وعي المراجع لمشاريع إضعاف الشيعة
30 أبريل, 2018 | 11:51 ص - عدد القراءات: 22 مشاهدة
شبكة الموقف العراقي
بقلم : سليم الحسني.
في السنوات الأولى من القرن العشرين، كانت جمعية الاتحاد والترقي التركية، تعمل بشكل مكثف للسيطرة على السلطة في الدولة العثمانية، وكان من ضمن نشاطها التحرك على الشخصيات المؤثرة في بعض أقاليمها، وكان العراق واحداً من أهمها.
زار وفد من قيادة الجمعية النجف الأشرف، والتقى المرجع الشيعي السيد كاظم اليزدي، حيث عرضوا عليه أن تتعاون الحوزة العلمية معهم في المطالبة بالدستور، وبذلك سيحصل الشيعة على الحرية والعدالة والمساواة.
رفض السيد اليزدي هذا العرض، وامتنع عن إعطاء الوفد أي تعهد وسط استغراب الحاضرين.
شرح لهم المرجع اليزدي، بأنه واجه الوفد التركي بالرفض لأن جمعية الاتحاد والترقي تتستر وراء شعارات الحرية والدستور والعدالة، بينما لديها أهدافها الخفية، وفي مقدمتها تغريب المجتمع العراقي واضعاف الشيعة بعزلهم تدريجياً عن مراجعهم. (حديث خاص مع حفيد اليزدي السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله).
بعد سنوات تكشفت حقيقة جمعية الاتحاد والترقي، فقد كانت لها علاقاتها الخفية مع الماسونية. وتحت شعار الحياة الدستورية ومبادئ الثورة الفرنسية، شنت عمليات قتل واغتيال في عموم السلطنة، وشجعت بعض أقاليمها على الانفصال، ودعمت البلغار واليونانيين في شن حملات قتل ضد المسلمين، وكان أخطر اعمالها حين فرضت الدخول في الحرب العالمية الأولى، وبذلك ضاع ما تبقى من بلاد المسلمين بيد الاستعمار.
لقد أدرك مرجع الشيعة أيامذاك أبعاد المشروع التغريبي، وشعروا بالتوجهات الماسونية العميقة من خلال لقاء سريع مع وفد سياسي يتكلم بلغة الحقوق والتسامح. مع أن الشيعة كانوا يعيشون وضعاً صعباً تحت السلطة العثمانية، وكانت مثل هذه الوعود من شأنها أن تشجع مرجعيتهم على الترحيب بأي عرض لهم بالحرية، لكن المرجعية كانت تنظر الى البعيد وليس الى شعارات جميلة.
كان هذا موقف السيد اليزدي الذي يُصنف في التاريخ الشيعي على أنه من مراجع الدين البعيدين عن الحياة السياسية، والمستغرقين في شؤون الحوزة العلمية بالدرجة الأساس. ومع ذلك فان الثوابت التي يستند اليها جعلته يتخذ هذا الموقف الذي تميز بالوعي وتقدير ما وراء الشعارات.
وبصورة عامة تميز مراجع الشيعة بقراءتهم الواعية والمبكرة للمشاريع السياسية، فكانوا ينظرون الى البعيد عندما يحددون مواقفهم منها. وقد خرجت الدوائر الاستعمارية خلال الحرب العالمية الأولى، بان مراجع الشيعة (يُصعب خداعهم، وأنهم يمتلكون رؤية واضحة لما يريدون).
إن بعض الطروحات والشعارات التي تسوّق حالياً بمسميات تبدو جميلة، ليس بالضرورة أن تعكس حقيقتها، فمثلاً الدولة المدنية التي راجت خلال هذه الفترة، وراح يرددها بعض المحسوبين على المرجعية، انما تقف على الضد من توجهات المرجعية ودورها في الحياة الاجتماعية والسياسية للشيعة.
فأول ما سيترتب على الدولة المدنية، (بالمصطلح المتعارف) أن تتقلص دائرة المرجعية الى زاوية محدودة، فلا يعد بإمكانها اصدار فتوى تهم الواقع الجماهيري، لأن ذلك يتعارض مع القانون والدستور، وفي هذه الحالة تفقد المرجعية موقعها، وستتحول الى شخص واحد يجيب على أسئلة شرعية، واذا تجاوز هذا المقدار، فانه سيخضع للمساءلة والمحاكمة.