فيلم كردي يثير جدلا “أخلاقيا”
1 مايو, 2018 | 8:01 م - عدد القراءات: 10 مشاهدة
شبكة الموقف العراقي
أثار فيلم “ذي ديمينر” (المطهرون) الكردي جدلا واسعا بين الأوساط الفنية والصحافية حول الأخلاقيات التي يجب أن يلتزم بها صناع الأفلام، وعدم تعريض حياة أفراد لخطر الموت من أجل “لقطة خالدة”.
وبدأ موقع “عربي بوست” تقريره باقتباس مقولة الفيلسوف فريدريك نيتشه “واجه الخطر”، مضيفة “لكنه لم يقل للمخرجين وثقوه أثناء عملكم أو عرضوا فريقكم له، الواقع يجمع بين مقولة نيتشه ورغبة مخرجين في اقتناصه والحصول من ورائه على لقطة خالدة لذلك فإن هناك أفلاماً وثائقية صورت الخطر وواجهته وأثارت سؤالاً أخلاقياً، هل يجوز لصناع الأفلام أن يعرضوا حياة فرد يصورونه للخطر من أجل لقطة خالدة”.
ويتحدث التقرير عن تجربة فيلم كردي عن بطل نزع الألغام عقيد البشمركة فاخر برواري، أو “فاخر المجنون” كما يحب الأميركيون تسميته، أقدم “فاخر على عمل من أخطر ما يكون دون مساعدة روبوتات أو حتى ارتدائه بدلة واقعية من الألغام حين نزع آلاف الألغام منذ حرب الخليج الثانية وحتى اليوم.
فقد واصل “فاخر” المهمة على الرغم من إحالته إلى التقاعد بعدما فقد قدمه اليمنى، أثناء معركة استرداد العراق من داعش، وتلك كانت المعركة الأخطر؛ فقد ملأ داعش المنازل المهجورة بالعبوات الناسفة في المداخل، وتحت الأنقاض وداخل الأثاث.
ويقول هوكر هيروري، المخرج الكردي الذي أخرج فيلم “ذي ديمينر” في العام الماضي، لصحيفة “ذي غارديان” البريطانية، إن “فاخر عرف أنه الأسرع والأكثر خبرة في هذا المجال؛ وأنه إن لم يؤدِ هذه المهمة فإن مزيداً من الناس سيموتون بفعل الألغام”.
ويمنح الفيلم لمشاهده شعوراً بالإثارة، وفي كل عملية تفجير من العمليات الأربع التي غطاها الفيلم يصل المشاهدون إلى شعور بأن الموت المحقق قاب قوسين أو أدنى من فاخر، ولا يمكن تصنيف الفيلم بأنه من فئة أفلام القتل بالمعنى الحرفي للكلمة، على الرغم من تشابه الأجواء بينه وبين تلك الأفلام.
ولكن هذا النوع من الأفلام يطرح سؤالاً مشروعاً حول المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها صناع الأفلام الوثائقية حين يكون في تصوير الفيلم خطر على الشخص الذي يتناول الفيلم قصته، بحسب “عربي بوست”.
ويقول فيل هود كاتب تقرير الغارديان “دعونا نبرئ ساحة صناع فيلم (ذي ديمينر) في بادئ الأمر من تعريض حياة برواري للخطر؛ كما يقول فكما يبدو من قصته على وجه اليقين أنه كان مصراً على إكمال مهمته أياً ما كان الوضع، سواءً كانت الكاميرا حاضرة أم لا. وعلى ذلك، وكما هو الحال في أفلام (ريستريبو) الذي تم تصويره في أفغانستان، و(آخر الرجال في حلب) الذي أنتج العام الماضي وهو من إخراج فراس فياض وقد رشح لجائزة أفضل فيلم وثائقي في جوائز الأوسكار الأميركية، وهنا أيضاً أفلام مثل (أرماديلو) عن الحرب في أفغانستان، و(بوينت أند شوت) وهو عن أميركي يحارب في ليبيا، وغيرها من الأعمال التي ذاع صيتها في الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط، فإن المسؤولية الرئيسية لصناع الفيلم تبدو وكأنها تأمين حياة طاقم العمل.
وفي هذا السياق يقول هيروري إن فاخر برواري كانت له الكلمة الأخيرة حول ما إذا كان التصوير آمناً أم لا، ويضيف “دائماً ما كنت أشعر بالأمان أثناء العمل معه؛ فكان بوسعي أن أثق دائماً في أن قراره بشأن سلامة المكان صائب”.
ويضيف “من وجهة النظر الأخلاقية أيضاً، يمكن أن نمنح فيلم (ذي ديمينر) صك براءة لأن عمل برواري بدأ توثيقه كجزءٍ من محاولة الأرشفة لأغراض تعليمية وحفظ للتاريخ فعلى الرغم من خطورته فإن توثيقه يكشف جريمة أكبر هي زرع ألغام الموت في الأرض. ولذا فهو يشبه إلى حد ما فيلم (ميرو) الذي تناول مأساة تسلق الجبال عام 2015 وغيره من أفلام الرياضات الخطرة، من جهة أن المشاركين في الفيلم المعرضين للخطر يكونون محل تصوير بالأساس، وهذا يعفي القائمين على الفيلم بشكل عام من الواجب المفروض عليهم ضمناً بعدم استغلال الأشخاص الذين يتم تصويرهم أو تحريضهم على القيام بعمل فيه خطر أو إرغامهم على القيام بشيء فيه خطورة من دون وجه حق”.
غير أن هذا الاختبار لا يجتازه جميع العاملين في مجال صناعة الأفلام، فقد أخذ على فيلمThe (ذي بريدج) الصادر عام 2006، والذي تناول حالات الانتحار من أعلى جسر البوابة الذهبية أن مخرجه ومنتجه إيريك ستيل اختار ألا يخبر عائلات المنتحرين الذين أجرى معهم مقابلات في وقت لاحق أن تصوير موت أقاربهم سيكون جزءاً من الفيلم (وهو اختيار كان محل جدل وخلاف كبيرين)، وفقا لما ذكره موقع “عربي بوست”.
ويظل الوجود الدائم للكاميرا المثبتة على أسوار جسر البوابة الذهبية الصدئة في انتظار مرور المتسكعين مثار تساؤلات مربكة حول دورنا في مشاهد لحظات كهذه.
وتقول “عربي بوست”، إن “نفس الشعور المربك بأننا متواطئون بشكل أو بآخر يحوم حول فيلم (ذي ديمينر)، فالكاميرا ليست متآمراً أو محرضاً يخون من يصوره، كما نرى في فيلم (ذي آكت أوف كيلنغ) الذي يوثق مجزرة إندونيسية ضد الشيوعيين في منتصف الستينيات من القرن الماضي أو (بورات)، أو(كابتشيرنغ ذي فريدمانس)، غير أن هذا لا يحمل عنا عبء مشاركتنا بعواطفنا في الأمر، ولا ينتقص فيلم (ذي ديمينر) من الكثير من المخاطر الجمة التي يخوضها برواري، بالرغم من خلوه من أي مقابلات مباشرة ومن أي خلفية شخصية أو ثقافية له بخلاف المعلومات المستقاة من مشاهد برواري مع عائلته”.
وتضيف “دون هذا الفهم العميق، تصبح الآليات المستفزة التي يستخدمها الفيلم قريبة من أن تصدق عليها تهمة تقديم تجربة تلصص إلى المشاهدين، في ما يشبه النسخة الواقعية من فيلم (هارت لوكر)”، ويشير مخرج الفيلم الذي يدور حول جهود فرقة نزع مفعول القنابل في الجيش الأميركي خلال غزو العراق إلى أن هذه المقاربة غير العاكسة مطابقة للبيئة التي يعمل فيها العقيد “هذا هو الواقع في مناطق النزاع؛ فالمرء لا يجد وقتاً ليفكر هل عليَّ أن أفعل هذا أو ذاك؟ أم هل الأمر يستحق كل هذه المخاطرة؟ بل يتصرف دون تفكير”.
وفي الفيلم حذف المخرج هيروري مادة كان من الممكن أن تعكس جانباً من إصرار برواري على التضحية بذاته بطريقة أقرب ما تكون إلى العبثية، فحذف مقابلة أجريت معه لأنها لا تناسب قرار بناء العمل بأسره حول مشهد يظهر عبد الله، ابن برواري، وهو يستكشف الموقع الأول الذي ظهر في الفيديو. كما حذف المخرج أيضاً جزءاً يظهر عبد الله وهو يتبع خطى والده.
ويقول هيروري “كان يعلم ابنه نزع الألغام منذ سن مبكرة جداً. وبمجرد أن أدرك فاخر أن الوضع أسوأ بكثير مما تصور، قرر أن عبد الله لا يمكن أن يصحبه”.
وأضاف هيروري أن هذا صرف التركيز عن برواري، غير أن كان من شأنه أن يمنحنا فهماً أعمق لفكرة الواجب في المجتمع الكردي الأبوي، وما إذا كان فاخر مصاباً بعقدة نفسية تجعله يلبس ثوب الشهيد المضحي.
وتكون مثل هذه الأسئلة المطروحة عن سياق العمل، والتي تلقي بظلالها على جميع الأفلام الوثائقية، أكثر إلحاحاً حين يكون على الفيلم أن يعرض على لجنة تحكيم أو أن يُقدم في سياق الحديث عن شخص ميت.
ويعد فيلم “غريزلي مان” للمخرج فرنر هرتزوغ وثائقياً آخر كان على المخرج فيه أن يتخذ قراراً حول الكيفية التي سيؤطر بها خبايا التصوير التي تكشف درجة كبيرة من التهور. وكان تيموثي تريدويل، الشخص الذي تناوله الفيلم، مصاباً بداء الإفراط في الحديث، واختار هرتزوغ أن يغوص بلا وجل في أعماق نفسيته.
وتقول “عربي بوست”، إن “الأهم من ذلك أن تريدويل كان يدرك وجود الكاميرا”، كما تنقل عن هرتزوغ قوله “كانت الكاميرا أداة لاستكشاف العالم من حوله، غير أنها بدأت تتحول إلى ما هو أكثر من ذلك على نحو متزايد، فقد بدأت تسبر أغوار نفسه، وتستكشف مخاوفه ومباهجه. وكان وقوفه أمام عدسة الكاميرا بمثابة جلوسه على كرسي الاعتراف”.
ولم ينسَ هرتزوغ، بعد أن أصبح أميناً على قصة تريدويل أن يبين الدور الذي لعبته الكاميرا في هذا الأمر، بأن يبين وجودها في القصة وهو يسطر بدايتها ونهايتها.
وبذلك يمكننا القول إن القرار متروك للمخرج عند تقديم شخصيات في لحظات خطرة من عمرهم إما أن يولي الأهمية لمتعة المشاهد أو لسلامة الشخص الخاضع للتصوير.
ومازال الحد الفاصل الذي ينبغي أن يتوقف عنده الفيلم الوثائقي مبهم المعالم، بل يكاد يختفي في معظم الأحيان. ولإنصاف (ذي ديمينر)، الذي يعد باكورة قدرٍ كبيرٍ من الشجاعة البدنية، لا بد وأن الوصول إلى هذا الخط الفاصل أصعب بكثير في أماكن الحروب.