هل يهدد خطاب الغنوشي السلم الأهلي في تونس

آخر تحديث 2018-04-16 00:00:00 - المصدر: ميدل ايست

عمقت مفردات الحرب التي ما انفك يشحن بها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي خطابه السياسي من حين لآخر لخطابه العنيف توجس القوى السياسية والمدنية في تونس من خلفيات وأهداف الحركة التي تسعى إلى فرض نفسها بلغة التهديد فيما يرى مراقبون أن النهضة باتت تمثل تهديدا جديا للسلم الأهلي وللنشاط السياسي المدني.

وخلال الأشهر الماضية التي سبقت الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في 6 مايو/ايار القادم أخذ خطاب الحرب الذي يقوده الغنوشي نسقا تصاعديا حتى انه بدا وفق الأوساط السياسية والمدنية كما لو أنه "قائد عسكري" أكثر منه رئيس حزب سياسي مدني.

في شهر فبراير/شباك الماضي فاجأ الغنوشي التونسيين بالتلويح بـ"الحرب الأهلية" ردا على من يتهمون النهضة باغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد ليوجه رسالة في منتهى الخطورة مفادها أن الحركة مستعدة لهذه الحرب في مواجهة القوى السياسية والمدنية بل في مواجهة جزء كبير من المجتمع الذي يقاسمها الرأي.

وكانت هذه المرة الأولى التي يستنجد بها الغنوشي بمفردات الحرب في مسعى إلى زرع الرعب في مفاصل المجتمع التونسي المسالم والخيار بين القبول بالحركة المهزوزة سياسيا وشعبيا والمنطوية على قواعدها العقائدية أو الزج بتونس في حرب أهلية.

وبدهاء شديد تجنب الغنوشي استخدام المفردة الفقهية العقائدية "الفتنة" ليحاول إلقاء المسؤولية على القوى العلمانية وفي مقدمتها التيارات اليسارية الراديكالية التي كثيرا ما حذرت من أن أخطر ما يواجه تونس هو عودة الإسلاميين إلى الحكم من جديد.

ويرى مراقبون أن "عسكرة" الغنوشي لخطابه المخاتل جاءت في أعقاب تصريح برهان بسيس مسؤول الشؤون السياسية بنداء تونس الذي حمل فيه الشعب التونسي مسؤولية الخيار بين المشروع الوطني الحداثي الذي يقوده النداء وبين مشروع الإسلام السياسي الذي تقوده النهضة العدو اللدود لدولة الاستقلال المدنية التي أسسها الحبيب بورقيبة.

وعلى الرغم من التنازلات التي قدمتها النهضة ومن بعض التصريحات التي تحاول عبثا الترويج لنفسها على أنها حزب مدني وجزء من المشهد السياسي المتعدد فكريا وسياسيا فإن العارفين بشؤون الحركة يشددون على أنها تبقى وفية لمرجعيتها العقائدية تغرد خارج الخارطة السياسية مستميتة في بناء حكومة إسلامية إخوانية.

ويبدو، كما يذهب إلى ذلك محللون، أن الغنوشي لا يتعامل مع الاستحقاقات الانتخابية وفي مقدمتها الانتخابات البلدية بناء على منطق المنافسة السياسية المدنية السلمية وإنما يسعى إلى تحويل وجهتها إلى حرب بين حركته وبين مختلف القوى السياسية العلمانية.

والسبت الماضي لم يستنكف الغنوشي في وصف المنافسة خلال الانتخابات البلدية بـ"الحرب الباردة" ليعيد إلى أذهان التونسيين مصطلحا حربيا خطيرا استخدمه القادة العسكريون للدول العظمى خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

وفيما تحشد الأحزاب السياسية اللبرالية والعلمانية لإنجاح الانتخابات البلدية من خلال انتهاج خطاب مدني سلمي قادر على كسب ثقة الناخبات والناخبين واستقطابهم في كنف السلم الأهلي يبدو أن الغنوشي مصرا على تخيير التونسيين بين فرض النهضة وانتزاع فوزها وبين "الحرب الأهلية" التي تلج لأول مرة في الخطاب السياسي التونسي.

وفي تعليق على مثل هذا الخطاب الذي لا يخلو من استخفاف بالسلم الأهلي يقول أخصائيون في الجماعات الإسلامية إن "استخدام المفردات الحربية هو مؤشر قوي على أمرين إثنين، أولا اهتزاز النهضة من الداخل ومخاوفها من أن تلقي بها نتائج الانتخابات خارج الخارطة السياسية، وثانيا أن الغنوشي المسكون بشراهة الحكم لم يتخلص بعد من منطق العقائدية الدينية التي تعتبر نفسها وصية على الناخبين التونسيين.

ولا يتردد الأخصائيون في التشديد على أن "العنف السياسي الذي ينتهجه الغنوشي لتلغيم المنافسة خلال الانتخابات بخطاب حربي لا علاقة له بالنشاط السياسي المدني إنما يستبطن الترويج للنهضة على أنها قوة سياسية قادرة على زعزعة الأمن والاستقرار.

غير أن مراقبين آخرين يرون أنه بقدر ما يرفع الغنوشي من سقف خطابه الحربي بقدر ما يكشف عن وهن النهضة وضعفها ليجعل منهما غطاء لمخاوف تساوره بفرضية انتصار الناخبين التونسيين للدولة المدنية والمشروع الوطني الحداثي ممثلا في النداء.

ويضيف المراقبون أن دواعي المنافسة الشرسة مع النداء والحملة الانتخابية من جهة، وتآكل قواعد النهضة وأنصارها أملت هكذا خطاب في مسعى لكسب نتائج الانتخابات.

ويستدل المراقبون هنا بأن النهضة استنجدت في قائماتها الانتخابية بالمستقلين لرئاستها وبالمئات من الشباب والنساء غير المتدين في محاولة للانفتاح على غير أنصارها مما أثار غضب قواعدها التي ترى أنها أولى بالترشح لأول استحقاق للحكم المحلي.

لكن خطاب الغنوشي ليس معزولا عن طريقة التمهيد للانتخابات حيث "مشطت" أذرع النهضة في الجهات مختلف النشطاء السياسيين بما فيهم الكوادر الوسطى للتجمع الدستوري المنحل الذي كان يرأسه الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وتمتلك تلك الكوادر إلى حد الآن من مؤهلات النشاط السياسي والأداء وثقة أهالي الجهات ما يجعلها قادرة على استقطاب الناخبات والناخبين وتوفير فرضية الفوز.

وقبل الانفتاح الاضطراري على "التجمعيين" مهد الغنوشي بسلسلة من اللقاءات والمشاورات مع رجال بن علي حيث استقبلهم بالمقر المركزي للنهضة.

وترى القوى اللبرالية والعلمانية الديمقراطية أن الغنوشي يراهن على التجمعيين النشطين جدا في الجهات لا فقط لمنافسة قائمات النداء وإنما لقيادة ما أسماها بالحرب الباردة التي قد تتحول إلى ما قال حرب أهلية في حال منيت الحركة بهزيمة تهدد مستقبلها السياسي.

وفيما أثارت لغة الحرب الباردة والأهلية سخط الطبقة السياسية ورأوا فيها تهديدا للسلم الأهلي في ظل هشاشة أوضاع البلاد والأزمة الهيكلية وحالة الاحتقان يرى مراقبون أنخطاب الغنوشي لا يعدو أن يكون نوعا من التصعيد اللفظي المهزوز الذي لن يزيد التونسيين سوى تمسكا بالنشاط السياسي المدني ولن يزيد النهضة سوى المزيد من الانطوائية والعزلة السياسية والشعبية في مجتمع استمات بالسلم الأهلي وبالدولة المدنية طيلة أكثر من سبع سنوات رغم الأزمات السياسية والهيكلية وهشاشة الأوضاع.