بقلم : فاتن السامرائي
تَفَتُّحْ، عولمة، ديموقراطية، تكنولوجيا، تطرف، وغيرها الكثير من المصطلحات الدخيلة على عَرَبيتِنا، تلك التي اجتاحت عالمنا. كلها ستُذكر الناس يوماً أنَّها تعود للقرن الواحد والعشرون. سأسهب هنا في تفصيل معاني هذه القضايا من وجهة نظري: أولاً، التفتح والانفتاح: تَفَتّحَ العالم لعوالم أخرى أوسع. عوالم تحوي ما لم نتخيله يوماً، إذ أنّ السرعة الهائلة في الانفتاح الذي يعايشه البشر في القرن الواحد والعشرين لا جرم أنها -هذه السرعة- طورت من ملكات الناس. وكلما زاد هذا الانفتاح وجد البشر أنفسهم وعالمهم يكاد لا يساوي شيئاً أمام ما يحويه هذا الكون الذي أقل ما نصفه فيه إنَّه كبيراً نسبةً إلى عالمنا طبعاً.
فكون غير معروف الحدود لا يمكن إيجاد وصف دقيق لأبعاده، إلا بقياس ما نعرفه؛ نسبة إلى جزء معين منه. إننا الآن في زمن نعرف فيه عدد الكواكب، وما يدور حولها من أقمار، وما تحويه تلك الأقمار.
أضف إلى ذلك أننا نعي تماماً وجود مجرات أخرى منها المجاورة لمجرتنا وكذلك البعيدات جداً منها. إننا في خضم اكتشافات جديدة قد تدحض لاحقاً نظريات قديمة، كما لا يخفَ عن الجميع حرب الفضاء التي ننتظر نتيجتها. بالمناسبة هل ستحجز منزلاَ في المريخ؟ وهل فكرت فيمن قد يصبح الرئيس هناك؟ وهل ستحدث نزاعات طائفية ويتكرر سيناريو الكوكب الأزرق على الكوكب الأحمر! آمل أن يفشلوا جميعاً في حرب الفضاء. ثانياً، العولمة: تلك التي وصفوها لنا إنَّها قضيةً ستخدمُنا وأنها تسيرُ إلى الأمام.
مرتدية وشاح الانفتاح وتضييق المسافات البعيدة وتسهيل التواصل بين المجتمعات واختلاط الثقافات والمساواة بين أفراد المجتمع. في حين أن حقيقتها سيئة بجد، تحمل ندبات الرأسمالية القديمة. واقعها عكس ما روجه لها روادها، فهي تخدم مصالح الأغنياء وأصحاب النفوذ وتقمع الفقراء وحتى ذوي الطبقة الوسطى. “وفي هذا المنظور لا عجب أن يعلن (هاينرش فون بيرر Heinrich Von Pierer)، رئيس المؤسسة العالمية سيمنز، بلهجة من ربح المستقبل وانتصر: “لقد تحولت رياح المنافسة إلى زوبعة، وصار الإعصار الصحيح يقف على الأبواب”.
ولا ريب في أن يبرر وغيره من رافعي راية العولمة، إنما يحاولون بما يختارون من عبارات وصور، الإيحاء بأن الأمر يتعلق بحدث شبيه بالأحداث الطبيعية التي لا قدرة لنا على ردها والوقوف بوجهها، أي إنها نتيجة حتمية لتطور تكنولوجي واقتصادي ليس بوسعنا إلّا الإذعان له. والواقع أن هذا ليس إلّا ثرثرة. فالتشابكات الاقتصادية ذات الطابع العالمي ليست حدثاً طبيعياً بأي حال من الأحوال، إنما هي نتيجة حتمية خلقتها سياسة معينة بوعي وإرادة”.
* ثالثاً، الديموقراطية: حياة تعيشها دول، في حين تملكها أخرى بالاسم فقط. وأخرى حرمت منها علانية. نحن نحتاج الديموقراطية كي نشعر بقيمتنا كبشر أن تعبر عن رأيك بمطلق الحرية ذلك ما يجعلك تعيش إنسانيتك. كما أننا لا نريد ديموقراطية بالاسم فقط، لا بدّ أن نضع حداً لمن يتلاعب بنا تحَـتْ هذا المسمى ونصنع ديموقراطيتنا التي تجعلنا لا نختلف بشيء عن تلك الدول المتقدمة.
رابعاً، التطرف: لطالما كان الدين خطاً أحمراً لكل شخص سواء كان يدين لرب معين أو أنه عدمي فمسألة الدين لا يجب التحدث بها. كما في أميركا الآن فلا يجرء شخص ما هناك سؤالك عن دينك فإذا فعل فبوسعك رفع قضية بحقه. هذا ما استغله بالضبط بعض المتنفذين في العالم، عبر تشويه صور الأديان وخلق النزاعات الطائفية إنما هدموا الأمم وفككوا الأواصر وألهوا البشرية وحرفوهم عن توجهات يرغبون أن تُخلى لهم. عن كم الدمار في كلماتي السابقة على أرض الواقع، (داعش) وغيرها لم تكن وليدة يوم وليلة بالطبع، وكذا ليسوا جماعات يرأسها متطرف يدعى “أبو بكر” أو مهما كانت كنيته إنَّها مسألة أعمق بكثير. وكذا بالنسبة لتفجير الكنائس والجوامع والمعابد، ليسوا مجرد متطرفين ذوي نزعات، إن السر في القاع وينضح منه ما ينضح للملأ.
لا تنظر للدين من خلال متطرفيه، فالخلافات معظمها سياسية، مستقبلنا رهن المدنية أن أعامل وأحاور المقابل كإنسان لا كدين أنا ضده أو معتقد لا أحبذه. خامساً، التكنولوجيا: عالم جديد وخلق آخر، فمن كان ليصدق أن يتطور العالم بهذه السرعة وأن تفتح للتكنولوجيا تلك الآفاق التي يجري منها تدفق إلكتروني غزير، أجده مخيفاً تارةً وأخرى معجزةً، إذ لا ننكر إيجابياتها كونها سلاح ذو حدين كما نعلم.
أستطيع أن أصفها بأنها رائعة الاكتشافات. وهكذا، لكل قرن وزمان مدخلات جديدة، منها ما قد يندثر لاحقاً ومنها باقٍ مخضرم ولكنه لا يدوم أو ربما يدوم. ما يهمنا أن نستغل كل فكرة جديدة وكل قضية قد تخدمنا كأفراد، أو كمجتمعات، أو حتى كعالم بأسره، فالانفتاح الذي نحن فيه، ذلك الذي جعل الحضارات تلتقي رغم بعدها ساعدت التكنولوجيا في تطوره. ورؤيتنا لحرية الرأي في البلدان المتقدمة؛ جعلنا نثور ضد الدكتاتورية بحثاً عن الديموقراطية. وذلك بفضل التكنولوجيا والانفتاح أيضاً، أجل إنها مترابطة فيما بينها، والعولمة كذلك جعلتنا نميز بين الزيف والحقيقة من خلال متبعيها لنعرف من يخدم الأمة ممن يخدم مصلحته فقط.
لن نستطيع التخلي عن كل هذا، بل نريد المزيد، لا زلنا كبشر نبحث عن التطور ونكتشف ونخترع. ما دمنا أرقى المخلوقات وما دمنا نحن من يمتلك العقل الذي لا تزال حدوده غير معروفة.
إذن لِمَ نتوقف؟.
* هانس. مارتن، بيتر. شومان، هارولد. فخ العولمة، ص(٢٩-٣٠)، عالم المعرفة، الكويت ١٩٧٨.