أبوظبي - مساء كل يوم جمعة تتحول قطعة أرض رملية بمنطقة ديرة الشعبية في دبي إلى حلبة لمصارعة الوحل، المعروفة باسم الكوتشي، وهي نوع من المصارعة يضاف إلى قائمة ألعاب الصراع الشهيرة كالجودو، والمصارعة الرومانية، والمصارعة الحرة، والسومو ومصارعة الذراعين.
وتتمتع هذه الرياضة التي تتوارثها الأجيال بشعبية واسعة في إقليم بنجاب عند الحدود بين الهند وباكستان.
ويتجمع عمال هنود وباكستانيون في الإمارات العربية المتحدة، أسبوعيا، للمشاركة في هذه المباريات أو حضورها.
ومع غروب الشمس وفي ظل أشجار نخيل شاهقة يشكل العشرات من الرجال دائرة واسعة، ويرش مصارعون مخضرمون استحالوا حكاما، الماء على الحلبة للتخفيف من الغبار.
ويدفع بائع فول سوداني عربته المتهالكة بين الجمهور، بينما يضع المصارعون الطين على أجسادهم للإعلان عن بدء المباريات.
وينادي محمد إقبال (50 عاما)، أحد أبرز الوجوه في مصارعة الوحل بدبي، على كل من كالا بهلوان ومنافسه سهيل للتقدم إلى الحلبة.
ويطلق المصارعون على الساحة التي تقام عليها الرياضة اسم "أخارا"، وحين دخولهم إليها يقبّلون الطين إجلالا للمصارعين القدامى الراحلين، قبل أن يطأوا الساحة بأقدامهم. وتتسم المباريات بالسرعة وبالشراسة، وغالبا ما تستمر المصارعة بضع دقائق، إلا أنها في حالات نادرة قد تستمر نصف ساعة، وعندها يجري تمديد المسابقة 15 دقيقة إضافية.
ومن طرائف اللعبة أنه في حال لم يجد المصارع منافسا له لأي سبب كان، فإنه من الممكن للمتفرّجين المشاركة في المسابقة ومنازلته. وينزل بعض المتفرجين إلى الحلبة لتصوير المباريات، بينما يهتف آخرون في لحظات المواجهة الحاسمة.
وتنتهي المباراة عادة عندما يتمكن أحد الطرفين من أن يطرح خصمه أرضا على ظهره.
وانتهت الجولة بخسارة كالا بهلوان وبتحد من خصمه الذي قال له "اعثر لي على مصارع يستطيع هزيمتي".
وبعد هذه الخسارة، اجتمع كالا (26 عاما) مع أصدقائه ووضعوا خطة للعثور على مصارع آخر، وقرروا في نهاية المطاف استقدام مقاتل من منطقة مظفر جاره التي يتحدّرون منها، في إقليم بنجاب في باكستان.
وفي غضون أيام، وبعدما تبرّع كل منهم بمبلغ من المال يتراوح بين 50 و100 درهم إماراتي (15 إلى 25 دولارا)، تمكن الأصدقاء من تأمين ثمن تذكرة السفر لاستقدام المصارع كي يشارك في القتال المقبل.
ويعمل كالا واسمه الحقيقي محمد أرسلان في الأيام العادية بسوق الواجهة البحرية في دبي.
وفي السوق، ينشغل عمال من جنوب آسيا بصف أنواع مختلفة من الأسماك الطازجة المستوردة من سلطنة عمان وسريلانكا وغيرهما، على منصات تغطيها كتل من الثلج.
وبعيْد وصوله إلى دبي قبل ست سنوات، اكتشف الشاب وجود مباريات كوتشي من العمال الباكستانيين الآخرين في سوق السمك.
ويقول "عندما أدخل إلى السوق، يتحمّس الجميع. فهم يعرفونني ويعرفون اسمي. وفي حال وجود أي مشكلة، يأتون لمساعدتي لأنني مشهور".
واستوحى أرسلان اسمه القتالي من أحد أبطال بلدته في هذه الرياضة، مشيرا إلى أن كوتشي هي أسلوب حياة في مظفر جاره.
تعتبر كوتشي إحدى الطرق التي يلجأ إليها الشباب للهروب من الانحراف والجريمة، ويقول "في بلدتنا يقضي التقليد بتعلّم المصارعة. الجميع ينشأ وهو يلعب كوتشي.. لا توجد عادات سيئة مثل التدخين أو المخدرات.. الجميع يحاول أن يتمتع باللياقة البدنية الضرورية للقتال". وبالنسبة إلى أرسلان، فإن التغذية المناسبة والتدريب مع مدرب هما مفتاح النجاح في هذا المجال.
ويشير "السمك هو طبقي المفضل. وهو أكثر شيء صحي في دبي"، موضحا أنه يأكل السمك مرات عديدة في الأسبوع، لأنه يحصل عليه مجانا من مالك الكشك الذي يعمل فيه.
ويتشارك الشاب السكن في شقة مع عمال باكستانيين آخرين يعملون وينامون بالتناوب.
ويؤكد محمد إقبال، الذي يحكّم مباريات كوتشي ويعمل أيضا في سوق الواجهة البحرية، "كلنا نعمل هنا. البعض حمّال في المرفأ والبعض الآخر يعمل في سوق السمك، مثلي أنا". ويؤكد أن كوتشي "تقليد خاص بنا. نمارسها للتخلص من التوتر".
وكان إقبال مصارعا في هذه الرياضة لأكثر من عشرين عاما، قبل أن يقرر الاعتزال وتدريب الشبان مساء كل يوم.
ويقول "من السهل الحصول على مكان لتنظيم هذه المباريات” في دبي، موضحا أن السلطات “تعتبر أن القتال في هذه المباريات أفضل من القتال في العمل أو في البيت".
ويشير بهلوان إلى أن بإمكانه كسب مبلغ يتراوح بين 500 و600 درهم في الليلة (135 إلى 165 دولارا) لكنه يؤكد أن الأمر لا يتعلق بالمال.
ويتابع "لا يمكننا أن نستمتع بحياتنا ووقتنا إن لم يكن هناك أي مصارعة في دبي". وبعد خسارته ليلة الجمعة، اتصل كالا بهلوان بمحمد شهزاد من مظفر جاره داعيا إياه إلى دبي. ولم يتردد شهزاد (22 عاما) في المجيء، وكان قد ألحق الهزيمة بخصم كالا بهلوان في السابق.