يتطلع الجيل الجديد في تونس إلى طبقة سياسية ديمقراطية تكون منفتحة أكثر ما يكون على مشاغله وتسمح له بالمشاركة الواسعة في الشأن العام وهو لا يتردد في وصف الطبقة الحالية بالهرم والتسلط وحتى بالاستخفاف بالتجربة الديمقراطية نفسها.
ويرى هذا الجيل الذي يتبنى منظومة ثقافة سياسية مدنية ذات محتوى اجتماعي تمزج بين النشاط السياسي والاستمتاع بالحياة أن الطبقة السياسية التي استأثرت بالعملية السياسية طيلة أكثر من سبع سنوات طبقة غير ديمقراطية ما انفكت تمارس شتى أشكال تهميش الشباب من المشهد السياسي العام بالبلاد.
ولا يتردد شبان تونس وفتياتها في وصف زعماء الأحزاب السياسية بأنهم باتوا يمثلون حجرة عثرة أمام عملية الانتقال الديمقراطي بعد أن أحكموا سطوتهم على إدارة الشأن العام بناء على عقلية سياسية بالية لا تستجيب لتطلعات أجيال مثقفة ثقافة مدنية.
ويقول مراقبون إن الأجيال الجديدة تتبنى ثقافة سياسية أكثر انفتاحا وتحررا من الطبقة السياسية التي جاءت بها انتفاضة يناير من هوامش العمل السياسي وفشلت طيلة أكثر من سبع سنوات في كسب ثقة فئات واسعة من المجتمع نتيجة غياب أي برامج أو خطط عملية من شأنها أن تستقطب الآلاف من الكفاءات الناشئة.
وتظهر قراءات أن الطبقة السياسية سواء منها الحاكمة أو المعارضة يقودها زعماء كثيرا ما حالوا دون انخراط الشباب في العمل الحزبي أو التموقع ضمن المراكز القيادية التي ظلت حكرا على قياديين تجاوزتهم الأحداث.
ووفق أكثر من إحصائية لا يمثل الشباب سوى 5 بالمئة من نشطاء الأحزاب، ولا يعود ذلك فقط إلى العزوف عن العمل السياسي وإنما يعود أساسا إلى موقف الجيل الجديد من سياسيين يتبنون ثقافة سياسية ماضوية لا تتلاءم مع تطلعاتهم.
وتتصدر حركة النهضة قائمة الأحزاب التي تهيمن عليها قيادات هرمة إذ يرأس الحركة راشد الغنوشي منذ العام 1981 تاريخ تأسيسها ويقودها بناء على منطق "الشيخ" الذي يسمع ويطاع لا بناء على عقلية تشاركية منفتحة ما قاد إلى انتفاضة الكوادر الوسطى والقواعد المهمشة خاصة في الجهات وفي الأحياء الشعبية.
وعلى الرغم من أن نداء تونس يعد الحزب الأكثر لبرالية وانفتاحا إلا أنه لم يكن بمنأى عن الانتقادات اللاذعة من قبل الأجيال الجديدة إذ يواجه حافظ قائد السبسي معارضة من قبل شق هام يتهمه بالانفراد بالرأي والتسيير غير الديمقراطي.
ولا تتردد القيادات السياسية الشابة في التأكيد على سطوة المال سواء بالنسبة للنهضة أو بالنسبة للنداء هي التي تتحكم في الشأن الحزبي وهي التي تلعب دورا محوريا في مدى توفر الحظوظ للأجيال الجديدة المشاركة الديمقراطية الحقيقية.
غير أن استياء شبان تونس وفتياتها يشمل أيضا الأحزاب التي كثيرا ما رفعت شعار الديمقراطية في مواجهة الحزبين الكبيرين وفي مقدمتها حركة مشروع تونس إذ ما انفك محسن مرزوق الأمين العام للحزب يتهم بإدارة الحزب بطريقة انفرادية.
وفي ظل غياب ثقافة سياسية ديمقراطية اختار العديد من قيادات مشروع تونس الانسحاب من الحزب إما للالتحاق بأحزاب أخرى أو النشاط السياسي المستقل.
ولا ترى الأجيال الجديدة اليسارية في الجبهة الشعبية سوى ائتلاف حزبي يهيمن عليه الفكر الماركسي الذي كثيرا ما حكم على اليسار التونسي بنوع من الانطوائية والانغلاق يقوده حمة الهمامي الزعيم التاريخي لحزب العمال الشيوعي التونسي.
ومما عمق الفجوة بين الطبقة السياسية التقليدية هو أن الأجيال الجديدة تعد من الكفاءات المتخصصة في مختلف المجالات وتحذق استخدام وسائل الاتصال الحديثة التي فتحت أمامها الآفاق للاطلاع على التجارب الديمقراطية العريقة والأكثر براغماتية.
وقاد هذا الانفتاح على الخارج وما تستتبعه من مقارنات بالجيل الجديد إلى وصف الطبقة السياسية بأنها طبقة ترتهن الفكر الماضوي الذي جعل من الديمقراطية عملية إيديولوجية ذات مرجعية منغلقة عاجزة على تحريك المسار الانتقالي الديمقراطي بالبلاد.
وفيما تمسك الطبقة السياسية الحالية ببسط سطوتها على الشأن الحزبي بصفة خاصة والشأن السياسي بصفة عامة بدأ الجيل الجديد يمارس نوعا من الضغوط سواء من داخل الأحزاب أو من خارجها في مسعى لإزاحة "شيوخ" السياسة باتجاه فتح آفاق أمام حقهم في المشاركة السياسية بناء على مبدأ المواطنة.
وتشهد غالبية الأحزاب السياسية حاليا بروز مجموعات ضغط تقودها كوادر وسطى وحتى قواعد أكدتها قائمات الانتخابات البلدية التي استأثر بها شباب الجهات بمراتب متقدمة في ما يشبه الرسالة بأن الطبقة السياسية استنفذت مخزونها السلطوي وباتت عاجزة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.