هل تونس في انتظار انقلاب عسكري أو حرب أهلية؟ ـ

آخر تحديث 2018-04-08 00:00:00 - المصدر: ميدل ايست

تصريحان مرعبان أطلقهما نائبان في البرلمان التونسي، يوم 04 ابريل الجاري، حول مستقبل تونس. التصريح الأول جاء على لسان سالم الأبيض، الى إذاعة "ماد" التونسية بان "تونس امام اختيارين او توجهين، اما الحرب الاهلية او افلاس الدولة والتخلي عن المسار الديمقراطي". والتصريح الثاني، جاءعلى لسان علي بنور لإذاعة "جوهرة ف م" التونسية وقال فيه بانه يتمنى ان يسمع "البيان رقم 1" في إشارة منه الى انقلاب عسكري.

يتمثل وجه الرعب في التصريحين، في كونهما جاءا من نائبين يفترض بانهما مطلعان على الوضع التونسي من داخله، باعتبار انهما ينتميان الى السلطة التشريعية، وممثلان للشعب فيها، وانهما لم يتركا احتمالا آخر غير الحرب الاهلية والانقلاب العسكري لمستقبل تونس.

فهل فعلا ليس امام تونس غير هذين المصيرين المرعبين، أليس ثمة هنا كطريق آخر هو بصدد الرسم لمستقبل تونس، عنوانه العفو عن كل مجرمي عهدي الأنظمة السابقة، بل وعدم فتح ملفاتهم، ثم تعود بعد ذلك "ماكينة" الحياة السياسية التونسية للعمل، وكأننا لا زلنا قبل سنة 2011؟

في الحقيقة فانه منذ انتخابات 2012، وانتصار الإسلاميين فيها، والدولة العميقة تعمل على انقاذ أبنائها، مهما كان الثمن والمقايضة، واهم هذه المقايضات هي إشراك الإسلاميين في الحكم، دون ان يحكموا، وكان ذلك بعنوان التوافق.

بالنسبة للانقلاب العسكري فهو احتمال ضعيف جدا، لكنه وارد. ضعيف، لان تونس لم تجربه قبلا، فانقلاب بورقيبة وبن علي كانا انقلابين امنيينّ، ربما لم يكن العسكريون على علم به في ساعته الأولى. ووارد، لان العسكر التونسي صار طرفا في ملفات هيئة الحقيقية والكرامة، كما صرحت السيدة رئيسة الهيئة بذلك، فقد رفضت وزارة الدفاع التعامل من هذه الهيئة، وتسليمها أسماء العسكريين واماكن تواجدهم اثناء إطلاق النار على شهداء تونس ابان اندلاع الثورة، في محاولة من الهيئة تحديد المسؤوليات، زيادة على ظاهرة جديدة جدت لدى الجيش وهو خروجه عن مهامه الحقيقية، حماية الحدود، الى مد الجسور مع المواطنين وإقامة القوافل الصحية. وهو ما لم يعهده المواطن قبلا، ولو ان الجيش كانت له تدخلات فقط اثناء الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات او سقوط الثلوج بكثافة وعزل المواطنين.

واما الحقيقة، فان الانقلاب في تونس هذه المرة كان سياسيا، بمشاركة أطراف نقابية من اتحادات الشغل ومن الامن. وكان البيان الأول فيه، هو اعلان التوافق بين حزبي نداء تونس والنهضة. في لقاء فرنسا، بين الشيخين، وعلى حد تصريح عراب اللقاء بهما، السيد نبيل القروي، فقد تكلم الرئيس الباجي قائد السبسي لمدة ساعة كاملة وهو يأمر بأوامره، والشيخ راشد الغنوشي، يقبل بكل الشروط، ومنها التنحي من الحكم، بشرط تهدئة الأوضاع في البلاد. فقد فاقت الإضرابات آنذاك أكثر من 36 ألف اضراب، وهو عدد مهول، لو حدث في الاتحاد الأوروبي، لسقط كل الاتحاد، كما لا ينسى التونسيون كيف اطردت بعض نقابات الامن الرئاسات الثلاث التابعة للترويكا، رئيس الجمهورية السابق، ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان.

التوافق الذي حدث، لم يكن طبيعيا، كان تحت التهديد، وهو ما يؤكد بانه كان انقلابا سياسيا، بمشاركة كل الأطراف التي مثلت قوى الدولة العميقة، التي ساهمت في استقرار النظامين السابقين، البورقيبي والبن علي، وتواطأت معه. التوافق كان البداية لعودة الأنظمة القديمة التي تحالفت من اجل منع تعرضها للمحاسبة وربما السجون، لما اقترفته في حق الشعب. ولن يكون ذلك الا بالسيطرة على الحكم.

وتتالت البيانات الانقلابية بعد التوافق. من تمرير قانون المصالحة الإدارية الى تجاوز هيئة الحقيقة والكرامة، التي باتت قاب قوسين او أدني من تقديم بعض من ملفاتها الى القضاء للفصل فيها. الا ان أحزاب "التوافق" مرة أخرى، بدأت تخطط لإيجاد قانون جديد للعدالة الانتقالية، والذي قد يحافظ فقط على جبر الضرر، والتعويض المادي كحفظ ماء الوجه للشيخ راشد الغنوشي، لاعتبار ان أكثر المتضررين هم الإسلاميين، ولا يمكن ان يخرجوا من كل شيء بخفي حنين. ولا غرابة في ان يكون السيد حسين العباسي، الأمين العام السابق لاتحاد الشغل، والذي يعود له "كل الفضل" في اسقاط الترويكا، هو رئيس المنظومة الجديدة للعدالة الانتقالية، حسب ما بات يروج في وسائل الاعلام.

اغلب التونسيين، يعرفون حقيقة ما يجري في بلادهم، ويعلمون حيثيات الانقلاب الذي تحاك أطواره كل يوم، كما يعلمون اللاعبين الأساسيين فيه، من داخل تونس وخارجها. الا ان ما يخافه التونسيون، ويقض مضاجعهم، هو ان يسقط هذا الانقلاب الدولة من خلال ضرب الاقتصاد، وهم يكتوون كل يوم، بخيبات الحكومات المتعاقبة، التي لم تفلح في الا شيئين، التداين وزيادة الضرائب. مما أسقط القدرة الشرائية للمواطن.

نهاية هذا الخوف سوف لن يكون الحرب الاهلية كما قال النائب سالم الابيض. فالتونسيون لا يعرفون الحروب الاهلية ولم يجربوها سابقا. وليس لديهم، الى الان، أسباب اندلاع هذه الحرب ربما قد تحدث فوضى عارمة بقرار من "تحالف الأنظمة السابقة" إذا لم يتوصل الى انقاذ جميع ابناءه، وعودته للحكم ثانية. فوضى لن تنتهي الا بتحقيق هذا التحالف غاياته.

وفي الحقيقة، ليس امام هذا التحالف من موانع امام تحقيق غاياته. كل أحزاب المعارضة، تحولت إلى أحزاب شعبوية بعد أن اكتشفت حجمها الشعبي الضعيف، فوقفت ضد الإسلاميين، ولم تصرح بوقوفها ضد النداء، الذي هو مشروع "تحالف الأنظمة السابقة"، وهو ما يعني عدم معارضته له. واما حركة النهضة، فقد خيرت عدم دخول تونس في فوضى امام عودة رجالات الأنظمة السابقة وعدم محاسبتهم. وهي حسابات ستدفع حركة النهضة ثمنها غاليا، اما عاجلا او آجلا. فحركة النهضة الضحية السياسية الأولى في تونس عبر التاريخ، سوف لن يمكنها الجلاد من ان تكون في سدة الحكم مهما كان الثمن، خشية ان تتحول هي الى جلاد، مهما كانت التنازلات التي قدمتها وستقدمها.

ثمة معارك سياسية كبرى ستحدث في تونس الى غاية 2019، موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة. وقد يزيد وضع البلاد سوءا على ما هو عليه. لان كل المعركة تتمحور حول افشال الطرف السياسي الأقوى شعبيا، حركة النهضة، والذي يحتمل فوزه في كل المحطات الانتخابية القادمة. وربما سيقوم تحالف الأنظمة السابقة من "التوافق مع حركة النهضة على نسبة معينة من المشاركة في الحكم، دون ان تكون في المقدمة ومؤثرة. والأرجح بان النهضة ستقبل في مقابل الالتزام بالتهدئة والإبقاء على هامش الحرية.

في المحصلة، الانقلاب السياسي قد حدث، والبيان الأول قد صدر وعنوانه التوافق، ولايمكن حدوث حرب أهلية في تونس، كل ما يمكن حدوثه هو فوضى، وهذه الفوضى مرهونة بوصول تحالف الأنظمة السابقة الى الحكم وحماية كل أبنائها من المحاسبة، وحرمان التونسيين من معرفة ما حدث من استقلالها الى الآن. الطريق الآخر الذي لم يتحدث عنه النائبان، سالم الأبيض وعلي بنور، هو ان كل ما يحدث في تونس هو تعبيد الطريق الى عودة الانظمة السابقة الى حكمها، هو طريق افشال كل اهداف الثورة دون استثناء.

في انتخابات 2019، ستنتهي أزمات تونس، لان القانون الانتخابي سيتغير، لإيجاد اغلبية قادرة على الاستحواذ على الحكم، كما قال السيد رئيس الجمهورية في خطاب عيد الاستقلال، وهذه الأغلبية، ستكون حتما من "تحالف أنظمة الحكم السابق".

 

د. محجوب احمد قاهري

drkahri@gmail.com