ترامب ومصير الانتخابات اللبنانية ـ

آخر تحديث 2018-04-21 00:00:00 - المصدر: ميدل ايست

اذا اختصرنا المشهد الدولي واذا اردنا توصيف العالم اليوم، فان الوصف الأدق هو ان العالم كله يعيش حالة فراغ من النخب السياسية المثقفة والمتوازنة والعاقلة والحكيمة.

القرن العشرين لم يشهد مثل هذا الإنحطاط السياسي والأخلاقي الذي يحكم كل العالم تقريبا اليوم. هل المسؤلية في ذلك تتحمله التطورات التكنولوجية التي حولت العالم الى "قرية كونية صغيرة"؟ ام السبب يعود الى انعدام الثقافة والأحلاق والآداب السياسية وهذا ما حجبت رجالات الدولة الكبار؟ لماذا لم تعد تُنجبُ امهات العالم في القرن الواحد والعشرين أمثال ديغول وغادي ونهرو وتيتو وسوكارنو وكندي وخروتشيف وتشرشل؟ ولماذا لم تعد تُنجبُ امهات العرب امثال عبدالناصر ورياض الصلح وفؤاد شهاب وكمال جنبلاط والياس سركيس؟

عالم يقوده الإرتجال عبر "التويتر. وتويترات الرئيس ترامب خير دليل على التخبط والعبثية في سياسة أكبر دولة في العالم. رئيس دولة لم يستقر على ادارة، فكيف يمكن ان تستقر معه سياسة العالم الذي لا يمكنه تحمل "مزاجية" تويتراته وتقلباته وانفعالاته اليومية.

في العصر الماضي كانت مهمة السياسيين "خفض الإنفعال" ورفض الجنون والجنوح والتهور. كانوا كلما ارتفعت وتيرة التوتر يرفعون درجات الوصول الى تسوية. وهكذا استمرت الحرب الباردة لزمن طويل متوترة لكن دون تهور. فالخط الساخن" موجود ومحترم بين كل السياسيين المتخاصمين حتى استراتيجيا، لم ينقطع وهو وُجد لهذا الهدف. غاندي في أوج الحرب مع الإنجليز تحدث عن "جمال التسوية". "الخط السياسي الساخن" لم يكن موجودا بين الكبار والجبابرة فحسب، بل بين كل الدول وكل السياسيين.

في لبنان وابان الحرب الأهلية ومع دوي المدافع والجبهات المتقابلة بقي التواصل. والخط مفتوح مباشرة أو عبر وسيط. نظرية فؤاد شهاب "لا غالب ولا مغلوب" كان ترجمة للتسوية.

فيما نظرية التسوية الروسية – الإيرانية في سوريا على قاعدة "غالب ومغلوب" او "منتصر ومهزوم" تعني إطالة الحرب لسنوات طويلة. وبالتالي معاودة "داعش" تنظيم صفوفه في سوريا، وجولة جديدة من المآسي والقتل. فهزيمة المعارضة أيا كان تصنيفها في الأمم المتحدة او في دول "الممانعة" تعني اليوم هزيمة "السنّة" خاصة في غياب التوازن الدولي وانكفاء اميركا وأوروبا. وهذا الفراغ أو الإنكفاء ستملأه داعش او اي تطرف آخر. فالتطرف ولآد تطرف.

هكذا فان الأنظمة الديكتاتورية والقمعية ولادة الثورات. فلا شيء يخلق من العدم. وترك الروس يقدمون سوريا هدية لإيران لن يمر كما فعلت أميركا عندما أهدى اوباما العراق لإيران. هذه السياسات روسية كانت ام أميركية ستولّد حرب المائة عام في المنطقة. إلا اذا كان هذا هو الهدف غير المعلن بين ترامب وبوتين! وان لم يظهر "داعش" واخواته، فايران حاضرة لاختلاقه كما حصل في سوريا. وهذا ما أكده رئيس الحرس الثوري محمد علي جعفري، قبل اسبوعين بقوله: "لو تمّ تدمير داعش منذ البداية، فما كان أمام إيران أية فرصة لتشكيل وتنظيم الجماعات الكبيرة والصغيرة المسلحة في جميع أنحاء المنطقة".

يبقى ان نقول ان الحروب في المنطقة هي اسرع الطرق لتشغيل مصانع الأسلحة المدمرة. اليس هذا ما يحصل في حروب المنطقة وتهافت دول الخليج لعقد صفقات شراء الأسلحة الأميركية. اليس هذا ما قاله ترامب عقب انتخابه رئيسا، أن لا حماية "مجانية" لدولكم. وان هذا القرار سيكون له "مفعول رجعي" عن "الحمايات" السابقة.

وتخاذل الإدارة الأميركية من اوباما الى ترامب هو الذي منح "العنتريات" لروسيا واعطاها حجما اكبر من حجمها الطبيعي. وهكذا "عنتر" الروسي ولم يجبهه احد. وفي ظل هذا التخبط الدولي، وفي ظل السياسة "الترامبية" التويترية المجنونة والأحلام "القيصرية" السوفياتية المنقرضة الى حلم ظهور "المهدي" في بلاد الشام. كلها سياسات وأحلام "مطوقة" بالعدو الصهيوني "التوراتي" الهادف الى دولة من "الفرات الى النيل" وما بينهم من عربان يتحكم بغالبيتهم الجهل والغباء والتخلف والأمية والفقر، فيما هم عائمون على بحور "الذهب الأسود".

وفي ظل كل هذا، نحن في لبنان ذاهبون الى انتخابات نيابية بموجب قانون انتخاب "غريب عجيب" صثدق وصادق عليه نواب الأمة بما "يشبه الإجماع". وخدعوا اللبنانيين بـ"النسبية" المزورة وبعدالة التمثيل الطائفي وبعودة الحق "المنهوب والمسروق" لأصحابه. هللوا للقانون الذي لم يقرؤوه ثم بدات "العاشوراء" السياسة واللطم على الصدور والرؤوس عند كل الأحزاب والقوى السياسية. والجميع يغسلون اياديهم من جريمة القانون. وحده الحريري يتبناه! هذا القانون الذي باركه الجميع، فيما، كان يفترض ببعض الأحزاب والقوى السياسية على الأقل قراءته جيدا قبل الموافقة العمياء عليه او على الأقل تسجيل "تحفظ" بحجة عدم التمكن من دراسته بسبب ضيق الوقت. وثغرات وخطورة هذا القانون أكثر من أن تُعدّ. وسنورد بعضها للدلالة:

- يحجب عن الناخب حق اختيار ممثليه بحرية الى الندوة النيابية.

- القانون "ملغوم" بشعار "النسبية" لتهريب القانون "الأرثوذوكسي". كل طائفة تنتخب نوابها. الغريب ان الكل رفضوا "الأرثوذوكسي" ثم وافقوا على النسخة "الأسوأ".

- يٌلزم الناخب باللائحة "المقفلة" فهو ملزم بكل اعضائها وهو يعرف سلفا ان البعض لا يمثله.

- إلزام الناخب بصوت "تفضيلي واحد" فقط. لتثبيت اعترافه بـ"الأورثوذكسي".

- غالبا ما يُعطي المقترع الصوت "التفضيلي" لمرشح من طائفته. قانون أرثوذوكسي" مبطّن.

- لا يستطيع الناخب ترتيب لائحة تشبهه، ولا إختيار مرشحين من لوائح أخرى.

- عدم وجود برنامج إنتخابي موحد للائحة بسبب عدم تجانسها. لوائح "من كل واد عصا".

- الناخب الذي يختار صوتا "تفضيليا" يعتبر انه إقترع للائحة التي يرفض باقي أعضائها.

- ديمقراطية وحرية الناخب غائبة كليا.

وأخيرا، كان يتقص لبنان صدور أوقح بيان عن بطاركة مخابرات النظام السوري الكيماوي "يحيّي فيه الجيش العربي السوري على شجاعته وبطولاته وتضحياته" في قتل شعبه. فأي تعاليم مسيحية تُثني وتؤيد وتبارك جيشا ونظاما و"بعثا" جلادا وقاتلا وسفاحا؟ ماذا ننتظر من مجلس بطاركة يتحول الى فرع للمخابرات السورية؟ وسننتظر ردا من بكركي والفاتيكان على ما قرأناه.

عندما قال الرئيس عون ان عهده يبدأ بعد الإنتخابات النيابية حيث ستكون "حكومة العهد الأولى"، فان الرئيس حتما لم يكن قد قرأ القانون "الهجين" بعد. "حكومة العهد الأولى" يا فخامة الرئيس، سيكون عنوانها: حكومة "الشعوب اللبنانية".. ودقي يا "مزيكة" العهد!

ولكن فخامته سيعوض ذلك بإعاد إحياء "المارونية السياسية" بعد تحويل رئيس الحكومة المقبل "والموعود"، الى "باش كاتب" كما كانت الحال قبل الحرب الأهلية وقبل إتفاق الطائف.

رحم الله الشهيد رفيق الحريري ورحم الله "إتفاق الطائف". على أمل ان لا تكون "العودة" مقدمة لحرب أهلية جديدة!

 

د. صلاح ابو الحسن

كاتب لبناني