عفرين: ما العمل لتفادي الكارثة؟

آخر تحديث 2018-02-09 00:00:00 - المصدر: باسنیوز

لا يكتشف الكورد ضرورة الوحدة القومية لهم، إلاّ بعد تعرّضهم للعدوان من قبل الجيران أو الغزو من قبل القوى القادمة من بعيد، فيبدأ فطاحل القوم وزعماؤه في الحديث عن خطورة الافتراق والخلاف ويسعون حثيثاً لتحقيق وحدتهم ورص صفوفهم، وفي أغلب الأحيان يبدأ تحرّكهم على الصراط الصحيح بعد فوات الأوان مع الأسف. وهذا ما نراه واضحاً في الكوارث السياسية الأخيرة التي حدثت وتحدث لأمتنا، في مدينة كوباني التي سلخ الغزاة الإرهابيون جلدها ودمروا بنيتها التحتية وعمرانها وشردوا شعبها، قبل أن يتفق قادة الكورد على دعم (الكريلا)، مقاتلي المدينة المنكوبة بوحدةٍ من قوات اليشمركة، ولو بشكل رمزي، مما أثّر عملياً في ساحة المعركة وتم إلحاق الهزيمة بالغزاة وكسر شوكتهم. وبعدها حلّت كارثة كركوك والمناطق المحتلة من إقليم جنوب كوردستان، حيث وجد الكورد أنفسهم مختلفين وممزقين وسط أعداءٍ متحدين جميعاً على هدفٍ واحد، ألا وهو الغدر بهم والنيل من كبريائهم وقواهم، فلم تعد تنفع وحدتهم لأن المصيبة كانت عظيمة لدرجة أن الحل الوحيد أمامهم كان الانسحاب من مناطق حرروها بدماء شهدائهم من قبل، وخسروا أهم حقول النفط وكثيراً من حقوقهم المالية والسياسية أمام الحكومة العراقية التي لم تكن في يومٍ من الأيام قادرةً على شن هجومها على كوردستان لولا الخيانة العظمى لأحد أهم مكونات الدفاع القومي للشعب الكوردي. ثم جاء الهجوم التركي على منطقة جبل الكورد (كورداغ) التي مركزها مدينة عفرين. وهنا أيضاً اكتشف شعبنا أن عدم وجود اتحادٍ قويٍ بين فصائله السياسية وقواه المقاتلة هو نقطة الضعف التي نفذ منه المحتل المهاجم، إذ لولا نقطة الضعف تلك لحسب المعتدون ألف حساب قبل الإقدام على هكذا مغامرة عسكرية في جبل الكورد المنيع.

لقد تحدثنا في مقالٍ سابق عن "الخطيئة الأولى" التي تسببت في سير الأمور في هذا المسار الجالب لشعبنا الكارثة، وهذه الخطيئة (التمادي في سياسة الخط الثالث بين قوى الشعب السوري المنتفضة على النظام من أجل الحرية والديموقراطية والتخلّص من الفساد) كانت من طرفٍ واحدٍ من أطراف الحركة الوطنية الكوردية، إلاّ أن نتائجها السلبية قد صارت من نصيب الحراك السياسي – الثقافي الكوردي بأسره، بل من نصيب شعبنا والمكونات القومية والدينية السورية الأخرى التي وجدت في مدينة عفرين ملاذاً آمناً لها طوال الحرب التي بدأت منذ عدة سنوات وتدمرت بسببها معظم البلاد.  إلاّ أن الحديث اليوم عن تلك الخطيئة لم يعد يخفف من الأزمة أو يوقف الانزلاق نحو الكارثة العظمى التي ربما تكون في صورة "هجرة مليونية" كما جرى لشعبنا في جنوب كوردستان على أثر انتفاضة 1991 في وجه الطغيان الصدامي آنذاك.

فما العمل؟

سؤال لابد وأن يطرحه على نفسه وعلى غيره كل مهتمٍ بالشأن القومي الكوردي أو الوطني السوري. وهذا السؤال يقودنا إلى أسئلةٍ أخرى أو لاحقة به، منها:

- إلى متى سيستمر الهجوم التركي على عفرين وما احتمالات نجاح الترك في حربهم العدوانية هذه؟

- ما النتائج الاقتصادية التي ستجنيها المنطقة المكتظة حتى الآن بأعدادٍ هائلةٍ من اللاجئين السوريين؟

- ماذا سيفعل الترك بالمقاتلين الكورد (وهم بالآلاف) فيما إذا انتصروا، والتاريخ يرينا ماذا فعلوا في حروبهم السابقة على شعبنا الكوردي؟

- هل سيتم تفريغ المنطقة من الكورد وإحلال العرب والتركمان في مواطنهم كما فعل الأتراك في لواء الاسكندرون من قبل؟ وهل سيضمون المنطقة إلى تركيا بذريعة أنهم "حرروها!" بدماء عساكرهم و (الجاش) الذي زجوه من السوريين في القتال؟

- ماذا سيحدث فيما إذا نمكّن المقاتلون الكورد الصمود، وقد صمدوا حتى الآن لما يقارب ثلاثة أسابيع في وجه ثاني جيشٍ من حيث القوة والإمكانات في حلف الناتو؟ وبعد أن زعم الأتراك بأنهم سيحتلون عفرين في يومين أو ثلاثة فقط؟ هل سيلجأ الأتراك إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل أم سيشددون من حصارهم الاقتصادي وسيدمرون، كما فعلوا حتى الآن في بعض النواحي، كل المرافق الحيوية من محطات كهرباء ومراكز الإمداد بالماء الصالح للشرب والمطاحن والمعاصر والمدارس والمستشفيات؟

- هل سيستمر (الجاش) الذي يتحرّك تحت يافطة "الجيش السوري الحر" في نهب ممتلكات الفلاحين الكورد، حتى الدجاج، وسيستمرون في ذبح الأسرى أو تعذيبهم بوحشيةٍ مخيفة كما جرى حتى الآن؟

- وهل سترغم هذه الصور الحية عن جرائم القوات الغازية وتوابعها من "أحرار سوريا!" المجتمع الدولي على التحرّك لوقف الانزلاق نحو الكارثة الشاملة؟ وكيف يجب أن يتحرّك المجتمع الدولي؟

طبعاً، هناك أسئلة أخرى يمكن طرحها وضمها إلى ما ذكرناه الآن، إلاّ أن الأجوبة عنها ستأتي مختلفة ولربما غير الذي نتوقعه تماماً، إلاّ أن أهم سؤالٍ نطرحه على جميع القوى الكوردية هو:

  • إلى متى ستستمر المهزلة السياسية بينكم في وجه هذا العدوان الذي يستهدف الوجود القومي لشعبنا؟

بالتأكيد، على الذين يطرحون الأسئلة أن يعطوا بأنفسهم أيضاً أجوبةً يتصورونها أو يتوقعونها، وبخاصة عندما يسألهم صحافي ما :  - ما العمل؟

شخصياً لا أجد نفسي مؤهلاً لإعطاء النصائح لزعمائنا أو لتبيين الأفق الذي يجب أن نتوجه إليه، فهذا من عمل الخبراء والمختصين في شؤون الأزمات العامة والسياسة الدولية، ولكني على ثقة بأن الاستمرار في تعميق الشرخ السياسي داخل الصفوف الكوردية يصب في صالح الغاصب المحتل، فإن خلافاتنا كثيرة ومشاكلنا عديدة، والحديث عنها طال طويلاً، إلاّ أننا أمام شعبٍ يقترب من كارثة إنسانية عظيمة، وعلى حراكنا السياسي – الثقافي وضع أولوية وقف الانزلاق في مقدمة كل الأمور الأخرى.

برأيي، الروس سيبقون كفاعلين أساسيين في سوريا لمدة نصف قرنٍ بحكم اتفاقاتهم السرية والعلنية مع نظام الأسد الذي يعتبرونه شرعياً وضرورياً لبقاء مصالحهم مستمرة في الشرق الأوسط، والإيرانيون والأتراك يسعون لنيل حصةٍ يجدونها حقاً لهم في ظل هذا الوجود الروسي شبه الدائم مستقبلاً، ولا بد أن يتوصل الطرفان إلى حلٍ توافقي مع الروس على نطاق سيطرة كلٍ منهما، وخاصةً فإن تركيا تسيطر على معظم ما زلنا نسميها ب"المعارضة السورية" ومن ضمنها التنظيمات الإرهابية التي تتقدّم القوات التركية مثلما كان (الجاش) الكوردي يتقدم قوات صدام حسين في "حرب الأنفال" في كوردستان، كما أن إيران هي الآمرة الناهية للمنظمات الطائفية المتطرفة المدمرة التي تتحرّك كقوات طلائع أمام الحرس الثوري الإيراني، ومنها حزب الله اللبناني في سوريا.

هذا المحور الذي يجمع المتناقضات والتحالفات في آنٍ واحد في عداءٍ صارخٍ وتامٍ للأمة الكوردية وطموحاتها القومية وحقوقها الحياتية المختلفة، والتفكير في أن التحالف مع نظام الأسد خاطئ لأنه أقل اللاعبين حيلةً في السيرك السوري وأضعف الحلقات في هذه السلسلة الطويلة من قوى الإجرام والإرهاب، التي تبدأ في موسكو وتنتهي في دمشق، مارةً في كلٍ من طهران وأنقرة وتترك آثاراً من الدماء على صدر شعبنا في أجزاء وطننا المجزّأ، وهو تحالف متماسك للروس والإيرانيين والأتراك رغم الخلافات ضد طموحاتنا القومية عبر التاريخ. 

لذا، ليس لحراكنا السياسي – الثقافي إلاّ التوجه نحو العالم الحر الديموقراطي الذي في مقدمته سياسياً واقتصادياً وعسكريا الولايات المتحدة الأمريكية، رغم تجاربنا المريرة مع إداراتها المختلفة، كما في عام 1975 وكما في عام 2017، ورغم أنها لاتزال حليفاً استراتيجياً لتركيا ضمن حلف الناتو.

الولايات المتحدة ومعها دول الاتحاد الأوربي غير مرتاحة للوجود الروسي القوي في سوريا، وهي في ظل إدارة دونالد ترامب تعادي إيران وقوى التطرّف الإسلام الإرهابية وتسعى لخلخلة النفوذ الروسي في المنطقة وصد التوسّع الإيراني وتعمل لعدم تكرار أخطائها في أفغانستان والعراق، فهي لن تدع الساحة السورية الشمالية لأحد وستدافع عن وجودها هناك بذرائع مختلفة وبعناد، وحتى بتطوير قدراتها القتالية المتواجدة في شرق الفرات.  وهكذا فإنها تبدو كحليفٍ لابد من التعاون والتقارب معه، حتى ولو كان على حساب "النجمة الحمراء" و"المطرقة والمنجل"، وسائر الرايات التي تعكس أممية بعض فصائل "شعوب شمال سوريا الديموقراطية!" فالوضع الكوردي حالياً أخطر من أن تسعفه القوى الأممية المعادية للولايات المتحدة، وهي من أهم الدول الرأسمالية التي تكره الشيوعية وتحاربها، وهي بالتأكيد لن تساعد "أممين ديموقراطيين وبرادغميين كانتونيين!" على بناء كيانٍ براق اللون يجتذب "الرفاق!" من شتى أنحاء العالم، وإن سمحت بذلك فليتم تصفيتهم كما فعلت بالقوى الظلامية التي تم اجتذابها إلى العراق وسوريا وفق خطة "عش الدبور" من أجل القضاء عليها بلا رحمة.

ولكن قبل التفكير بتسليم منطقة عفرين وشعبها لنظام الأسد الذي لا يقوى على حماية أمن دمشق ذاتها ولا يستطيع فرض نفسه على سوريا، وقبل التوجه صوب المحور الأمريكي – الأوربي، على الكورد جميعاً أن يحققوا ثلاثة أهداف أساسية لأي تحرّك قومي صحيح بعد اليوم:

  • وحدة القرار والخطاب القومي الذي تفرضهما الأزمات المتتالية الدامية والموجعة حقاً
  • السعي لإيقاف الانزلاق صوب الكارثة الإنسانية في عفرين من خلال دعوة المجتمع الدولي للقيام بعمل سريع وحاسم ينهي العمليات القتالية ويفسح المجال لمساعدة المنطقة المنكوبة في مختلف المجالات الإنسانية، وهذا يمكن تحقيقه من خلال تحرك قوات التحالف الدولي صوب عفرين.
  • التحرّك الفعال لبناء تحالف وطني ديموقراطي سوري واسع، لا يستثني أي مكون ديني أو قومي، غير خاضع لإملاءات النظام أو الروس أو إيران أو تركيا أو أي دولةٍ أخرى لها مآرب في دعم هذا الفصيل أو ذاك من قوى الشعب السوري، وذلك على أساس إيمان التحالف المنشود بالحق القومي الكوردي الدستوري، ضمن إطار الدولة السورية الحديثة وفي ظل سيادتها التامة على أراضيها، وهذا ما لا يستطيع النظام الحالي ولا قوى "المعارضة!" الباحثة عن دجاجات الكورد وتحزّ رؤوس المقاتلين مثلما يفعل الإرهابيون تحقيقه حالياً.

وأعتقد أن وحدة بنادق الأمة الكوردية وحراك الشارع القومي في شتى أنحاء كوردستان وفي المهاجر والتضامن الذاتي لأمتنا الذي نراه جلياً اليوم بصدد "مقاومة وتضحيات شعبنا في عفرين" هما أهم العناصر لبناء مستقبلٍ آمن لنا في وطننا.