هل ينجح مخطط إزالة القيادة البرزانية /بقلم/د.ماجد السامرائي

آخر تحديث 2017-12-27 00:00:00 - المصدر: مركز المشرق للدراسات

المشرق

لا ينكر على الحركة الكردية نضالها الطويل من أجل نيل حقوقها القومية والاجتماعية ضمن العراق. وكان القائد الفعلي لتلك الحركة الراحل مصطفى البارزاني وخلفاؤه من عائلته وما ظهر من تنظيمات حركية أغلبها انشقت عن قيادته.

مشكلة القيادة الكردية تاريخيا هي عدم استقلاليتها وخضوعها لإرادات الدول (إيران وأميركا)، وتحولت إلى بندقية معروضة للإيجار باسم الدفاع عن حقوق الأكراد، وبسبب ذلك تمردت على بيان 11 آذار 1971 وقانون الحكم الذاتي الذي قدمه لهم النظام السابق، ولهذا حصلت النزاعات المسلحة داخل الحركة الكردية لدرجة الاستعانة بالآخر، جلال الطالباني استعان عام 1996 بإيران في اجتياح قواته لأربيل، وبالمقابل استعان مسعود البارزاني بنظام صدام لإزاحة الطالبانيين حتى حصلت الرعاية الأميركية لاتفاق الحزبين الرئيسيين عام 1998 على الشراكة في السياسة والموارد.

ظل مسعود رمزا قوميا تاريخيا، لكن أي قيادة نضالية إذا لم تستجب للمتغيرات والوقائع فإنها تخرج عن هذا القانون الإنساني وينتهي دورها. مسعود البارزاني تحول منذ بداية تنفيذ المشروع الأميركي لاحتلال العراق إلى قائد مدلل، أشرفت أميركا وصادقت على التحالف الكردي الشيعي أواخر عام 2002 والذي كان واجهة الاحتلال الأميركي للعراق، ولولا ذلك الاتفاق والتحالف السيء الذي وثق بالدستور بعد الاحتلال وأعطى مشروعية الفيدرالية الكردية لما حصلت الانتهاكات الصارخة في الثروة والسيادة الوطنية على الأرض. كما أن الدستور منح الأكراد إقليما قوميا فيدراليا، فقد أصبح لهم علم ودستور ونشيد قومي وحكومة وبرلمان وأصبحت اللغة الكردية ثاني لغة رسمية في العراق تتصدر المعاملات وجوازات السفر العراقية في سابقة لا مثيل لها في جميع فيدراليات العالم.

لقد هيمن على البارزاني بعد عام 2003 شعور طاغ بأنه ليس رئيسا لإقليم كردستان فحسب، وإنما هو صانع للحاكم في بغداد. ألم يكن من بين طقوس الوجاهة السياسية لبعض قادة الأحزاب الشيعية الذهاب إلى مسعود البارزاني والتقاط الصور معه على تلال الأراضي التي استحوذ عليها عام 2014. ومن هم الذين عاونوا البارزاني في الوصول إلى قرار الانفصال؟

هل كان وحيدا في قراره الخطأ ذلك، أليست تلك القيادات والأحزاب العربية حينما كانت تحج إلى أربيل وتأخذ دورها للقائه ضمن قائمة الزائرين الأجانب من رؤساء حكومات ووزراء، ألم تساعده على غروره قيادات عربية سنية جعلت منه بطلا ليس للأكراد فقط وإنما للعرب السنة المقموعين من سلطة بغداد، وكانت تعد العدّة للمشاريع الفيدرالية بقيادته؟ ألم يتجول البارزاني في بعض البلدان العربية والأوروبية ضمن بروتوكول الرؤساء؟

لو كان حكم العراق مدنيا تعمه المساواة والعدل وإنصاف الجميع، هل كان البارزاني يتجرأ على خطوته الانفصالية، وهو الذي وصف يأسه من قيادة الحكم في بغداد بأنها حكومة طائفية وكأنه اكتشف ذلك بعد قرار ذهابه إلى الانفصال وهو القرار الخطأ الذي حصل في مخيلة البارزاني وشعوره بالعظمة داخل بيئته الكردية وفي محيطه العراقي، ولم يتوقع أن التفريط بجزء من أرض العراق يوحد الجميع خصوصا أنه لم يلعبها جيدا حين دمج كركوك وسهل نينوى ومناطق واسعة من ديالى ونينوى لمملكته الكردستانية، كما لم يتوقع أن تثور كل من تركيا وإيران لهذه الدرجة وسط تخلي أصحابه الأميركان في أقسى موقف صدمه بعد تاريخ الرعاية الكاملة، وتغافله عن حقيقة أن مشروع النفوذ الإيراني بالعراق وحماية المصالح القومية تفوق العلاقات البروتوكولية معه خصوصا ما تمتلكه من علاقات عميقة مع منافسه الكردي الاتحاد الوطني وكذلك حركة كوران، وبسبب صراع المصالح والطمع في ثروة النفط على حساب شعب العراق.

شعر البارزاني بأنه قادر على الاستحواذ على ما كسبه من أراض خلال الحرب على داعش، ولهذا ذهب إلى الاستفتاء، وحصل ما حصل في اجتياح كركوك بتدبير من قاسم سليماني في 16 أكتوبر الماضي وبتنسيق مع بعض قيادات الاتحاد الوطني.

تقول بعض التقارير المسربة إن طهران تسعى إلى تهشيم قيادة كردستان والنفاذ إلى داخل السليمانية عن طريق حلفائها، كما تشير تقارير إعلامية لم يتم التأكد من صحتها إلى بناء قاعدة صاروخية للحرس الثوري الإيراني في مدينة سيد صادق التابعة للسليمانية، كما تسعى طهران إلى بث الاضطرابات في الشارع الكردي السليماني عن طريق تغذية المظاهرات وإغراء بعض القيادات الكردية الرخوة للطموح بالزعامة بعد إزاحة البارزاني وقد لا تجد رضا من القيادات التقليدية للاتحاد الوطني الكردستاني. وهناك من يتوقع سيناريو آخر يتمثل بتصاعد الخلافات بين السليمانية وأربيل لدرجة قيام كيان كردي في السليمانية مدعوم من بغداد وطهران.

لقد وجد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الانتصار اللوجستي السهل في كركوك قاعدة للمزيد من سياسة الغلبة على قيادة مسعود، ولهذا شاغل القيادة الكردية بالوقت خلال الشهرين الماضيين رافضا الدخول في الحوار السياسي لحل المشكلات، ويبدو أنه كان ينتظر التداعيات السياسية والمظاهرات التي حصلت خلال الأيام الأخيرة، وهي من دون شك بتنسيق مع قيادة التغيير (كوران) الخصم العنيد لقيادة البارزاني، إضافة إلى الانقسام الحاصل داخل قيادة الاتحاد الوطني وانشقاق برهم صالح بحركة جديدة.

هذا الوضع المعقد المرتبك الذي تعيشه الحركة الكردية تضاف إليه السياسة الجديدة لحكومة العبادي في تعطيل منح الرواتب لموظفي الإقليم والتغيير الكلي في موازنة 2018، وأدى إلى انفجار الشارع الكردي والذي له توظيفات سياسية عدة، فمن جهة يخدم القيادات الكردية التقليدية في إظهار أن حكومة بغداد تعاقب الشعب الكردي ويساعد على تقارب الحزبين الكبيرين (الاتحاد والبارتي)، ومن جهة أخرى تستفيد منه الأحزاب في السليمانية لتصعيد معركتها السياسية من أجل إزاحة المؤسسة البارزانية التي تتهمها بالفساد والاستحواذ على الثروات والمال العام الكردي.

من حق العبادي كرئيس وزراء العراق ألا يفرط بحقوق الدولة الوطنية على كامل التراب الوطني، ولكن لا يمكنه تجاوز جميع المكتسبات التي حصل عليها الأكراد وفق الدستور والشراكة التي أكلت كثيرا من مصالح الوطن منذ عام 2003 حتى 25 سبتمبر 2017.

وليس صحيحا القفز على مسببات جنوح قيادة البارزاني وصرف أذهان الجمهور العراقي وعدم المطالبة بتعديل قواعد النظام السياسي الطائفي التي أفرزت جميع الأزمات التي حلت بالعراق ومن بينها اجتياح داعش لأراضيه. لكن مؤسسة البارزاني تحاول الصمود بوجه مخطط الإزاحة هذا، ويسعى مسعود للمواجهة لكن أسلحته باتت ضعيفة، فلم يعد يمتلك عدادات النفط بيديه، ولم تعد واردات المنافذ الحدودية تأخذ طريقها لخزائنه بسهولة، وليس واثقا من الدعم الأميركي والأوروبي الذي خذله في خطوة الاستفتاء، لكنه يعتقد أنه مازال يمتلك الملف الكردي بيديه رغم تنحيه عن قيادة الإقليم، وإن أي خطوة باتجاه الحوار مع بغداد ستكون معه ومع قيادة حزبه حتى وإن جرت عمليات تفكيك وإطاحة بحكومة ابن أخيه نيجرفان لأن القوى الكبرى لم تلغ القيادة الكردستانية البارزانية، وتضغط على بغداد لإجراء الحوار معها، وبشكل خاص واشنطن التي لا تريد التفريط بالمكانة الإستراتيجية للمنطقة الشمالية الكردية، ولا تسمح باستحواذ إيران على نفط كركوك.

هناك عمل يستند على معطيات إعادة كركوك لا تنفرد به حكومة العبادي فقط، بل تلعب إيران فيه لعبة “فرق تسد” داخل الخارطة السياسية الكردية، وإذا لم تنجح ورقة تلك الإزاحة فسيكون الخيار إقامة كيانين كرديين في كل من السليمانية وأربيل، ورغم أنه خيار كردي صعب لكنه متوقع وسيفتح الأبواب أمام مرحلة من الاضطرابات الأمنية والسياسية ستؤثر على بغداد أيضا خصوصا مع وجود قرابة المليوني نازح عربي في المنطقة الكردية لم تحل بغداد مشكلة عودتهم إلى ديارهم.

المراهنة على الانقسامات الكردية غير ناجحة، والشعب الكردي له خياراته الحرة في قياداته السياسية، وليس بمقدور “الأبوة الجديدة” للعاصمة بغداد أن تتدخل في مسار تلك الخيارات أو تديرها بالخطأ.

عن/جريدة العرب اللندنية /27-12-2017