الاولي:انها استطاعت مواجهة وتجاوز تحديات كبيرة وخطيرة طيلة عقودها الاربعة، ونجحت في البقاء والصمود، والتقدم الي الامام بخطوات ثابتة وثقة عالية.
ثانيا:انها تمكنت من بناء نظام سياسي متميز يختلف في الكثير من خصوصياته وميزاته عن الانظمة السياسية القائمة في المحيط الاقليمي وفي عموم المجتمع الدولي.
ثالثا:انها زاوجت وبقدر كبير من النجاح بين اليات ومناهج وسياقات المفاهيم السياسية المعاصرة كالديمقراطية والتعددية وتداول السلطات وحرية التعبير والعمل السياسي، وبين قيم ومبادئ الدين الاسلامي التي شكلت هويتها الاساسية.
رابعا: استطاعت التوفيق بين الثوابت الوطنية والدينية ومصداقية الشعارات التي رفعتها من جهة، وبين المصالح السياسية والاقتصادية التي يفرض الواقع الاهتمام بها وعدم اهمالها في ظل واقع اقليمي ودولي لايحتمل انعزال وانكفاء أيا من مكوناته من جهة اخري.
وهذه الملاحظات الاربع تشكل في واقع الامر الاطار العام للصورة الكلية التي رسمتها وصاغتها احداث ووقائع العقود الاربعة من عمر الثورة الاسلامية.
فبينما لم تكن الثورة الايرانية قد تجاوزت عامها الاول الا بأشهر قلائل حتي وجدت نفسها في مواجهة عسكرية طاحنة مع نظام صدام، وبتوجيه وتحريض ودعم واسناد من اطراف وقوي دولية واقليمية، توقع الكثيرون ان تطيح تلك المواجهة بالثورة الفتية التي لم تكن قد التقطت انفاسها بعد، ولم تستمكل بناء وضعها الداخلي، ولم تحكم سيطرتها ونفوذها بعد علي كل زوايا وتفاصيل المسرح الداخلي، توقع الكثيرون ان تطيح تلك المواجهة بها خلال وقت قصير لا يتعدي الاشهر القلائل ان لم يكن الاسابيع، وربما لم يدر في خلد احد ان تلك المواجهة ستمتد ثمانية اعوام متواصلة بلا انقطاع.
وبينما افترض البعض-او الكثيرون – ان النهاية التي الت اليها الحرب كانت انتصارا لنظام صدام وهزيمة للثورة الايرانية وتحديدا لزعيمها الامام الخميني، فأن الواقع لم يكن كذلك بالمرة، لان الارقام والمعطيات والحقائق كانت تشير الي عكس ذلك تماما.
ولم تنته التحديات بأنتهاء الحرب العبثية بل انها استمرت وتواصلت، واتخذت اشكالا ومظاهر مختلفة، سرية وعلنية، بل ان نظام صدام نفسه حاول اقحام ايران حينما غزا الكويت في صيف عام 1990، واراد ان يخلق فتنة ويوسع نطاق الحرب، الا انه فشل في ذلك فشلا ذريعا، لان ايران ادركت حقيقة اللعبة وتصرفت بحكمة، وتكرر الامر في عام 2003، حينما قررت الولايات المتحدة شن الحرب واسقاط نظام صدام.
وفي خضم كل تلك التحديات المختلفة، كانت بني وهياكل النظام السياسي الايراني تنضج وتتكامل وتتبلور، فالانتخابات كانت مبدأ اساسيا وممارسة حقيقية اسهمت في اضفاء الهوية الديمقراطية علي النظام، فكانت هناك الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء، وانتخابات المجالس البلدية (المحلية)، ولم تعطل ظروف واستحقاقات الحرب ومجمل الظروف والاوضاع الاستثنائية أيا منها.
ويمكن للمتابع ان يلاحظ ان سبعة رؤساء جمهورية تعاقبوا خلال ثمانية وثلاثين عاما علي ادارة شؤون البلاد عبر الانتخابات، وان هناك 10 دورات لمجلس الشوري الاسلامي (البرلمان)، بل انه حتي قائد الثورة يتم اختياره وفق سياقات ديمقراطية.
والي جانب الاليات والسياقات الديمقراطية في تداول السلطة في مختلف المفاصل، وبشتي المستويات، كان هناك الحرص والاهتمام الكبير للمحافظة علي الهوية الاسلامية للثورة، التي تم التصويت عليها في استفتاء شعبي عام في وقت مبكر بعد الانتصار، وتم تثبيت ذلك في الدستور.
والمحافظة علي الهوية الاسلامية مثلت واحدة من ابرز واولي المهام التي وقعت علي عاتق المتصدين للامور، وواحدة من ابرز واخطر واصعب التحديات امامهم، وهنا تجلي واضحا البعد الثقافي للثورة الي جانب الابعاد السياسية والعقائدية لها، في كل مفاصل الحراك المجتمعي، مثل المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية، ومؤسسات المجتمع المدني علي اختلاف توجهاتها واهتمامتها، وفي وسائل الاعلام، فضلا عن المساجد ومختلف اماكن العبادة.
ولعله لم يكن بعيدا –او غائبا-عن اذهان اصحاب القرار ان تدعيم البناء الداخلي لايمكن له ان يتم وبصورة سليمة من دون التواصل مع بيئة اقليمية ودولية متشابكة المصالح والاتجاهات والاجندات، والتحرك وايجاد مواطئ قدم فيها علي ضوء المصالح والاجندات والحسابات الوطنية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، مع عدم التفريط بالثوابت والمبادئ والمنجزات المتحققة علي ارض الواقع.
ولاشك ان الجهورية الاسلامية الايرانية نجحت الي حد كبير في بناء علاقات متوازنة مع محيطها الاقليمي رغم اجواء ومناخات الحروب والصراعات الدموية، وكذلك نجحت في بناء علاقات متوازنة مع مختلف اطراف المجتمع الدولي، سيما المهمة منها كالاتحاد الاوربي واليابان وروسيا والصين، واضطلعت بأدوار ايجابية في معالجة ازمات ومشكلات غير قليلة، ونجحت في احباط كثير من المؤامرات والمخططات الهادفة الي زعزعة استقرارها الداخلي، واقحامها في دوامة صراعات مع هذا الطرف او ذاك لاضعاف قدراتها وامكانياتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
ومن خلال كل ذلك وغيره، فأنها باتت تمثل لاعبا فاعلا ومؤثرا ليس علي الصعيد الاقليمي فحسب وانما علي الصعيد الدولي، وباتت تشكل رقما صعبا في المعادلات السياسية لايمكن بأي حال من الاحوال تجاوزه او تجاهله او القفز عليه.
انتهي** ع ص **380** 2342
بقلم : عادل الجبوري