دمشق – في سوريا هناك آلاف الأشخاص المفقودين ولا يُعرف ما إذا كانوا مخطوفين أو معتقلين، أحياء أو أمواتا، بينما يعد ملف المفقودين أحد الملفات الأكثر تعقيدا التي خلّفتها الحرب السورية منذ اندلاعها في العام 2011.
وتسلط عودة دفعة من المختطفين لدى جيش الاسلام الضوء على ملف المفقودين في الحرب السورية سواء لدى النظام السوري أو لدى فصائل معارضة، فيما يبقى مصير الآلاف منهم مجهولا إلى حدّ الآن.
وحملت وفاء في يدها صورة قديمة لشقيقتها الصغرى غنى وراحت تبحث في وجوه الناس حولها لتتعرف إليها بعد أكثر من أربع سنوات على خطفها على يد فصيل جيش الاسلام قرب دمشق وكان عمرها حينها لا يتجاوز 12 عاما.
وبموجب اتفاق أعلنت عنه دمشق الأحد، أفرج فصيل جيش الإسلام في مدينة دوما في الغوطة الشرقية مساء عن دفعة أولى من 50 مدنيا كان خطفهم من مدينة عدرا العمالية شمال شرق دمشق في ديسمبر/كانون الثاني 2013.
وكانت وفاء برهوم (33 عاما) القادمة من بلدة مصياف في وسط البلاد، تبحث بالإضافة إلى شقيقتها، عن والدتها ووالدها وشقيقها الذين خطفوا جميعا على غرار مئات آخرين من عدرا العمالية.
وفي قاعة الفيحاء في دمشق التي نقل إليها الجيش السوري المدنيين المُفرج عنهم، كانت تدور بين الجموع وتمعن النظر في وجوهم إلى أن حالفها الحظ أخيرا لترى غنى واقفة أمامها.
وعانقت وفاء شقيقتها بشدة ولم تترك يدها ورددت "هذه هي رائحتها، لا يمكن أن أتوه عنها، عيناها ونظرتها هي ذاتها، لكنّها أصبحت صبية يافعة".
وتغيرت ملامح غنى التي بلغت عامها السادس عشر، فقد أمست أكثر طولا وانسابت ضفيرتها السوداء الطويلة خلف ظهرها.
وكانت الفتاة تنظر من حولها باستغراب، فهي ترى مشهدا غاب عنها لسنوات. وقالت "كنت أحلم في صغري أن أكون طبيبة، لكن حين خطفت بات حلمي فقط أن أخرج".
لكن فرح العائلة لم يكتمل، فقد خرجت غنى مع والدتها، فيما يبقى مصير والدها وشقيقها مجهولا.
وإثرَ عملية عسكرية جوية وبرية وعمليتي إجلاء لمقاتلين معارضين، سيطر الجيش السوري على 95 بالمئة من الغوطة الشرقية التي شكلت لسنوات معقلا للفصائل المعارضة قرب دمشق، لتبقى دوما وحدها تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام.
وبعد تصعيد عسكري الأسبوع الماضي، أعلنت دمشق اتفاقا نص على إفراج جيش الاسلام عن المخطوفين لديه وخروجه من مدينة دوما.
وتتواصل عملية إجلاء مقاتليه مع عائلاتهم منذ مساء الأحد، فيما يفترض أن يتم الافراج عن دفعات جديدة من مدنيي عدرا العمالية.
"ولادة جديدة"
وهناك آلاف الأشخاص المفقودين في سوريا. ولا يُعرف ما إذا كانوا مخطوفين أو معتقلين، أحياء أو أمواتا. ويُعد ملف المفقودين أحد الملفات الأكثر تعقيدا التي خلّفتها الحرب في سوريا منذ اندلاعها في العام 2011.
ومع تقدم الجيش السوري في الغوطة الشرقية وبدء تنفيذ اتفاقات إجلاء المقاتلين المعارضين منها قبل نحو ثلاثة أسابيع، يتوافد يوميا إلى المعابر المؤدية إلى الغوطة عشرات الأشخاص الذين يأملون رؤية أحبائهم.
وارتفعت في قاعة الفيحاء الرياضية أعلام روسية وسورية وتجمع العشرات في ملعب كرة السلة والمدرجات حوله وأنظارهم موجهة إلى المدخل. وكلما دخل أحد المخطوفين السابقين، ارتفعت أصوات التصفيق والهتافات.
وبدا التعب واضحا على المفرج عنهم حتى أن وجوههم كانت متسخة وثيابهم رثة.
ونزعت سونيا ديّوب (43 عاما) حجابا أبيض وضعته على رأسها وخلعت عباءة سوداء ارتدتها فوق ثيابها، قبل أن تعانق شقيقها أسامة.
ومسح أسامة وجه أخته والدموع تنهال على وجهيهما. ثم قبّل رأسها. وقال "لا أصدق حتى اللحظة أنني أرى أختي، حلمتُ كثيرا بهذه اللحظة والآن تحقق الحلم".
وجثت سونيا على قدميها طالبة ماء، قبل أن تتوجه إلى إحدى الطاولات التي وزعتها الشرطة السورية في المكان لتسجيل أسماء المفرج عنهم وتوثيق حالاتهم.
وبرغم التعب، لم تغب الابتسامة عن وجه سونيا التي قالت "لا أريد أن أبكي بعد الآن، هذه بداية جديدة للحياة. هذه ولادة جديدة".
"عدت يا أمي"
وتم في الأيام الماضية الافراج عن دفعات أخرى من المخطوفين لدى الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية.
وظهر العشرات من هؤلاء في العام 2015 في شريط فيديو وقد وضعوا في أقفاص حديدية كبيرة على متن ثلاث شاحنات تجولت في شوارع مدينة دوما.
واتهم المرصد السوري لحقوق الإنسان وقتها جيش الإسلام باستخدامهم كـ"دروع بشرية".
ولم تتمالك والدة رشا نفسها حين رأت ابنتها سالمة أمامها، فانهارت على الأرض باكية.
وركضت رشا نحوها، جلست على الأرض قربها تقبلها وتمسح الدموع عن وجهها، مرددة بصوت عال "عدت يا أمي.. عدت يا أمّي".
ولم يحالف الحظ زينة خلوف (38 عاما) التي جلست وحيدة على درج الصالة، تضع يدها على خدها وتنظر إلى البوابة الرئيسية لعلّ مفاجأة تحصل ويدخل شقيقها.
وقالت "لقد خاب ظنّي، كنت أتمنى لو أن أخي بين المفرج عنهم"، مضيفة "لم أفقد الأمل، سأبقى أنتظر هنا حتى الصباح، لعلّه يكون في الدفعة القادمة".