الموصل (العراق) - على جدار مدرسة لا تزال صامدة رغم آثار الرصاص والمعارك عليها في الموصل القديمة، تعد ملصقات المرشحين للانتخابات البرلمانية المقبل بمستقبل زاهر، في ما يبدو ساذجا نظرا إلى حجم الدمار في المدينة الشمالية.
من بين الشعارات المكتوبة، "العراق يتقدم"، يظهر على ملصق يحمل صورة ليث أحمد حسن، وهو يرتدي بدلة وربطة عنق، المرشح للانتخابات عن ائتلاف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء حيدر العبادي.
في مكان آخر على جدار المدرسة نفسه، تبدو عبارة "نكمل مسيرة البناء ونمد يد الخير والعطاء" إلى جانب صورة فارس شيخ صديق المرشح عن التحالف الكردستاني.
بعد نحو عشرة أشهر من انتهاء المعارك وإعلان القوات العراقية استعادة السيطرة على مدينة الموصل، التي كانت "عاصمة الخلافة" لتنظيم الدولة الإسلامية، لا تزال آثار الدمار شاخصة، خصوصا في الجزء الغربي من المدينة حيث تفوح رائحة جثث متحللة من تحت الأنقاض إلى جانب عبوات لم يتم تفكيكها بعد.
كل شيء متاح أمام 938 مرشحا عن محافظة نينوى لتعبئة أصوات 2.3 مليون ناخب، 80 في المئة منهم في الموصل، قبل موعد الانتخابات في 12 أيار/مايو الحالي، بدءا من النشاطات الثقافية والفنية والرياضية، إضافة إلى تسيير مواكب مماثلة لحفلات الزفاف في الشوارع.
تضم محافظات نينوى قوميات وإثنيات مختلفة من عرب وأكراد وتركمان وأيزيديين ومسيحيين وشبك. ولذا، فقد خصص لها 34 مقعدا في البرلمان العراقي، ثلاثة منها للأقليات.
"واجب وطني"
الناخبون ما زالوا حائرين حول جدوى المشاركة في الانتخابات ومن يستحق أصواتهم.
يجلس أبو فايز (41 عاما)، وهو ميكانيكي سيارات من الموصل، أمام مدخل مدرسة "بدر الكبرى" التي جاءها بثيابه الملطخة بالزيت كما يديه، لاستلام بطاقته الانتخابية بعدما صار المكان مركزا للمفوضية.
يرى أبو فايز أن المشاركة في الانتخابات "واجب وطني بعد تحرير الموصل. على كل مواطن المشاركة أملا بتغيير حياتنا نحو الأفضل، وعدم ترك المدينة يوم الانتخاب وقضاء العطلة في إقليم كردستان أو تركيا أو بغداد على غرار الانتخابات السابقة".
ويضيف أنه "يجب انتخاب الناس الأصلح لتمثيلنا، ليعوضونا عما لحق بنا من أضرار مادية ومعنوية".
بعد الغزو الأميركي للعراقي في العام 2003، تحولت الموصل ذات الغالبية السنية والأقليتين الكردية والمسيحية، إلى معقل رئيس لتنظيم القاعدة وأنصار الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
ولم تلامس نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية، التي أجريت قبل أشهر قليلة من اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية للمدينة في حزيران/يونيو 2014، إلا خمسين في المئة من بسبب الخوف من تهديدات الجهاديين آنذاك.
يرفض عمار رعد (27 عاما)، الحاصل على شهادة رياضة جامعية لكنه مازال عاطلا عن العمل، المشاركة والتصويت في الانتخابات.
يقول الشاب الموصلي أمام منزله المدمر جزئيا "سأذهب للانتخابات من أجل إسقاط بطاقتي الانتخابية حتى لا يستغلها آخرون لتزوير عدد الأصوات".
ويضيف "عرضوا عليَ مبلغ 75 ألف دينار (حوالي 62 دولارا) لكني رفضت بيع صوتي. لا أثق بأحد منهم" في إشارة إلى المرشحين.
ويعود غياب ثقة أهالي الموصل بالسياسيين إلى هرب هؤلاء لدى اجتياح الجهاديين للمدينة.
"تحالفات جديدة"
يقول أبو احمد، المتقاعد ذو الأعوام الـ55 "سأصوت لطرد الفاسدين والوجوه القديمة التي لم تفعل شيئا لسنوات".
والدليل على نية التغيير في محافظة نينوى، هو أن 75 في المئة من المرشحين هم من الوجوه الجديدة، والأحزاب السنية السائدة غيرت أسماءها لعدم ربطها بالأحداث الماضية.
يؤكد المحلل السياسي حامد علي "قد يحصل زلزال سياسي يغير واقع المحافظة".
ويضيف أن "التحالفات الجديدة، المدعومة من القوات الأمنية المتواجدة على الأرض، سيكون لها تأثير على الانتخابات وتغيير الوضع السياسي في المحافظة".
ودحرت القوات الأمنية العراقية تنظيم الدولة الإسلامية من البلاد، بمساندة قوات الحشد الشعبي، التي تضم فصائل شيعية مدعومة من إيران، وتوحدت بفتوى من المرجعية الشيعية العليا في البلاد آية الله علي السيستاني.
ما زال الحشد الشعبي متواجدا في الميدان. وتقول النائب في البرلمان والمرشحة الحالية "تنتشر فصائل مسلحة في المحافظة وتعود لأحزاب سياسية مسيطرة على الملف الأمني هناك، ما يجعل النتائج لصالحها سلفا".
وتضيف أن "هناك أسبابا قد تؤدي إلى فشل الانتخابات في نينوى".
وتوضح السراج أن "نسبة العائدين للموصل أكثر من 20 في المئة والباقون ما زالوا نازحين. هناك الآلف من الشهداء والمفقودين والمخطوفين والمسجلين كناخبين في سجلات المفوضية لكنهم اليوم غير موجودين. كما أن هناك أعدادا كبيرة من عناصر داعش هاربين خارج العراق وأسماؤهم في سجلات الناخبين".