نشرت منظمة “برجاف” للتنميّة الديمقراطيّة تقريراً تحت عنوان "المشهد الانساني في عفرين (كُرداغ)..الكارثة الانسانية! "، حيث تشهد عفرين أياماً صعبة إنسانيّاً ومدنيّاً، ولكونها مدينة تعجّ بالسكان الأصليين والنازحين فإنها تثيرمخاوف جمّة على المستوى المدني والإنساني، حيث أنها تعيش الآن حالة كارثة إنسانيّة في ظل الهجوم التركي بسبب فقدان المنافذ المحايدة للنزوح نحوها، وهي الآن محاصرة من كل الاتجاهات حسب التمهيد الذي قدمته "برجاف" لتقريرها الذي يقدم أرقاماً ومؤشرات تكشف عن مدى أهمية عفرين مدنياً وسكانياً وبعدها الاستراتيجي.
و"برجاف" منظمة مدنية مهتمة بشؤون الناس ومسألة التنمية الديمقراطية والحريّات تأسست في كُوباني في آذار 2013 وتأخذ هوليرمقراً رئيسيا لها ويديرها الزميل فاروق حجي مصطفى.
المشهد التوصيفي:
التقرير يحمل في طياته معلومات ومعطيات تشير إلى أنهُ إذا استمرت الحرب فإن كارثة إنسانية ستحدث في المنطقة الغربية من منطقة الكورد. وعفرين(كُرداغ) هي منطقة جبليّة (لصيقة جبل أمانوس) تحدها من الشمال تركيا، ومن الشرق منطقة إعزاز، ومن الجنوب ريف حلب وادلب، مدينة تقدم لنصف سوريا ما يلزمها من احتياجات زيت الزيتون والزيتون وصابون الغار. ومعروفة كُرديّاً بأنها أكثر المناطق الكورديّة الموجود فيها اجازات جامعيّة وحاملي شهادات الدارسات العليا. وهي بالرغم من الحصار المُحكم يعيش فيها الآن نازحين من ريفي ادلب وحلب وفي مركز المدينة وحدها يعيش 325 الف نازح من حلب وغيرها ويقومون بالأعمال التجاريّة والصناعيّة بحرية ويشاركون الأهالي الأصليين في عملية تفعيل المصالح والخدمات التجاريّة حيث تقول بعض المصادربأن ما يزيد عن 1500 محل تجاري تقدم الخدمات لعفرين وأهاليها وتُصدرالبضائع الى داخل سوريا كالملابس والصابون والزيت وغير ذلك، وهناك ٤٠ مكتب للأعمال الهندسيّة وهناك عدد من المجابل الاسمنتية حيث يعمل النازح مع ابن المدينة جنباً إلى جنب ويوجد أيضاً مطاحن كمطحنة الباسوطة ، وورشات الخياطة حيث يوجد في المدينة نفسها 30 ورشة و 20 معمل بيرين ومئتا معصرة زيتون، و10 معامل لصابون الغارالشهير. هي مدينة تعج بالسكان كما قلنا اعلاه فهناك ما يقارب 800 الف يعيشون في عفرين مع النازحيين.
وما يثيرالاستغراب وبالرغم من الفوضى العارمة فانه حسب " برجاف" لم تشهد أي صدام أهلي طيلة فترة الأزمة .
وما أن أحكمت الفصائل الاسلامية في شمال سوريا حتى حاولت الكتائب الإسلاميّة السيطرة على عفرين طيلة السنوات الماضيّة ولمرات عدة لكنها فشلت.
ومجمل القرى الحدودية الداخليّة مع إدلب وحلب، والخارجيّة مع تركيا عانت من الويّلات، حيث استهدفت الكتائب معالم أثريّة تعود الى الايزيديين، وكانت الشجرة التاريخيّة هي مفصل الحدث حيث كانت تلك الشجرة في 2013 بمثابة مقصد للحج ليس للايزيديين فحسب انّما لكل الناس في عفرين والسياح أيضاً. يعود عمرالشجرة الى مئتي عام حسب ما ذُكر في الاعلام المحلي ذاك الوقت.
وتقوم الفصائل الاسلاميّة الموالية لتركيا مع القوات التركية بمحاولة السيطرة عليها كخطوة أوليّة ثم لتنتقل الى منبج وبالتالي الى حدود كوردستان (حسب ما صرح مسؤولون أتراك)
إنّ هذا الوضع ينحو للأسوء بالإضافة للقذائف والقصف هناك ضخ اعلامي يُرهب الأهالي.
وتطرق تقرير "برجاف" أنّ الحرب القائمة في عفرين هي بحد ذاتها تشكل خطورة كبيرة على المشهد الإنساني في ظل سيناريو "مناطق خفض التوتر" وأن الأوضاع كلها تتجه نحوالمباشرة في عمليّة السلام السياسيّة ومحاولة المبعوث الخاص السيد ديمستورا لتنفيذ القرار 2254 وإنّ الإستحقاق السوريّ الكبيرهوالسلام وخلق منافذ لانتعاش المصالح وفتح الممرات لوصول الإغاثات للكل .
الحالة المدنيّة، وهروب رؤوس الأموال:
في وقت تقوم فيه كل المجالس المدنيّة التي تشكلت قبل عامين من الآن بعمليّة رعاية المشهد المدني والانسانيّ، وعفرين مثلها مثل الحالة السوريّة لم يتبلور فيها (كما يُراد) المجتمع المدني ، وذلك بالرغم من وجود المؤسسات والنقابات لكن التحدي الكبيرهي مسألة الاستقلاليّة والحوكمة إلا أن نواة المجتمع المدني ظهرت وبشكل واضح من خلال عدد من المؤسسات تُعرف بالمجتمع المدني والانساني .
وتقول برجاف ان النشطاء المدنيون وأساتذة الجامعات والأطباء أبدوا تخوفهم العميق واتفق الجميع على أن الهجوم التركي سيوثرعلى المسار العام الإنسانيّ والمدنيّ، فهي تؤثرعلى المزاج العام من خلال وقف أعمال الناس وانشغال الجميع بالوضع الجديد والقصف ،الأمر الذي يدفع بأصحاب روؤس الأموال للهروب من عفرين وبالتالي تفاقم البطالة وتكبيل وتقييد المؤسسات وأصحاب المصالح والذين لهم دور كبير في أي عمليّة سلام وبشكل عام فإن منظمات المجتمع المدني أمام محك حقيقيّ. تُرى أليس هناك حق رعايّة الناس والعمل على تجنب لأي انزلاق في المسار المدني والانساني وعلى مستوى الحياة العامة؟ .
وفي منظار المشهد الإنساني فان عفرين تُعتبر منطقة آمنة مقارنة مع جوارها، حيث يقطن فيها النازحون وتُستثمر رؤوس الأموال فيها منذ أربعة سنوات وهي تضج بالناس، وأصبحت ملاذاً لأهالي منطقة اعزاز وريف حلب وريف إدلب حيث عشرات الآلاف من النازحيين، وبالرغم من سوء الأوضاع فإنّ عدد المشافي زاد عما هو قبل الحرب. ويوجد في عفرين سبعة مشافي، وتستقبل يومياً المشافي والعيادات الطبيّة بين 150 إلى200 من الحالات المرضيّة.
حالة المخيّمات والنازحين:
ونقل التقرير بما قالوا لـ"برجاف" انه" لن نترك عفرين لوحدها، ونقبل بمصيرنا كمصير أهل عفرين"، وتابعوا"عندما هربنا من الحرب استقبلنا أهل عفرين وهم في هذا الضيق من الحياة كيف بنا النزوح ثانيّة؟"
ويوجد في عفرين مخيمان: روبار، والشهباء، ومخيّم روبار: تأسس في 27 أيلول من 2014 بالقرب من قرية "باصلة" جنوب شرق عفرين يقطن فيها 352 عائلة من النازحين أي 1801 شخصاً تشرف عليها فعليّاً هيئة الشؤون الاجتماعيّة التابعة لإدارة عفرين، وهناك منظمات عاملة وقريبة من مؤسسة الشؤون الاجتماعية تقدم أيضاً الخدمات وتسد من الاحتياجات. لكن إدارة المخيم تُدار من قبل اللجنة المشكلة من المخيّم نفسه وهم أيضاً تابعين لمكتب شؤون النازحين . أما مخيّم الشهباء فهو تأسس في 2016 أي بعد أن عجز مخيّم روبار عن استقبال النازحين ، تقع بالقرب من قرية كشتعار، التابعة لناحيّة شيراوا تأوي 253 عائلة و1223 شخصاً، وغالبيّة النازحين في مخيّم الشهباء هم من منطقة الباب.
صُرح لـ "برجاف" بأنه ليس هناك منظمات دولية داعمة لكلّ من المخيم واللجنة التي تديرالمخيم وهيئة الشؤون الاجتماعيّة،لتُقدم الاحتياجات من خلال المتبرعين من الأهالي والناس من عفرين
وتوجد في عفرين منظمات إنسانيّة مثل "بهار الإغاثي، والهلال الأحمرالسوري، والهلال الأحمرالكوردي ، وهذه المنظمات تقدم الخدمات للنازحين بالقدر المستطاع .
وعن الإحتياجات فإنّ المخيمان يحتاجان إلى وجود شبكة داخليّة للمياه، حيث تقدم الإدارة لهم المياه من الصهاريج، وأيضاً يعاني سكان المخيمين من سوء الأوضاع المعيشيّة والحياتيّة وخاصة في فصل الشتاء حيث تتسرّب مياه الأمطارإلى داخل الخيّم إلى جانب وسائل العيش الأخرى مثل التدفئة والأغطية والألبسة الشتويّة وأحياناً الخدمات الطبيّة كالأدويّة خاصة عندما يشتد الحصار.
ويعتمد أهل عفرين عموماً من حيث المياه على سد "ميدانكي" حيث يتم التزويد بالمياه مرتين في الأسبوع، كما أنّ كهرباء الدولة مقطوعة منذ 3 سنوات وتعتمد عفرين على الطاقة الشمسيّة والمولدات لتوليد الكهرباء فضلاً عن غياب الهواتف الأرضية حيث توجد شبكات الهاتف المحمول السوري "سيرتل" وام تي ان" و الخط التركي المحمول "توركسيل" و"فودافون".
وبدأ القصف على عفرين في تاريخ 20/1/ 2018 حيث نزح بعد القصف 400 شخص من ادلب وموجودون حالياً في مراكز الإيواء.
المشهد الصحي-الطبي، والتعليم:
انّ الجو الآمن لعفرين صار ملاذاً لكل الحالات الطبيّة، وذلك بسبب توفر المشافي والكوادر الطبيّة و ذلك بالرغم من زيادة حالات الهجرة للطبقة المتوسطة منها الأطباء والعاملين في الحيّز الطبي . فقد استقبلت العيادات والمشافي الطبيّة والمستوصفات المرضى من عفرين وريف حلب الشمالي(اضافة الى نبّل والزهراء) وأيضا من ريف إدلب وما زالت، فتقدرعدد الحالات التي تُعالج يوميّا بين "150 إلى 200 حالة تقريباً. لعل عفرين هي الوحيدة التي يتوفرفيها جهاز " الرنين المغناطيسي" مما ساعد المرضى الذين هم تحت سيطرة الكتائب لتلقي الخدمة الصحية. وتقوم المشافي الآن بتقديم الخدمات الطبيّة وعددها (7) أهمها: مشفى آفرين، حسين قنبر، السلام، جيهان،مشفى ديرسم,مشفى نوروز, ومشفى ميداني ، والأخيريستوعب مئة حالة يومياً حيث (100) سريرمجهز بالأجهزة الاسعافيّة والطبيّة المتطورة. ويعمل 50 طبيب في عفرين فضلاً عن الصيدليات التي تقدم الخدمة هي (40) صيدليّة تقريباَ .
ويبدو أنّ أي انزلاق أمني غيرمسؤول سيؤثر بشكل كبيرعلى الأداء الطبي والمسارالإنسانيّ بشكل عام. حيث أدى القصف إلى توقف طرق امداد الأدوية و نتيجة لذلك تعاني المدينة من نقص في كثير من الأدوية في المراكز الصحية والمستوصفات والمشافي مع العلم انها لا تزال قيد العمل.
والحق ان المشهد التعليمي ليس أحسن حالاً، حيث المجال التعليمي تأثر بشكل كبير بالأزمات كون سوريا تعاني من أزمة تعليميّة كبيرة فالنزوح لا يسمح على توفير مستلزمات التعليم بشكل دائم . على الرغم من تفاقم المخاوف لدى الأهالي حول استمرارية التعليم في ظل الخطر المحدق إلا أن المشهد التعليمي وبالرغم من أن الوضع التعليمي لا يرتقي الي مستوى الرضا التام إلا انّ ثمّة مايزيد عن 800 تلميذ يكمّلون دراستهم و يُقدم لهم مستلزمات تعليمية. ولا نستغرب بأنه حتى في المخيّمين يمكن الحديث عن وجود التعليم، حيث يوجد في كل مخيّم مدرسة ولكل مدرسة دوام صباحي ودوام مسائي، وتُدرس مناهج الإدارة الذاتيّة للمرحلتين الأولى والثانيّة. وتجدر الإشارة إلى أن لغة الدّراسة هي العربيّة وذلك بحكم أن النازحين هم من العرب مع انّ اللغة الكرديّة تُدرس في المدارس الأخرى.
وتوجد مدرستين للمرحلة الاعداديّة والثانويّة هي : ثانوية أمين غباري، وفيصل قدور وهما مدرستين حكوميتين يدوام فيها ما يقارب 1700 طالب وطالبة، و مدرستين خاصتين لكافة المراحل هما " عفرين الخاصة" و" أزهار عفرين" حيث تضم 1500 طالب وطالبة. فضلاً عن وجود (8) مدارس للمرحلة الابتدائية حيث عدد التلاميذ (1900) تلميذ وتلميذة. اضافةً وحسب ما قيل أن عدد التلاميذ من القرى والبلدات والأرياف التابعة لعفرين يقارب (6000) آلاف. تجدرالإشارة بأن هناك (600) طالب وطالبة يدرسون في مدارس نّبل والزهراء ويذهبون يوميّاً( خاصة طلاب الشهادات )بسبب اعتراف الحكومة السورية بشهاداتهم التعليميّة. كون النظام لا يهتم ولا أحد يعرف إن كان النظام يعترف بالتعليم في ظل الادارة الذاتية في عفرين أم لا؟.
بقي القول بإنّ هذا المشهد الإنسانيّ مثقل بالأرقام ، ما يعني انّه من مسؤولية الجميع العمل لكي لا تنزلق الأوضاع وتتجه نحو الكارثة الانسانيّة، فمسألة تمكين ما هو موجود وتعزيزه وتطويره هو ما يجب أن نقوم به جميعاً وتقع المسؤولية بالدرجة الأولى على عاتق الأمم المتحدة ومكتب المبعوث الخاص ، وأيضا المنظمات الاممية والدولية ذات الشأن لكي تقف إلي جانب شركائها على الأرض لتسهيل عمليّة تعزيز السلام والبدأ ببلورة "بناء السلام" وصولاً الى الاستقراروتفعيل الحياة العامة والسياسيّة ليكون المجتمع المدني قادراًعلى أن يلعب دوراً في عملية اصلاح المؤسسات وتعزيزالصلح والسلم الأهلي وتعزيزالتماسك الاجتماعي الذي هوالاستحقاق السوري بامتياز وهذا لا يتم ان استمر الهجوم على السكان الآمنين الذين ربما أصبحوا نواةً لبناء الجسور.
*صحفيّة كورديّة