وكتب عبدالباري عطوان في مقال له في صحيفة راي اليوم، ان المَصادِر الروسيّة التي “سَرّبت” هذا النَّبأ، الذي لم يَصدُر أي نَفي أو تأكيد له، أو حتي تعليق عليه، أراد أن يُؤكِّد علي ثلاثِ حقائق رئيسيّة:
ـ الأولي: أنّ الخِلافات السُّوريّة التُّركيّة التي بَلغَت ذَروَتها في بِداية الأزمة السوريّة انتهت تقريبًا، وأنّ هُناك تنسيقًا في مُعظَم القضايا المُتعلِّقة بالمَلف السوري بين الجانِبَين، ويَتوحّدان علي أرضيّة الهَدف المُشتَرك وهو مُحارَبة التحالف الكُردي الأمريكي الذي يُريد إقامة دولة علي حِساب الأرض والأمن القَومي للبَلدين.
ـ الثانية: أنّ مِقعَد سورية في هذهِ المَنظومة الإقليميّة الدَّوليّة الثُّلاثيّة الجديدة “مَحجوز” وستَشغله في الوَقت المُناسِب.
ـ الثّالث: أنّ الأزمة السوريّة تَقترِب من نِهايتها، وأنّ رِئاسة الأسد لم تَعُد مَوضِع نِقاش، وأنّ الحَل السِّياسي باتَ مَحصورًا في هذهِ المَنظومة الجَديدة، وفي هذا الإطار، والخُطوة المُقبِلة تتمثّل في مَخرَجٍ دُستوريّ يقود إلي انتخاباتٍ بَرلمانيّة ورِئاسيّة علي الطَّريقين الرُّوسيّة والصِّينيّة، وتَحقيق المُصالَحة الوطنيّة في مُؤتَمر سوتشي.
هذهِ القِمّة الثُّلاثيّة وما تَمخَّضَت عنه من تَفاهُماتٍ أبرزت فَشَل السِّياسة الأمريكيّة ليس في سورية وَحدَها، إنّما في مِنطقة الشرق الأوسط بِرُمَّتِها، وبثَّت اليأس والإحباط في نفس الرئيس دونالد ترامب، ودَفَعَته إلي إصدار قرارِه “الغاضِب” بالانسحاب من سورية.
تَراجُع الرئيس ترامب عن هذا القَرار رُضوخًا لضُغوط القِيادات العَسكريّة والبِيروقراطيّة السياسيّة، كان مُؤقَّتًا، ولِفَترة سِتّة أشهر فقط، وفي مُحاوَلة لكَسب الوقت، تمامًا مِثلما تراجَع “مُؤقّتًا” وتَحت الضُّغوط نَفسِها، عن الانسحاب من الاتّفاق النَّووي الإيراني للفَترةِ نَفسِها تَقريبًا.
خُروج تركيا من تَحتِ العَباءةِ الأمريكيّة، وحَسم الرئيس أردوغان أمره بالانضمامِ إلي المَنظومة الإيرانيّة الروسيّة، كان أكبر تجسيد للفَشل الاستراتيجي الأمريكي المَذكور، في سورية والعِراق وأفغانستان، وهذا ما دَفع الرئيس ترامب للشَّكوي من إنفاق بِلاده سَبعة تريليون دولار في الشَّرق الأوسط، ولم تَجْنِ في المُقابِل غير القَتل والدَّمار.
الرئيس ترامب باتَ يُدرِك جيّدًا، أنّ بقاء قُوّاته في سورية في ظِل “الحَرب البارِدة” التي تَزداد سُخونةً، بِشَكلٍ مُتسارِع هذهِ الأيّام، سَيُؤدِّي إلي المَزيد من الخَسائِر الماليّة والبشريّة معًا، وأكّد لنا مَصدر قريب من الرُّوس والإيرانيين، ويُتابِع بِشَكلٍ لَصيق لهذا المَلف، أنّ هُناك معلومات مُؤكَّدة بِتَشكيل قُوّات مُقاوَمة عِراقيّة وسُوريّة بِدَعمٍ روسيّ لاستهداف القُوّات الأمريكيّة وأنّ نُقطَة الصِّفر هي بعد إعلان ترامب الانسحاب من الاتّفاق النَّووي مع إيران، وقال انتظروا بِضعَة أسابيع، تَجرِبة “حزب الله” و”الحَشد الشعبي” و”أنصار الله” الحُوثيّة ستَتكرَّر في شَمال سُورية قَريبًا.
جِنرالات البِنتاغون الذين يَقِفون خَلف بِناء قواعِد عَسكريّة في شَمال سورية، يُريدون استخدام الأخيرة كبَديلٍ عن تُركيا، كقاعِدة لمُواجهة روسيا في الحَرب البارِدة، ورُضوخًا لمَطالِب اللُّوبي الإسرائيلي الذي يَدْفَع في اتّجاه زِيادة أعداد القُوّات الأمريكيّة وليس الإبقاء عليها فقط لمُواجهة النُّفوذ الإيراني المُتزايِد.
ترامب يَفهَم لُغة الاقتصاد من مِنظار آلته الحاسِبة وأرقامِها ومُعادَلاتِها الحِسابيّة، ويعتمد الابتزاز الماليّ لحُلفائِه، والسعوديّة ودٌول الخليج (الفارسي) كأقصرِ الطُّرق للوصول إلي أهدافِه، بينما يَري الأعضاء المُؤسِّسون للمَنظومة الثُّلاثيّة الجَديدة (تركيا، روسيا، إيران) الاقتصاد من زاوِيَةٍ استراتيجيّة سِياسيّة بَعيدة المَدي، وهذا ما قَصَدَهُ أردوغان عندما تَحدَّث في مُؤتَمرِه الصَّحافي وإلي جانِبِه ضَيفه بوتين، بأنّ التَّعاون التِّجاري الحالي بين بِلاده وروسيا سيَرتفِع من 33 مليار دولار إلي مِئة مليار في السَّنوات القَليلة القادِمة، أمّا التَّبادُل التِّجاري مع إيران فسَيصِل إلي 35 مِليار دولار، أي ما يَقرُب مِن ثلاثة أضعاف أرقامِه الحاليّة، وهذهِ النَّظرة التجاريّة هي التي رَفعت النُّمو في تركيا إلي 7.4 سَنويًّا، أي الأعلي عالِميًّا بعد آيسلندا (8.8)، والشَّيء نفسه يُقال عَن الاقتصاد السُّوري الذي يَنهَض من بين رُكام الدَّمار، ويَنعكِس في التَّحسُّن المُتواصِل لسِعر اللِّيرة أمام الدُّولار.
ترامب يَبتَز أصدقاءه ويُقودهم إلي الإفلاس، والتحالف الثُّلاثي يُعزِّز مَكانَة أعضائه اقتصاديًّا وسِياسيًّا، ويَفتَح باب العُضويّة لكُل من يُريد تَحدِّي الغَطرَسة الأمريكيٍة، ولا نَستغرِب انضمام العِراق وسُورية، وربّما الجزائِر والصِّين إليه أيضًا.
المِقعَد السُّوري مَحجوزٌ بِقِوَّة في هذا التحالف وسَيَتِم إشغاله قريبًا، أمّا نَظيره في قِمّة الرِّياض العَربيٍة التي ستُعقَد بعد عَشرة أيّام سيَظل شاغِرًا ربّما لسَنوات، أو حتي عُقود قادِمة، لأنّ القِيادة السُّوريّة لم تَعُد تَعتبِر مُؤسَّسة القِمّة هذهِ “عَربيّة”، في صُورتها الحاليّة، ولا نَختَلِف مَعَها في هذا التَّقييم.
ولا نَستَبعِد أن يكون الرئيس الأسد العُضو الرَّابِع في مَنظومة القِمّة الثُّلاثيّة التي سَتُعقَد في الأشْهُرِ المُقبِلة في طِهران، حيث ربّما تَكون هذهِ القِمّة المَكان الأنْسَب للمُصالَحة التُّركيّة السُّوريّة علي أرض ثالِثة، وإن كانت غير مُحايِدة في المَلف السُّوري.
انتهي**1110**1837