لم تكن حادثة اغتيال الأكاديمي الفلسطيني فادي البطش 35 عاما في العاصمة الماليزية كوالالمبور هي الأولى من نوعها، التي تستهدف عقول وعلماء عرب ومسلمين منذ عقود طويلة فقد نفذ جهاز الموساد الإسرائيلي عشرات عمليات الاغتيال بحق العلماء والقيادات العملية والسياسية العربية والفلسطينية على حد السواء.
فقد دأب الموساد والذي يعد الذراع الأمنية لدولة الاحتلال في الخارج، على ملاحقة كل القدرات التي يمتلكها العلماء العرب وهو أمر لم يعد خاف على أحد.
وفتحت عملية اغتيال الأكاديمي البطش، أمس الباب واسعاً على سجل طويل من عمليات الاغتيال التي استهدفت سواء نشطاء، ويعمل البطش الذي وجهت عائلته وحركة حماس أصابع الاتهام للموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء عملية الاغتيال، محاضرا في جامعة ماليزية خاصة، وحاصل على العديد من الجوائز العلمية الرفيعة، ومنها جائزة منحة “خزانة” الماليزية عام 2016، والتي تعد الأرفع من ناحية الجودة، وذلك بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية “إلكترونيات القوى” من جامعة “مالايا” الماليزية، وتحقيقه جملة من الإنجازات العلمية التي أهّلته للفوز، أولَ عربيّ يتوج بها.
وفي كل عمليات الاغتيال التي نفذته في الساحات العربية والغربية لم يعلن الموساد الإسرائيلي مسؤوليته عن تلك العمليات لكن طريقة التنفيذ وأصابع الاتهام وجهت للموساد ضمنياً باعتبار أن دولة الاحتلال هي المستفيد الوحيد من عمليات الاغتيال هذه.
وكانت أولى عمليات الاغتيال في الخارج لممثل منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الفرنسية باريس، محمود الهمشري، والذي اغتيل في يناير/كانون الثاني عام 1972 على يد الموساد، فيما اغتال الموساد الكاتب والروائي الفلسطيني وأحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، غسان كنفاني، عبر تفجير سيارة في أغسطس/آب عام 1972 في العاصمة اللبنانية بيروت.
وفي 13 أبريل/نيسان عام 1973، قام كوماندوس إسرائيلي بالنزول ليلا على شواطئ بيروت، حيث اغتال ثلاثة من أبرز قادة منظمة التحرير الفلسطينية هم مسؤول المنظمة في الأراضي المحتلة، كمال عدوان، والمتحدث الرسمي باسمها، الشاعر كمال ناصر، والقيادي يوسف النجار.
واستطاع الموساد في 11 يناير/كانون الثاني 1979 من الوصول إلى أحد أبرز القيادات الفلسطينية واغتياله عبر تفخيخ سيارته، وهو رئيس دائرة “العمليات الخاصة” في حركة فتح في بيروت، علي حسن سلامة.
كما اغتال الموساد الإسرائيلي مسؤول الأجهزة الأمنية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عاطف بسيسو، بتاريخ 8 يونيو/حزيران 1992، والذي اتهمه الاحتلال بالمشاركة في عملية احتجاز الرياضيين الإسرائيليين في دورة ميونخ الأولمبية عام 1972.
وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول عام 1995، اغتيل مؤسس والأمين العام لـحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، فتحي الشقاقي، على يد الموساد الإسرائيلي في مالطا بعد عودته من زيارة سرية في ليبيا.
وتمكن الموساد في 19 يناير/كانون الثاني عام 2010 من اغتيال محمود المبحوح القيادي في كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة “حماس” في مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة في غرفته بأحد الفنادق.
ولم تقتصر عمليات الاغتيال التي استهدفت نشطاء وكتاب وباحثين على الفلسطيني فحسب بل امتدت لتطال الكثير من العقول العربية والتي تشكل ضمناً خطراً على دولة الاحتلال.
ففي 15 ديسمبر 2017 اغتيل المهندس التونسي محمد الزواري 49 عاما بـ 20 رصاصة أمام منزله في صفاقس نظرا لدوره في تصنيع طائرات بدون طيار دخلت إلى قطاع غزة لصالح كتائب عز الدين القسام الذراع المسلّحة للحركة.
وسبق ذلك قائمة طويلة من الاغتيالات التي استهدفت علماء عرب, فقد اغتيل العالم النووي المصري يحيى المشد أثناء وجوده بالعاصمة الفرنسية باريس الثالث عشر من يونيو حزيران من العام 1980، وقد عُثر عليه جثة هامدة، مُهشم الرأس ودماؤه تغطي سجادة الحجرة بعد أن اغتالته، داخل غرفته التي تحمل رقم (941) بفندق الميريديان بباريس، بعد أن ضرب بألة حادة على رأسه، وقيّدت القضية ضد مجهول، وضرب حولها طوق من التعتيم الإعلامي، أشير في حينه بأصابع الاتهام إلى الموساد، خصوصاً وأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية كانت تتهم المشد بأنه احد أعمدة البرنامج النووي العراقي والذي تعهدت بأن تضع حداً لهذا البرنامج.
وفي العاصمة اللبنانية بيروت، وجهت مصادر مطلعة في بيروت أصابع الاتهام للموساد الإسرائيلي وأجهزة استخبارات غربية باغتيال العالمة اللبنانية عبير أحمد عياش (30 عاما) في باريس، في التاسع عشر من مايو/أيار من العام 2003، بعد نجاحها بحسب المصادر في تطوير علاج لوباء الالتهاب الرئوي اللانمطي سارس، وكانت عائلتها شككت أن ابنتها عملت في مستشفى بباريس مرجحين اغتيالها من قبل الموساد الإسرائيلي.
واغتيل العالم اللبناني رمال حسن رمال، والذي وصفته مجلة “لو بوان” الفرنسية بأنه “أحد أهم علماء العصر في مجال الفيزياء”، حيث لازالت ظروف وفاته إلى اليوم لغزا محيرا، ولم تُشر المواقع الإخبارية إلى أن رمال، تعرض للتهديد أو حاول الفرار إلى بلده الأصلي، كما لم يوجد أثار عضوية على جثته .
واغتال الموساد الدكتورة المصرية، سميرة موسى، والتي كانت عالمة في أبحاث الذرة وتلميذة للدكتور على مصطفى مشرفة سافرت لأمريكا وكانت تنوى العودة لمصر لكي تستفيد بلدها من أبحاثها حيث انها كانت تستطيع إنتاج القنبلة الذرية بتكاليف رخيصة.
و تلقت عروضاً لكي تبقى في أمريكا لكنها رفضت بقولها: “ينتظرني وطن غالٍ يسمى مصر “. وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس. وفي طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة لتصطدم بسيارتها بقوة وتلقي بها في وادي عميق. قفز سائق السيارة واختفى إلى الأبد، وأوضحت التحريات أنه كان يحمل اسماً مستعاراً، وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها.
ويعتبر العالم سمير نجيب عالم الذرة المصري من طليعة الجيل الشاب من علماء الذرة العرب، فقد تخرج من كلية العلوم بجامعة القاهرة في سن مبكرة، وتابع أبحاثه العلمية في الذرة. ولكفاءته العلمية المميزة تم ترشيحه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة، وعمل تحت إشراف أساتذة الطبيعة النووية والفيزياء وسنه لم تتجاوز الثالثة والثلاثين, وأظهر نبوغاً مميزاً وعبقرية كبيرة خلال بحثه وعرضت عليه اغراءات كثيرة بالبقاء في امريكا ولكنه قرر العودة الى مصر ، وفي مدينة “ديترويت” وبينما كان الدكتور سمير يقود سيارته فوجئ بسيارة نقل ضخمة، ظن في البداية أنها تسير في الطريق شأن باقي السيارات. حاول قطع الشك باليقين فانحرف إلى جانبي الطريق لكنه وجد أن السيارة تتعقبه. وفي لحظة مأساوية أسرعت سيارة النقل ثم زادت من سرعتها واصطدمت بسيارة الدكتور الذي تحطمت سيارته ولقي مصرعه على الفور، وانطلقت سيارة النقل بسائقها واختفت، وقُيّد الحادث ضد مجهول كغيرها من عمليات الاغتيال التي قيدت ضد مجهول.