'الحرب' لا تهدأ بين الحكومة التونسية واتحاد الشغل

آخر تحديث 2018-04-21 00:00:00 - المصدر: ميدل ايست

تخيم على تونس أجواء من الاحتقان السياسي والاجتماعي على وقع تصعيد الاتحاد العام التونسي للشغل ضد الحكومة واتساع رقعة الإضرابات لتشمل أساتذة التعليم العالي فيما تتحدث مصادر نقابية عن مشاورات خلف الأضواء بين كل من الرئيس قائد السبسي ونورالدين الطبوبي الأمين العام للمركزية النقابية في مسعى لتطويق أزمة البلاد.

ولا يخفي غالبية التونسيين قلقهم إزاء تداعيات النسق التصاعدي للأزمة السياسية والهيكلية التي عمقها الخلاف بين الحكومة واتحاد الشغل حتى أنها باتت تتحدث عن وقوف تونس على مشارف انتفاضة ثانية تهدد السلم الأهلي والتجربة الديمقراطية.

ويرى أولياء تلاميذ التعليم الثانوي أن أبناءهم تحولوا إلى "رهائن" في ظل رفض النقابة الكشف عن الأعداد وتلويحها بمزيد من التصعيد ما لم تستجب الحكومة لمطالبها.

وتضج العائلات التونسية بحالة من الغضب على الاتحاد وأيضا على الحكومة في ظل التخوفات من سنة دراسية بيضاء في حال عدم التوصل إلى حل عاجل.

وقال محسن مرزوق الأمين العام لحكة حزب مشروع تونس، الجمعة، إن "أطرافا أرادت بأزمة التعليم الثانوي تصفية الاتحاد العام التونسي للشغل موجها نداء إلى السبسي للتدخل ووضع حد للأزمة مشددا على أن الاتحاد أحد أعمدة الدولة الوطنية".

من جهته قال لسعد اليعقوبي الأمين العام لجامعة التعليم الثانوي إن "الحكومة تسعى إلى ابتزاز اتحاد الشغل وشيطنته" مشددا على تمسكه باستقلالية المركزية النقابية.

غير أن تصريح اليعقوبي بشأن استقلالية النقابة يبقى مسألة مثيرة للجدل إذ تهيمن عليها التيارات الراديكالية منها الإسلاميين والقوميين واليساريين بمختلف فصائلهم.

لذلك يرى، العارفون بالشأن التونسي أن أزمة نقابة الثانوي بين وزارة التربية ما هي إلا غطاء للأزمة العامة بين الاتحاد المسنود برافد سياسي نقابي وحكومة الشاهد.

ويعتبر نشطاء حركة النهضة النقابيين ونشطاء النداء بدرجة أقل أن المركزية النقابية ما انفكت تفتعل الأزمات في مسعى إلى إستقواء يستهدف مشاركتها في الحكم.

وفي المقابل ما انفكت القيادات النقابية وفي مقدمتها الطبوبي تشدد على أن المركزية النقابية مستقلة ومحايدة وتقف على نفس المسافة بين جميع الأحزاب ولا تستهدف أحدا.

وخلال الأيام الماضية توسعت على وقع حالة التصعيد والتصعيد المضاد رقعة الإضرابات لتشمل الأطباء وأساتذة الجامعات والنقل وعدد من مؤسسات القطاع العام لتعمق حالة من الاحتقان باتت تنذر بتفجر أوضاع سياسية واجتماعية هشة.

وفيما بدت الحكومة ثابتة على مواقفها سواء بشأن صياغة جديدة لوثيقة قرطاج بدت مواقف المركزية النقابية مخاتلة ومرتبكة إذ بعد موجة التصعيد العنيف التي قادها الطبوبي خلال الأسبوعين الماضيين عاد صرح بعد لقائه السبسي بأن "تونس ينتظرها الخير" ليعود مجددا لخطاب أشد تصعيدا معلنا الحرب على الحكومة.

ويذهب مراقبون إلى أن استماتة الاتحاد في استعراض قوته يتغذى من ثقة السبسي فيه وتأييده لمطالبه منها إشراكه في صناعة القرارات الإدارية والسياسية الإستراتيجية ومنها ما يتعلق بالإصلاحات وخاصة عدم التفويت في مؤسسات القطاع العام.

وتقول قيادات نقابية عليا إن هناك مشاورات غير معلنة تجري هذه الأيام بين السبسي والطبوبي لتطويق الأزمة ما يعني أن رئيس البلاد استشعر خطورة الأزمة وتداعياتها ليقرر الدخول على الخط وتجنيب تونس تمهيد الاتحاد لقيادة انتفاضة ثانية.

والمفارقة، وفق ما يرى مراقبون، أن غالبية أعضاء المكتب التنفيذي للمركزية النقابية يرون أن السبسي نفسه جزء من الأزمة السياسية والحال أنه انتهج منذ توليه الرئاسة العام 2014 سياسة الحوار مع الاتحاد باعتباره القوة المدنية الأولى في البلاد.

وعلى خلاف تصريح مرزوق الذي اتهم فيه أطرافا بالسعي لضرب الاتحاد يرى جزء هام المتابعين للشأن السياسي والنقابي أن تصعيد الاتحاد خلال هذه الفترة بالذات التي تستعد فيها البلاد لأول انتخابات بلدية هو تصعيد مدروس لا يخلو من حسابات.

وترى المركزية النقابية أنه مهما كانت نتائج الانتخابات سواء لصالح النهضة أو لصالح النداء فإنها لن تقود سوى إلى تركيز مؤسسات حكم محلي حزبي قد تقود بدورها إلى إضعاف أداء أذرعه في الجهات الداخلية التي يعتبرها خزان للضغط على الحكومة.

وبعد أن كان يحظى بثقة عالية من قبل غالبية التونسيين بات اتحاد الشغل يواجه انتقادات لاذعة لجهة انزلاقه المباشر والعنيف في الشأن السياسي وتجريد نفسه من هويته المدنية.

وفي ظل حالة الترقب تلك الأغلبية المركزية النقابية مسؤولية الأزمة سواء منها النقابية أو في جانبها السياسي مشددة على أنها حادت عن دورها كقوة راعية للحوار الوطني.

ولا تتردد بعض الأوساط السياسية في الحديث عن أن الاتحاد بدأ يمهد للعب دور القوة الأولى في تونس ما بعد الانتخابات البلدية اقتناعا منه بأن الاستحقاق لن يغير شيء من المشهد السياسي الحالي ولا من أي تركيبة حكومية جديدة مرتقبة.

وتحت وطأة الأزمة التي تسللت تداعياتها السلبية إلى داخل العائلات المتوجسة من سنة بيضاء باتت الانتخابات البلدية آخر اهتمامات عديد فئات المجتمع الأمر الذي قد يؤدي إلى الرفع من نسبة العزوف الانتخابي أو الرفع من التصويت العقابي.