بغداد / سكاي برس
نشرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية تقريرا، تطرقت من خلاله إلى حادثة استقالة سعد الحريري وتراجعه عنها، وسعي السعودية من خلال ذلك لإبراز نفوذها. والجدير بالذكر أن سعد الحريري قد ورث أعمال والده رفيق الحريري، علما وأن شركاته في السعودية تعاني من عجز مالي حاد.
وقالت الصحيفة، في تقرير لها إن علامات الإرهاق كانت بادية على ملامح سعد الحريري الذي صرح من وراء مكتبه، الذي كان يخيم عليه شبح والده رفيق الحريري، بأنه لا علاقة للسعودية بقرار استقالته، وذلك إثر عودته إلى لبنان بعد ثلاثة أسابيع قضاها في الإقامة الجبرية في الرياض.
وقد أكد سعد الحريري أنه أراد خلق "صدمة إيجابية"، من خلال قرار استقالته لضمان استقرار لبنان ولتذكير حزب الله بأنه لن يتمكن من أن يكون "دولة داخل الدولة" في البلاد، ولا أن يكون الجناح المسلح لإيران في اليمن، وسوريا والعراق. وشدد الحريري على أنه سيبذل كل ما بوسعه لكي لا تصبح بلاده مسرحا آخر للمواجهة بين إيران والسعودية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرياض تمثل الممول والحليف التقليدي للسنة في لبنان. وقد كانت تسعى من خلال الاستدعاء الطارئ لسعد الحريري، إلى أن تثبت بأنها قادرة على إضعاف البلاد في أي لحظة. في الواقع، في ظل وجود أكثر من 15 مليار دولار من الأصول في البنوك اللبنانية والميزانيات الموسعة التي خصصتها السعودية لدعم خزائن الدولة، يمكن للمملكة أن تدمر البلاد في غضون ساعات قليلة، ناهيك عن أن أكثر من 300 ألف لبناني يعملون في الخليج.
وأفادت الصحيفة أن أعمال مجموعة البناء التي ورثها سعد الحريري عن والده والتي يديرها بالتوازي مع مسؤولياته السياسية، تشهد تراجعا ملحوظا، وتدين الدولة السعودية بحوالي 8 مليارات دولار لشركة "سعودي أوجيه"، التي يملكها سعد الحريري، والتي لم تسدد أجور 40 ألف موظف يعملون لصالحها لعدة أشهر.
وأوضحت الصحيفة أن سعد الحريري، الذي لطالما اعتمد على علاقات والده في السعودية، لم يكن مدركا لحقيقة التغيرات التي طرأت على المملكة خاصة في ظل انخفاض أسعار النفط وظهور الأمير محمد بن سلمان على الساحة السياسية. من جهة أخرى، عمد منافسو سعد الحريري إلى استغلال الوضع أثناء وجوده في الرياض، للتخلص منه. وقد أقدم العديد من نواب حركة المستقبل، التي ينتمي لها الحريري، على خيانة قائدهم علانية، مشيدين بموقف الرياض.
وأضافت الصحيفة أن بعض الشخصيات السنية المقربة من السعوديين على غرار وزير العدل السابق، أشرف ريفي، قد طمعوا بالفعل في منصب رئيس الوزراء. وقد بادر ريفي بالتحالف مع الأخ الأكبر لسعد الحريري، بهاء الحريري، الذي لطالما حلم بالانتقام من أخيه الأصغر. وقد توجه بهاء الحريري بالشكر للسعودية على "دعمها الثابت للبنان منذ عقود" عقب احتجازها لأخيه في الرياض.
والجدير بالذكر أن علاقة سعد الحريري بأخيه الأكبر بهاء الحريري تتسم بالتوتر منذ حوالي 12 سنة، وذلك منذ الاجتماع العائلي الذي عقد في باريس، في نيسان/ أبريل سنة 2005، بعد 40 يوما من مقتل رفيق الحريري على خلفية التفجير الذي استهدف سيارته وسط بيروت. ولم يكن هذا المجلس الأسري، الذي حضره جل أفراد عائلة الحريري يهدف فقط الى تقاسم ثروة رفيق الحريري التي تقدر بنحو عشرة مليارات دولار، حيث كان من الضروري أيضا اختيار وريث سياسي.
وأوضحت الصحيفة أن الإرث السياسي لرفيق الحريري لا يقتصر فقط على تولي زعامة الحزب، بل الحفاظ أيضا على رمزية ومسيرة الحريري الاستثنائية. وتجدر الإشارة إلى أنه في نهاية الثمانينيات، بات رفيق الحريري محل ثقة ملوك السعودية الذين عينوه مبعوثا خاصا خلال المفاوضات لوضع حد للحرب الأهلية اللبنانية. وقد نجح رفيق الحريري في تهدئة الأوضاع وجمع الأطراف المتنازعة حول طاولة الحوار، ليصبح بعد توقيع اتفاق الطائف في سنة 1989، من أهم وأبرز الشخصيات على الساحة السياسية.
وأفادت الصحيفة أن الاجتماع العائلي قد أفضى إلى اختيار سعد الحريري وريثا سياسيا، وهو قرار قد أيدته عدة أطراف على غرار الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالإضافة إلى السعوديين.
وأضافت الصحيفة أن سعد الحريري، الذي جمع أبناء عمه من حوله لمساندته، قد رحب بالمسيحيين الذين رفضوا التحالف مع سوريا أو حزب الله. كما استفاد سعد الحريري من دعم العديد من القادة السياسيين اللبنانيين له، الذين كانوا يأملون أن يسير على خطى والده. ولكن وبعد سنوات قليلة من وفاة والده، وجد سعد الحريري نفسه مجبرا، بأمر من السعوديين، على الذهاب إلى دمشق لمصافحة بشار الأسد الذي يعتبره الكثيرون في بيروت العقل المدبر للهجوم الذي طال رفيق الحريري.
وأشارت الصحيفة إلى أن احتجاز السعودية لسعد الحريري قد قلب الموازين لصالحه، حيث قوبل الأمر برفض وسخط واسع في الأوساط اللبنانية. أما بالنسبة لشركائه على رأس الدولة، فقد لقي الحرير دعما كبيرا من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون. وقد ركزت حراسة مشددة حول مكان إقامة سعد الحريري في بيروت عقب عودته خوفا على حياته.