل مبكرة من حياتهم على الإلتفاف حول حلقات الحكواتيين بساحة جامع الفنا الشهيرة، وبعضهم الآخر من حكايات الجدات، فاستمالتهم القصص الشفاهية وبراعة السرد التي تفنن فيها أشهر الساردين على امتداد عقود من الزمن بالساحة، حتى لم يتبق منهم إلا نزر قليل من ساردين إثنين هما محمد باريز و عبد الرحيم الأزلية، اللذين ضاقت بهما الساحة و لفظتهما خارجها .
هؤلاء قرروا أن يجتمعوا في ورشة لكتابة حكايات شعبية، راجين أن يشكلوا النواة الأولى لورشات للكتابة ستعرف ميلادها بدار بلارج بمراكش مستقبلا، حتى يتمكن محبو الحكاية الشعبية من إيجاد فضاء لتفجير طاقاتهم التخييلية و السردية.
بمثالين شعبيين أطلقهما مهدي الغالي مؤطر الورشة ( بحلاوة اللسان خلاتو عريان، جول تفهم المعاني) طالبا من المشاركين أن ينقسموا لمجموعتين و ينسجوا حكاياتهم انطلاقا من المثالين الشعبيين.
حكواتيون عصريون
جيل جديد من الحكواتيين العصريين بدأ يتشكل، بعيدا عن السرد وتفاصيله، لكن فقط بحبه للحكاية وشغفه بها، على الأقل في فضاءات تهتم بالتراث الشفاهي، حيث لم يجد هؤلاء طريقهم للسرد كما فعل أسلافهم، منهم مؤطر الورشة مهدي الغالي الذي لا يفوت الفرصة في لقاءات ثقافية للتعريف بالحكاية الشعبية و بسرد ما حفظه عن حكواتيي جامع الفنا، دون أن يعيش من عائدات سرده، حيث يمتهن نشاطا آخر في قطاع السياحة بعيدا عن وجع السرد.
عن هذه التجرية يقول مهدي الغالي ل »إيلاف المغرب » إنه لا يعيش من عائدات سرد الحكاية الشعبية، بل فقط دفعه حبه لها و معينه الذي جمعه من جلسات مطولة في حلقات الرواد بساحة جامع الفنا، إلى تقاسم متعة السرد مع غيره من عشاقها.
بشأن عدم امتهان محبين جدد للحكاية و العيش من عائداتها، قال الكاتب ياسين عدنان في تصريح ل »إيلاف المغرب » إن سبب ذلك راجع للدخل القليل من هذا النشاط، حيث لا يمكن لشاب مثقف أن يمتهن سرد الحكاية الشعبية لأن دخلها قليل، تماما كما هو الشأن بالنسبة للكاتب الذي لا يمكنه أن يعيش من عائدات القصص أو الروايات التي يكتبها.
الجرح الثقافي
وعن تجربته داخل ساحة جامع الفنا بجانب الحكواتيين محمد باريز و عبد الرحيم الأزلية، قال عدنان إن حضوره بجانبهما، في تجربة استثنائية قبل سنوات، كان من أجل دعمهما و إعادة الإعتبار للحكاية التي بدأت تندثر في الساحة إلى أن اختفت بشكل كلي.
و أضاف الكاتب أن الحكواتيين يشتركون مع كتاب القصة و الرواية في نفس المصير، لأنهم لا يتمكنون من العيش من عائدات كتبهم أو سردهم، مؤكدا أنه تعلم الكثير من حكواتيي جامع الفنا، و أنه مدين لهم بذلك، كما اعتبر أن الحكواتي أهم في سرده الشفاهي من الكاتب بكثير.
و تأسف المتحدث لاندثار فن الحلقة و غياب الحكواتيين عن الساحة التي تعد مدينة لهم بتصنيفها كتراث عالمي للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو، مضيفا أن الساحة التي أصبحت تعج بالمطاعم وعربات العصير لم يعد فيها مكان لفن الحلقة، و أن الحكواتيين لا يمكنهم الصراخ وسط الزعيق و الصخب اللذين ينبعثان من المقاهي المجاورة، حتى تصل أصواتهم للملتفين حول الدائرة التي ضاقت حتى اختفت بشكل كلي، فاسحة المجال لمظاهر أخرى احتلت الساحة و أعدمت الحلقة للأبد.
إعادة الإعتبار للحكواتيين
وعن احتضان المثقفين للحكواتيين ، قال عدنان إنه سبق و أن خاض تجربة بمعية الشاعر سعد سرحان، ذات رمضان، لإعادة الإعتبار للحكواتي محمد باريز من خلال تشجيعه على عقد حلقته بعرصة مولاي عبد السلام ، غير بعيد عن ساحة جامع الفنا، بعد أن لفظه المكان، آملا أن تصبح طقسا يوميا يستمتع من خلاله عشاق الحلقة بهذا الفن عصر كل يوم قبل حلول أذان المغرب، بذات المكان، لكن عمر هذه التجربة كان قصيرا جدا ولم تمكث أكثر من يوم واحد فقط.
وأشار عدنان في حديثه عن طرق السرد المختلفة التي افتتن بها لدى الساردين، أنه كان يستمتع بكل واحد منهم وهم يسردون نفس الحكاية، كل بطريقته التي يضيف عليها توابله الخاصة، مؤكدا أن الجيل الجديد نفسه الذي حفظ عن القدامى لم يسرد الحكايات التي ارتوى منها إلا بطرقه الخاصة.
وتوسم الإعلامي عدنان الخير في مثقفي المدينة و المهتمين بالشأن الثقافي حتى يبلوروا مقاربة مندمجة تعيد الإعتبار للتراث الشفاهي وتعيد لساحة جامع الفنا بريقها الذي فقدته مع غياب الحكواتيين، وهو ما فتئ الكاتب عدنان يصفه ب" الجرح الثقافي" .