هل أنت متناغم "متناغمة" مع شريك العلاقة الجنسية؟ سؤال كثيرا ما نتجاهله ونتحاشى التفكير فيه أو الحديث بوضوح مع الشريك، بل نهرب منه دائما إن سألنا أحدا عنه، فأي حديث يرتبط بالجنس هو "قلة أدب" و"سوء خلق"، خاصة في ظل انعدام التربية الجنسية ووجود خلل في ثقافتنا الجنسية.
وفي حين لا توجد إحصاءات حول أسباب الطلاق المرتبطة بالعلاقة الحميمة، إلا أن الأرقام الرسمية تشير بشكل أو بآخر إلى تأثير الحياة الجنسية على نسب الطلاق.
وتسجل معدلات الطلاق في مصر نسب تفوق كل التقديرات، فحسب آخر إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء عام 2017 أن عدد المطلقين بلغ 710 ألف و850 نسمة، ويوجد 200 ألف حالة طلاق تقع سنويا وتكثر في الفئة العمرية بين 25 و 30 عاما ليصل إجمالي المطلقات إلى 4 ملايين مطلقة.
وصلت حالات الخلع التي نظرتها محكمة الأسرة حسب آخر إحصائية عام 2015 إلى ما يتخطى الربع مليون حالة بزيادة تقدر بـ 89 ألف حالة عن العام الذي سبقه 2014.
وترجع غالبية المطلقات انفصالهن عن الشريك إلى أسباب معلبة مثل: القسمة والنصيب، الأعباء الاقتصادية، سوء المعاملة، عدم التفاهم في الحياة، تدخل الأهل في تفاصيل الحياة الزوجية، الاختيار الخاطئ، عدم الإنجاب، وغيرها من الأسباب. دون إشارة إلى العلاقة الحميمة، وإلى أي مدى كانت مرضية لهن من عدم.
والكثير من الخبراء الاجتماعيين والنفسيين يرجع ارتفاع معدلات الطلاق في مصر إلى عدم تربية الأبناء على تحمل المسؤولية،، انتشار المخدرات بشكل غير مسبوق، التحول الاجتماعي في البلاد، تأثير التطور التكنولوجي، التغيرات الاقتصادية بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني وغيرها من الأسباب التي قد تكون عاملا أساسيا في الطلاق لكن يبقى السبب الرئيسي غير معلن.
عدم التوافق
ويقول الطبيب النفسي زياد أيمن "ابحث عن الجنس"، مؤكدا لـ"ميدل إيست أونلاين" أن "نسبة كبيرة من حالات الطلاق تعود إلى عدم التوافق الجنسي بين الزوجين، والنتيجة النهائية غير مرضية لطرف دون الأخر أو للطرفين معا، ولصعوبة المصارحة بين الزوجين، خاصة في السنوات الأولى من الزواج. آو الخوف من عرض الرغبات الجنسية لان كل طرف لا يعلم مدى تقبل شريكه لهذه الرغبات آو كيف يفهمها؟. فتكون النتيجة الطبيعية التباعد بين الزوجين والهجر والهروب من العلاقة الحميمة".
ويؤكد إن عوامل النجاح في الحياة الزوجية كثيرة ولا يمكن حصرها لكن أهم ما فيها نجاح العلاقة الجنسية، وفي حالة حدوث خلل أو عدم اكتفاء بين الطرفين فيصبح من الصعب التعايش بينهما. مشيرا إلى أن الزوجين يستطيعان تحمل الأعباء الاقتصادية وضيق الحال معا، خاصة وأن الزواج لا يأتي في مصر على غفلة بل تسبقه أشهر طويلة وربما تمتد لسنوات من التعارف والمواقف التي تكشف لكل طرف طبيعة شريكه، كما يمكن التغاضي عن المعاملة السيئة من أحد الطرفين أو طباعه المنفرة وغيرها من الظروف الحياتية الصعبة لأنهما يستطيعان بالصبر والتدبر والهدوء حل كل المشاكل إلا مشكلة التوافق الجنسي.
مجتمع ذكوري
لا يمكن التعميم، فكل زواج له خصوصيته، وظروفه المحيطة، وكذلك لا يمكن تحميل طرف دون الأخر مسؤولية فشل العلاقة الحميمة رغم أن المجتمع الذكوري لا يزال ينظر لبعض الزيجات على أنها عقد ملكية ويوجب على المرأة إشباع الرجل تماما دون النظر إلى أنه عقد مشاركة بين متساويين، وليس بين فحل ذكري، ومطية.
ويلفت أيمن إلى أن المواقع الإباحية باتت المعلم الأول لممارسة العلاقة الحميمة، في ظل السهولة المتناهية للوصول إليها، وتنتشر بصورة مرضية بين المصريين، حيث يتصدر المصريون باختلاف فئاتهم العمرية قائمة الشعوب العربية في مشاهدة المواقع الإباحية.
ويتوقع البعض (شباب وشابات) في مهد العلاقة الزوجية أن يكون بطلا (بطلة) مثل أبطال الأفلام الإباحية إلا أنه (أنها) يصطدم بواقع مرير ومحبط دون أن يلتفت إلى أن الجنس ليس صناعة كما في الأفلام ولكنه علاقة إنسانية بامتياز مشروطة بتناغم بين شريكين.
ويستشهد أيمن بمريضته العشرينية، التي يصفها بأجرأ مطلقة طرقت باب عيادته ولكن بعد أن أصيبت باكتئاب حاد، وتم إنقاذها من محاولتين للانتحار، حيث تقول "تزوجت من رجل أكبر مني سنا، ورغم نجاحه العملي إلا أنه فاشل جنسيا، وأفقدني الثقة في نفسي".
وتعترف أنها "فقدت صبرها سريعا لأنها كانت تنتظر الكثير من شريكها دون أن تكترث بما يجب أن تقدمه"، وتأمل بعد أن استدبرت علاقتها الزوجية الفاشلة أن ترزق بزوج آخر لعلها تكسر معه الخجل على فراش الزوجية، وتخوض المبادرة بتعقل ربما يكون النجاح حليفها لأنها كما تؤكد "لا توجد امرأة تتمنى الفشل لعلاقتها الزوجية".
وتضيف "تحولت علاقتنا الجنسية إلى هاجس ينغص حياتي، وروتين متكرر يصيبني بالإحباط الدائم حتى تراجعت لقائتنا الحميمة مع الوقت شيئا فشيئا لتنتهي تماما، وتفاقمت المشاكل بيننا، فالصراخ سمة الحوار". وأصيبت بحالة من عدم الرضا عن كل شيء، وكآبة وجلد الذات، وهواجس وأفكار سلبية سيئة لأبدأ بعدها حالة من العزلة حتى انتهت علاقتنا بالانفصال.
كيمياء الجنس
ولا يتأسف شاب ثلاثيني على علاقته الزوجية الفاشلة، والتي انتهت بعد ثمانية وأربعين يوما سبقها عامين من الخطبة والكفاح لتدبير مستلزمات عش الزوجية، مؤكدا أنه لا يعيب على طليقته أخلاقها أو طباعها ولكنه "كيمياء الجنس" فلا يوجد تناغم في علاقتهما الحميمة لذا فضلت الإفلات من زواج لا يشبع رغبتي ورغبتها الجنسية على الاستمرار مهما كانت الخسائر.
ويلفت أنه حاول مرارا وتكرارا مناقشة العلاقة الجنسية مع شريكته، وتوضيح ما يرغبه ويتمناه، ودعوتها للبوح برغبتها إلا أنها كانت تصده دائما، ويلمح في عينها وتصرفاتها سوء تقدير حتى أصيبا معا بالعجز عن إشباع رغبتهما. وبدءا رحلة الهروب من لقائتهما، وكان الانفصال أفضل حل لمعاناتي.
ويشير أيمن إلى هاجس الآباء والأمهات في الفترة الأخيرة، وخوفهم من فشل أبنائهم المقبلين على الزواج من عدم التوافق الجنسي مع شركائهم، مشيرا إلى أن "غالبية الأبحاث النفسية تنتهي إلى ضرورة مواجهة الممنوع في العلاقة الجنسية، حتى لا يحول الخجل دون إتمام المتعة والوصول إلى الإرضاء الجنسي، ويجب أن يتحلى الزوجين بالصبر والحوار وإبراز الاهتمام يبعضهما البعض، وان يكون كل طرف على استعداد بأن يقوم بدوره في العلاقة الحميمة لإرضاء الطرف الأخر، مع احترام رغباته في الاستمتاع والإشباع الجنسي".
معالجات سينمائية
وناقشت السينما المصرية مشكلة العجز الجنسي في أكثر من شريط سينمائي منها فيلم "النوم في العسل" للزعيم عادل إمام واللامعة دلال عبدالعزيز، للمخرج شريف عرفة. يبدأ الفيلم بمشهد للعقيد مجدي نور (عادل إمام) رئيس مكتب التحقيقات يتفقد حادثتين غريبتين، عريس ينتحر في ليلة زفافه، وسباك يذبح زوجته في نوبة غضب شديدة. وفى وقت قصير تمتلئ ساحة القسم بعشرات الأزواج المتناحرين، محاولا البحث في مشهد النهاية عن الحل من خلال زحف ملايين من الرجال العاجزين إلى مبنى البرلمان وهم يصرخون "آه".
ويعد فيلم "محامي خلع" للفنان هاني رمزي وداليا البحيري وللمخرج محمد ياسين من نوعية أفلام الفانتازيا الجنسية، من خلال المحامي بدر النواساني (هاني رمزي) الذي يقنع هيئة المحكمة بعدم التوافق الجنسي بين موكلته وزوجها من خلال جملته الشهيرة "فرق سرعات سيدي القاضي بين الزوجين، هي نصف حصان ، وهو أربعة وستون حصان"، وأطلقت زميلته في مكتب المحاماة مها (علا غانم) كلمتها المختصرة "مبيعرفش"، والتي باتت سببا وجيها لطلب الخلع على أن تتبعها جملة "إني أخاف ألا أقوم حدود الله".
ونجحت الراقصة مروى من خلال أغنيتها الشهيرة"إنت مبتعرفش" في فيلم "حاحا وتفاحا" لطلعت زكريا وياسمين عبدالعزيز وللمخرج أكرم فريد في تسليط الضوء على العجز الجنسي بين الزوجين.
ويكشف الفيلم الكوميدي"فيلم ثقافي" للمخرج محمد أمين، وبطولة أحمد عيد وفتحي عبدالوهاب وأحمد رزق الرغبة الجامحة عند الشباب في مشاهدة الأفلام الإباحية، ومشاعرهم الجنسية المكبوتة من خلال التهاب خيال ثلاثة شباب في سن الزواج لمشاهدة فيلم إباحي، ورحلة البحث عن مكان لمشاهدته، وتتوالى الأحداث ويصبح طلاب المشاهدة كثيرون من مختلفي شرائح المجتمع، الا ان المعالجات السينمائية ظلت قليلة لا تقدم حلا.
التحرش الجنسي
ويكشف التحرش المتنامي في مصر عن غياب الثقافة الجنسية في مرحلة المراهقة، والمعتقدات الخاطئة عن الجنس، حيث يتوقع أساتذة علم النفس ارتفاع ضحايا التحرش الجنسي في مصر بسبب عدم وجود اختلاط صحي بين الجنسين، والتربية على أساس أن الفتاة عالم الأسرار وأن علاقة الولد بها غير صحية ومحرمة، وبالتالي يتعامل المتحرش بمبدأ "الممنوع مرغوب".
ويفضح التحرش الجنسي فشل الشباب في بناء علاقات حميمة، وانشغالهم بالأمور الجنسية سواء الخيالات الجنسية أو الأنشطة والأحاديث المرتبطة بالجنس، ووجود معتقدات عقلية ونفسية خاطئة تبرر التحرش، ومشكلات التحكم في الذات. بالإضافة إلى الإفراط في مشاهدة الأفلام الإباحية.
وينتشر التحرش الجنسي في مصر بأشكال عديدة، وتحول من الخفاء إلى العلن حتى ظهر التحرش الجماعي من خلال مجموعة من الشباب يتحرشون بضحية واحدة، أو أكثر يبدأ من النظرة ومرورا بلمس أجساد النساء وشد وجذب وضرب في أماكن حساسة في أجسادهن وينتهي بألم نفسي ومعاناة وإحساس بالقهر.
وتشير دراسات التحرش الجنسي إلى أرقام مرعبة، حيث كشفت دراسة أعدها المركز المصري لحقوق المرأة "أن 83 في المئة من المصريات و98 في المئة من الأجنبيات تعرضن بالفعل للتحرش الجنسي بأشكاله المختلفة".