في رد مقتضب شديد اللهجة على وصف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي المنافسة خلال الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 6 مايو/ايار القادم بـالحرب الباردة" قال برهان بسيس المكلف بالشؤون السياسية في حركة نداء تونس إن المنافسة مع النهضة ليست عنفا وحربا.
وقال بسيس القيادي المحسوب على الجناح اليساري المعادي للإسلام السياسي في النداء في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية مساء الثلاثاء من يراهن على تحول المنافسة الى عنف وحرب فلن يحدث ذلك" مشددا على أن المنافسة السياسية الشريفة والنزيهة لا يمكنها أن تتحول إلى عداء".
وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة وصف في تصريحات سابقة أمام أنصاره في جهة المهدية الساحلية المنافسة بين الحركة والنداء خلال الانتخابات بـ"الحرب الباردة".
وأثارت التصريحات التي تستبطن لغة العنف والكراهية غضب النداء الذي رأى فيها مؤشرا على أن النهضة تسعى إلى تهديد الحزب وفرض فوزها من خلال خطاب يروج إلى أن الاستحقاق لا يعدو أن يكون حربا بين الإسلاميين وخصومهم العلمانيين.
وفيما بدا خطاب القيادات الندائية هادئا ومتوازنا حاثا الناخبات والناخبين على الانتصار لصناديق الاقتراع بدا خطاب قيادات النهضة مشحونا بمفردات العداء والحرب.
وأقر بسيس بأن بوجود منافسة حقيقية بين النداء والنهضة لكونهما يتبنيان مشروعين متناقضين أحدهما يؤمن بمدنية الدولة والشأن العام وثانيهما يمثل الإسلام السياسي غير أنه شدد بالمقابل على أن المنافسة يجب أن تقتصر على البرامج وصناديق الاقتراع.
وتنظر النهضة إلى بسيس الذي التحق خلال الأشهر الأخيرة بالنداء أحد أخطر قيادات الحزب العلماني لما يكتسبه من مؤهلات فكرية وسياسية معادية بشراسة للإسلاميين.
ويصنف السياسي والإعلامي الشاب كأحد الشخصيات العنيدة التي لا تحيد عن مواقفها حيث ما انفك يتمسك بدافعه عن نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ويرى مراقبون أن تعيين بسيس مكلفا بالشؤون السياسية للنداء رسالة العلماني إلى النهضة مفادها أن الحزب منح ثقته في خصم اللدود لمراجعة علاقة التحالف معها.
ويصف المراقبون الانتخابات البلدية بـ"الاستحقاق المفصلي" الذي سيحسم اختيار التونسيين بين المشروع المدني الذي يتبناه النداء والمشروع السياسي الذي تتبناه النهضة.
وتراهن تونس على الانتخابات لتركيز مجالس بلدية تكون بالفعل مؤسسات حكم محلي تتبنى برامج تنموية وفق حاجيات كل جهة بما يساعد على تخفيف الضغط على الحكومة.
وتظهر قراءة البرامج الانتخابية التي بدأت في تقديمها القائمات سواء منها الحزبية أو المستقلة أن المسألة التنموية والتشغيل في الجهات يتصدرن المشكلات والمطالب.
وحملت البرامج الانتخابية لعدد من قائمات الدوائر البلدية في الجهات الداخلية مثل القصرين وقفصة ومدنين وتطاوين وسليانة والكاف وجندوبة وباجة وزغوان وعدا بإقامة مناطق صناعية لتحريك النشاط الاقتصادي وتوفير مواطن الشغل للعاطلين.
وذهب عدد من قائمات تلك الجهات إلى حد التعهد بجلب المستثمرين الأجانب وتركيز مؤسسات استثمارية كبرى على غرار النسيج الصناعي المركز في الجهات الساحلية.
غير أن تلك التعهدات تكاد تكون، كما يذهب إلى ذلك خبراء في التنمية، مستحيلة سواء لجهة غياب البنية الأساسية اللازمة أو لجهة الاقتصاد الذي يغلب عليه النشاط الزراعي.
والمفارقة أنه في الوقت الذي يقر فيه كل من النداء والنهضة بالمنافسة الشديدة بين مشروعين برامجيين مختلفين لا تحمل قائماتهما من البرامج ما يؤكد المنافسة.
وباستثناء بعض التعهدات الهامشية أو العامة مثل الحد من البيروقراطية وهي تعهدات تتجاوز المجالس البلدية تكاد تكون برامج قائمات الحزبين متشابهة إلى حد التماثل.
وتظهر المقارنة أن قائمات الحزبين المتنافسين ركزت على نفس النقاط وفي مقدمتها توفير التنمية ومواطن الشغل وتركيز بنية أساسية وإقامة مناطق صناعية والمساعدة على إطلاق المشاريع الاستثمارية الكبرى والصغرى والنهوض بالمناطق الريفية.
واللافت أن البرامج أهملت البرامج الكفيلة بتوفير مقومات الرفاه لأهالي الجهات الداخلية وفي مقدمتها الجيل الجديد من الشباب الذي يتوق إلى القضاء على الشعور بالحيف والاستمتاع بالحياة شانه في ذلك شأن شباب المدن والبلدات والقرى الساحلية.
ولم تخل بعض القائمات مثل قائمة النداء بمدينة بوسالم التابعة لمحافظة جندوبة من تعهدات تتناقض مع الخيارات التنموية للدولة وبرامج الاصلاحات الكبرى حيث تعهدت للناخبين بإعفائهم من الضرائب البلدية في وقت أقرت فيه الحكومة حزمة من الاداءات.
وفي ظل غياب المنافسة البرامجية التي تلامس المعيشة اليومية للناخبات والناخبين لم يبق أمام النداء والنهضة سوى إفراغ الاستحقاق من أهدافه التنموية وتحويل وجهته إلى استحقاق سياسي بامتياز كما لونه انتخابات برلمانية أو رئاسية.
وهو ما دفع بالمراقبين إلى التأكيد على أن عملية التصويت على القائمات لن تتم بناء على جاذبية البرامج المتشابهة والفضفاضة وإنما ستتم على أساس الولاء السياسي.
ويستدل المراقبون هنا على تعهد قائمات النهضة بوعود ذات طابع ديني مثل العناية بالمساجد والأئمة على الرغم من أن مثل هذه المسائل من مشمولات الدولة لا الأحزاب.