التضخم زاد من أعباء العائلة العراقية ...
عجزت الحكومة العراقية عن إيجاد آليات للسيطرة على أسعار السوق التي تحدد مستويات التضخم الجامح، الذي بات يهدد مستويات الدخل الحقيقي للفرد، وذلك على رغم اعتمادها سياسة نقدية انفردت بها على مستوى العالم عبر هيمنتها وفي شكل مطلق وتحكمها بأسعار صرف العملة الأجنبية من خلال مزاد البنك المركزي اليومي.
وأعلنت وزارة التخطيط العراقية في إحصاءات عن ارتفاع آخر في معدلات التضخم، شهده عام 2017 وبنسبة 0.8 في المئة عن معدلات 2016 . وقال الناطق الرسمي للوزارة عبد الزهرة الهنداوي لصحيفة ‹الحياة› اللندنية: ارتفع معدل التضخم السنوي العام الماضي «بنسبة 0.8 في المئة نتيجة ازدياد الأسعار في قسم الأغذية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 0.4 في المئة، وفي قسم السكن بنسبة 2.5 في المئة وفي مجموعة الإيجار بنسبة 0.8 في المئة».
وكشف عن وجود «زيادات أخرى كان مسيطراً عليها في الماضي، تتعلق بالتعليم الذي شهد هو الآخر ارتفاعاً نسبته 3.1 في المئة والصحة والاتصال».
ويُعتبر الرقم القياسي العام «من أكثر المؤشرات استخداماً في قياس التضخم في العراق، إذ يعكس التغيير في أسعار السلع والخدمات للمستهلكين. ويرصد المؤشر 416 سلعة وخدمة يجمعها الجهاز المركزي للإحصاء شهرياً من مدن العراق».
وبينت المؤشرات أن الفرد العراقي، «بدأ يغير أولويات نفقاته الشهرية بفعل المتغيرات الخارجية، إذ كان يعول كثيراً على التعليم المجاني الذي تؤمنه الحكومة، وبعد تردي واقع هذا القطاع بدأ يلجأ إلى التعليم الخاص وكذلك القطاع الصحي».
وينفق الفرد العراقي «أكثر من ثلث دخله على السكن والمياه والكهرباء والغاز والثلث الآخر وفق مؤشرات وزارة التخطيط على الأغذية والمشروبات غير الكحولية، و11 في المئة على النقل و7.3 على الملابس و6 في المئة على الصيانة والمعدات. وبالتزامن، بدأ يخصص نسباً أخرى من دخله لصرفيات أخرى، مثل التعليم والاتصال والمطاعم والترفيه».
وأعلنت الباحثة الاقتصادية أسماء خضير في دراسة، أن مشكلة التضخم «ظاهرة يواجهها معظم دول العالم المعتمدة نظام السوق الحر، لكن تتباين أسباب التضخم وأنواعه بين دولة وأخرى. إذ يحدث ارتفاع في قيمة سلعة محددة لكنه موقت في موسم أو مناسبة ستزول بعد فترة قصيرة، وهو لا يُعد تضخم الذي يجب أن يتسم بالاستمرارية والشمول».
ومشكلة التضخم في العراق، وهو يوصف دائماً بـ «المستمر والملموس في المستوى العام للأسعار، ترك شعوراً حقيقياً بتراجع قدرة الأفراد على الحصول على حاجاتهم الضرورية، بمعنى أن هناك مشكلة تضخم حقيقية، على رغم انخفاض معدلاته خلال العقد الماضي مقارنة بأعوام سبقت عام 2003».
ووفق الإحصاءات، كانت معدلات التضخم سجلت عام 2000 أكثر من 49 في المئة وعام 2001 قفزت إلى 65 في المئة. وبعد التغيير الذي شهده البلد عام 2003 سجلت معدلات التضخم زيادة جنونية عام 2004، ليصل إلى 70 في المئة. لكن بعد تغيير العملة بدأ التراجع التدريجي ليصبح عام 2005 أكثر من 42 في المئة، وتناقص ليصل إلى 7 في المئة عام 2010.
ووفق وزارة التخطيط، فإن «معدلات الناتج المحلي الإجمالي عدا النفط منخفضة جداً، بحيث لا تتجاوز35 مليون دولار، وهذا يؤدي إلى قصور في نشاطات العرض الكلي لقطاعات حيوية في الاقتصاد، مثل الطاقة والوقود والنقل والمواصلات وقطاعات خدمية أخرى».
وأكد الخبير الاقتصادي عماد العبود، أن التضخم «زاد من أعباء العائلة العراقية، لأن العائلات التي تعيش من دون مورد مالي محدد قللت من استهلاكها وأعادت ترتيب أولوياتها الاستهلاكية، لعدم قدرتها على تغطية الزيادة في الأسعار الناجمة عن الارتفاع المستمر في أسعار بعض السلع وتحديداً المشتقات النفطية».
واعتبر العبود أن «معالجة صعود مستويات التضخم تكون عبر آليات تعمل عليها الدولة، وتبدأ من تقنين إصدار العملة لأنها غير مسيطر عليها حالياً، إذ لم تكن تتخطى 11 تريليون دينار (9 بلايين دولار عام 2004، وتتجاوز حالياً 42 تريليون دينار». وقال: «وهنا يجب تقليل النقد لامتصاص القوة الشرائية وإبعاد النقود عن أسواق سلع الاستهلاك، لتحقيق تناسب بين الناتج القومي والزيادة في حجم النقد المتداول».
وشدد على ضرورة «ترشيد سياسة الإقراض ومنح الائتمان والكف عن أسلوب تمويل العجز، وإعادة النظر في أولويات الإنفاق العام والاهتمام بنظام الضرائب أي زيادة حجم الضرائب ونسبتها، التي تفرض على الدخل القومي»، من دون إغفال «الحفاظ على استقرار مستويات الأسعار والاهتمام بنظام الرواتب خلال تطبيق سياسة أجور، تستهدف ضبط معدلات الزيادة النقدية طبقاً لصعود معدلات إنتاجية العمل».