العلاقة بين الشركات التكنولوجية الكبرى ليست بالشكل العطوف الذي جسدته كلمة مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، بعد رحيل الرؤيوي ستيف جوبز، عندما اعتبر بعد ساعات من وفاة مؤسس شركة أبل، أن تأثيره على العالم سيستمر لعدة أجيال.
التنافس الشديد بين الشركات أثناء الحياة ليس كما دفقة العواطف بعد أن يرحل أحدهم، هذا الكلام عبر به غيتس عن غريمه وصديقه الراحل، معبرا عن انبهاره بما أنجزه من تصاميم وقدرة جوبز البديهية على تسويق المنتجات التي تبتكرها شركته.
يحدث هذا عندما يموت أحدهم! بينما في أروقة وادي السيليكون هناك حرب تتصاعد بين شركات تكنولوجية وإعلامية للاستحواذ على القرار الرقمي في إدارة العالم.
تحقق أبل أغلب أرباحها من بيع أجهزة الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر اللوحية، في المقابل تحقق شركات غوغل وتويتر وفيسبوك أغلب أرباحها من الإعلانات.
انتهى الوقت الذي يكظم فيه كبار مدراء الشركات غيظهم من التفوق المثير لشركة فيسبوك، فالشاب مارك زوكيربرغ لا يمتلك خبرة وحنكة تيم كوك وتاريخ شركة أبل، مع ذلك يقف في قمة جمهورية الملياري مستخدم!
لقد منحت فضيحة استخدام بيانات شخصية لخمسين مليون مستخدم من قبل شركة كمبريدج أناليتيكا للاستشارات السياسية، فرصة كي تكون الحرب السرية التي تدار في مختبرات وورش الشركات التكنولوجية، حربا علنية على فيسبوك التي استحوذت على الفرص برمتها، مجسدة في ذلك اللا عدالة التكنولوجية.
فضيحة جمهورية الملياري مستخدم أنها كانت على علم لسنوات باستخدام بيانات شخصية لحوالي خمسين مليون مشترك من قبل شركة كمبريدج أناليتيكا لإغراض سياسية.
ومثل هذا الأمر لا يبقي تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل صامتا في حرب التنافس، عندما افترض أنه عندما سيكون في محل زوكيربرغ “لم أكن لأسمح لنفسي بأن أكون في مثل هذا الموقف”.
واعتبر كوك أنه من غير المنطقي أن نرجح أن فيسبوك لا تعتني ببيانات المستخدمين لأنها تمنحهم خدماتها مجانا. واصفا بيع بيانات المستخدمين الخاصة بأنها “اقتحام للخصوصية”.
هنا وُجد مارك زوكيربرغ الذي يدور العالم من أجل ربطه في مجتمع واحد اسمه فيسبوك! في موضع دفاعي للمرة الأولى تقريبا بعد سنوات من الإبهار والأموال، عندما استعان بكلمات لجيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، أشارت إلى أن “هناك شركات تجعلك تدفع أكثر، وهناك شركات تعمل جاهدة لتكلفك أقل”.
لكن مدير فيسبوك لا بد له أن يجلس على كرسي الاعتراف بعد فضيحة البيانات التي هي بمثابة غبار من الذهب للمؤسسات الأمنية، بقوله إن شركته لا تزال تفتقر إلى الشفافية بخصوص بعض الخيارات التي أقدمت عليها في وقت سابق، مقترحا تولي لجنة مستقلة اتخاذ بعض القرارات نيابة عن الشركة.
اليوم زوكيربرغ يعلن دون مواربة أنه مستعد لقبول قواعد تنظيمية جديدة، بعد أن اعتذر لمستخدمي فيسبوك إثر ظهور تقارير استغلال بياناتهم الشخصية سياسيا.
خطة الدفاع التي تعلمها المدير الشاب كان فيها نوع من التراجع بإعلانه أنه يريد أن يجعل من فيسبوك منصة “أكثر ديمقراطية” بحيث يسمح للمستخدمين برفض قرارات فيسبوك ومراجعتها في ما يتعلق بالمحتوى الذي يسمح بنشره أو يحظر نشره.
يبدو من الأهمية بمكان أن نتذكر في لحظة التراجع والدفاع ما قاله زوكيربرغ في أوج صعوده بشأن منافسه تويتر قبل سنوات “يبدو الأمر وكأنهم قادوا سيارة من المهرجين إلى داخل منجم ذهب وتعطلوا”.
بعد فضيحة الاستحواذ على بيانات غبار الذهب لتكون أداة سياسية يبدو أن سيارة فيسبوك هي التي تعطلت، وليس كما تصور زوكيربرغ تويتر المقيد في منجم الذهب.
التنافس بين شركات وادي السيليكون ليس محض خلاف من أجل الاستحواذ على الأموال والفرص فحسب، بل هناك أيضا رغبة سياسية كبرى في السيطرة، فموقع فيسبوك ليس مجرد وسيلة اجتماعية محبة تقرب بين الناس في أطراف العالم المتباعدة، هناك ما هو أخطر وأكثر تحديا لما يشغل أجهزة الأمن في العالم.
قبل خمس سنوات، بدأ الباحثون في مركز القياس النفسي التابع لجامعة كامبريدج في نشر أعمال متقدمة للغاية، تحدد كيف يمكن استخدام موقع شبكات التواصل الاجتماعي لقياس السمات الشخصية بكل دقة لملايين الناس.
من خلال النظر إلى كيفية استخدام الناس لموقع فيسبوك والأمور التي يبدون إعجابهم بها، توصل الباحثون إلى أن أحكام أجهزة الكمبيوتر على شخصيات الناس، استنادا إلى آثارهم الرقمية، أكثر دقة من الأحكام التي يصدرها الناس المقربون إليهم.
ووفق صحيفة فايننشيال تايمز، فإن أجهزة الأمن والاستخبارات انتبهت إلى هذا العمل، حيث إنها تبحث عن أي دليل متقدم يرشدها إلى تفهم دوافع المواطنين.
لقد بدأت المعاول ترفع لتحطيم فيسبوك، ولم يكن تساؤل الكاتب المتهكم روبرت شريمزلي في فايننشيال تايمز، أول من رفع المعاول اللغوية بقوله “إن كان فيسبوك ذكيا حقا، فلماذا يروج للنعال؟ وإن كانت شركات البيانات الكبرى فعالة إلى هذه الدرجة المخيفة في معرفة كل جانب من جوانب شخصيتي، لدي سؤال واحد فقط: لماذا يواصل فيسبوك محاولة بيعي نعالا بقيمة 80 جنيها؟”.
لهذا تشكك زينب توفيقي، الأستاذة في جامعة نورث كارولينا، في كامل نموذج أعمال فيسبوك، ولا ترى أن المشكلة تكمن في أمن فيسبوك وحده بقولها “إن كانت شركتك تبني جهاز مراقبة واسع النطاق، ستُستخدَم البيانات في نهاية المطاف، وسوف يساء استخدامها. وسيتم اختراقها وانتهاكها وتسريبها وسرقتها واستهدافها وتزويرها ومشاركتها وبيعها”.
هل تحطم فيسبوك، ذلك ما صرح به شاب عمره 28 عاما، يصبغ شعره باللون القرمزي، هو كريستوفر وايلي الذي كشف الغطاء عن الأساليب الحديثة المستخدمة في استهداف الناخبين واستمالتهم في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من البلدان لدى عمله في شركة كامبريدج أناليتيكا.
قال وايلي لصحيفة الأوبزيرفر إنه افترض أن العمل قانوني تماما وفوق الشبهات، لكنه أضاف “لقد حطمنا فيسبوك” الموقع أو الشركة، أو كليهما.
كرم نعمة
karam@alarab.co.uk