ما هو ملاحظ منذ مئات السنين هو عدم الهدوء وزراعة الانقسام واللا استقرار في الشرق الأوسط بشكل عام، تارةً دينية وتارةً قومية وتارة يحلّ في هذه المنطقة الغزو والتوسع على حساب حقوق وآمال الشعوب القاطنة والأصيلة في المنطقة .
لقد تعرَّض الشعب الكوردي وعلى مدى التاريخ المنظور بشكلٍ خاص لحملات إبادة جماعية كثيرة، كلها هدَفت إلى القضاء على وجودنا التاريخي للشعب الكوردي على أرض آباءه وأجداده، وطالت تلك الحملات الاستعمارية أيضاً طمس التاريخ القديم للكورد ومحو الآثار التاريخية من قلاعٍ ومعابد وكهوف ومزارات، الى جانب اتباع سياسية الهجرة والتهجير المنظَّم والدقيق مثلما حدث للكورد الموجودين وبالملايين في خراسان وقونية في الغرب التركي وغيرها الكثير والكثير من مشاريع الطمس والمحو لهذا الشعب .
الجميع يعلم مايجري اليوم في غرب كوردستان ( القسم الذي تم إلحاقه بسوريا) وبشكل خاص في مدينة عفرين وقراها والتي يستهدفها القصف التركي الجوي والمدفعي العشوائي العنيف، مخلفاً دماراً واسعاً وكبيراً في الممتلكات والبنية التحتية الى جانب القتلى والجرحى والشهداء، والأمر هنا طبعاً ليس مجرد صدفة أو ردّة فعلٍ عسكرية بحسب الرواية التركية، على إنها تقوم بحماية أمنها القومي وحدوها كما تدّعي .
فتلك القوات الكوردية مثلاً وعلى طول المناطق الكوردية في الشمال السوري لم تهدد أمن تركيا يوماً من الأيام، ولم تُطلق رصاصة واحدة بإتجاه الأراضي التركية ( الكوردستانية الملحقة بتركيا). بل على العكس، كانت تقوم بحراسة تلك الحدود الطويلة والممتدة من ديريك الجزيرة وصولاً الى عفرين أفضل حراسة، وفي المشروع السياسي للإدارة الذاتية في هذه المناطق، لم نرَ ولم نشاهد يوماً بأن هذه الادارة الذاتية تشكل خطورة خطورة على تركيا ، وحتى المسؤولون في الادارة الذاتية صرّحوا مراراً وتكراراً بأنهم يحمون الحدود ولا يسعون الى بناء أي كيانٍ كوردي أو دولة كوردية في الشمال السوري.
لكن تركيا نفسها، أرادت خلق عدوٍ وهمي لها بإسم الكورد لتقضي على أي تجربة خارجة عن حدود سيطرتها ، وجاء هذا على لسان رئيسها الحالي رجب أردوغان حيث صرّح مراراً بأنهم لن يسمحو بوجود كيان كوردي على حدودهم الجنوبية ودون أن يخفي نيته في ضرب أية محاولة من ذلك القبيل ، وما يقوم به أردوغان اليوم في غرب كوردستان هو ترجمة حقيقية لما تقوم بها تركيا من فلسفة القتل والضرب والطمس والبتر ومحو الآخر .
تركيا التي تتحجج بوجود عناصر لحزب العمال الكوردستاني PKK هناك لم تتحرك على مدى سنوات أثناء وجود تنظيم داعش الإرهابي على حدودها وخلافاً لهذا كانت تركيا تتعامل مع داعش تجارياً وتشتري النفط والمواد من التنظيم المذكور ، ولم تبدي أيّ قلق من سيطرة جبهة النصرة وحركة أحرار الشام المصنفتين كحركات إرهابية على حدودها في أدلب .ومن وقتٍ لآخر تقول أنها تنفذ عملياتها العسكرية ضد العمال الكوردستاني المصنف أيضاً كحركة أرهابية في قوائم كل من الأتحاد الأوربي وأميركا واستراليا وغيرها ، ولكن هل حقا أن الحزب المذكور هو السبب ؟ فلو حقاً كانت الرواية صادقة …؟ لحاربت قيادات الحزب التي تسكن جبال قنديل ، حيث جل مقاتليه هناك وليس في عفرين ! وأيضا إن صدقت تركيا في روايتها هذه ؟ فإن العمال الكوردستاني هو ظاهر ومتمدد طولا وعرضاً ومعروفٌ للقاصي والداني في قلب عاصمتهم أنقرة وأسطنبول وغيرها من المدن .
إذاً الحجة … هي وجود العمال الكوردستاني لكن الهدف السبب الرئيسي هو القضاء على الحالة الكوردستانية التي بدأت تتشكل في الشمال السوري، لنلاحظ هنا … إن تركيا وهي منذ أثني عشر يوماً تقصف بطائراتها الحربية ومدافعها ودباباتها قرى ونواحي عفرين وبشتى أنواع الأسلحة الحربية والصواريخ والمدافع الثقيلة مستهدفة المدنيين من أطفال وشيوخ ونساء ؟ فهل هي تحارب حزب العمال الكوردستاني … أم انها تحارب الوجود الكوردي في الشمال السوري ، لقد شاهد كل العالم كيف أنها قامت بتدمير وعن طريق طائرات ال F16 الحربية بتدمير المواقع الأثرية والتاريخية مثل تل عين دارا الذي يعود تاربخه لـ 4000 سنة وآثار النبي هوري ، فهل كانت تلك الآثار والمعابد والمزارات إرهابية ومتطرفة ؟ .
في عفرين وعلى مدى الأيام الماضية وماحصل من قصفٍ وقتل ودمار ممنهج، هو إبادة للشعب الكوردي وانتقام وإشباع للحقد الطوراني المتوارث عبر التاريخ ليس أكثر ، فما تم من تهجير وهروب للمدنيين لا يمكن إنكاره أو تجميله بأي شكل . وترتقي هذه الممارسات الى مستوى جرائم حرب.
تقول الرواية التركية ومن معها من المرتزقة الإسلاميين، لقد جئنا الى هنا لكي ننقذكم ونحرركم !
فمن ماذا ستحررون ياترى ؟ فالذي ظهر واضحاً، هو أنكم تقومون بتحرير الأرض من أصحاب الأرض أنفسهم … حيث القتل والدمار عنوان حملتهم هذا .
أما الكتائب الإسلامية من المرتزقة فقد شاهدناهم وهم يرددون شعارات التكبير ( الله أكبر) وكأن أهل كورداغ هم كفرة وعبّادي الأصنام والأحجار ، وكأنهم في عهود قبل ألف سنة ، وقد جاؤوا بالفتح المبين وأن الكورد هم ملاحدة وغير مؤمنين ويتوجب قتلهم … وعلى الطرف الآخر الطائرات التركية تقصف بيوت الله من المساجد والجوامع ودور العبادة . هذا هو ما يريدونه ومايحاولون فعله حقاً، وما يتم في عفرين هو إفراغ لحقدهم وأنتقام وإشباع لعقدة النقص التاريخي التي ترافق غالبية الغزاة لأرضنا وعلى رأسهم الطورانيين الأتراك .
في الأخير … عفرين ستتحول أشجار الزيتون لمقاتلين وطلاب حرّية وشهداء ويستحيل أن ينتهي الزيتون .… بالزيتون هذا هو من قاوم المغول والتتار والروم والفرنجة وغيرهم .