مباشر: "نعم، نعم، لا أزال على قيد الحياة".. بهذه الكلمات عاد "مهاتير محمد" إلى الساحة السياسة في ماليزيا في عامه الـ92 بعد الانتصار التاريخي الذي حققه بالانتخابات، ليصبح بذلك أقدم رئيس وزراء منتخب في العالم.
وفي انتخابات عام 2018، تمكن الائتلاف المعارض الذي يقوده "مهاتير محمد" من الفوز بأغلبية في البرلمان الماليزي (122 مقعداً على الأقل من أصل 222) مقابل 79 مقعداً لصالح الحزب الحاكم "تحالف باريسان ناسونال".
والفوز بـ79 مقعداً للحزب الذي يسيطر على رئاسة الوزارة بقيادة "نجيب رزاق" هو مستوى بعيد عن الـ133 مقعداً التي فاز بها الحزب في انتخابات عام 2013 وسط مزاعم بشأن فضائح فساد داخل وزارة "رزاق".
وكان "مهاتير" رئيساً لوزراء ماليزيا لمدة 22 عاماً خلال الفترة من عام 1981 وحتى عام 2003 قبل أن يخرج ويعلن التنحي عن العمل السياسي.
لكنه في عام 2016 عاد من التقاعد السياسي لينضم إلى حزب المعارضة ويشغل منصب رئيس الوزراء في ماليزيا مجدداً في العام الحالي بعد مرور حوالي 15 عاماً وكذلك ليصحح ما وصفه بأنه "أكبر خطأ في حياتي"، في إشارة إلى تصعيد "رزاق" إلى السلطة.
من هو "مهاتير محمد؟
انضم "مهاتير" إلى المنظمة المالاوية القومية المتحدة "أومنو" في عامه الـ21 ثم ظل يمارس الطب لمدة 7 سنوات قبل أن يصبح عضواً بالبرلمان الماليزي في عام 1964.
وفي عام 1969 فقد مقعده وقام الحزب بطرده بعد كتابته خطاباً يهاجم خلاله رئيس الوزراء حينذاك "تونكو عبدالرحمن".
ولم يمنع طرد "مهاتير" من الكتابة مجدداً ولكن هذه المرة كانت عبارة عن كتاب بعنوان "معضلة الملايو" والذي تحدث خلاله عن تهميش سكان البلاد من المالاي كما انتقد قبول سكان ماليزيا أن يكونوا "مواطنين من الدرجة الثانية".
وخلال تلك الفترة تمكن من الحصول على دعم القادة الشباب في "أومنو" فعاد للحزب وانتخب مجدداً في البرلمان ثم عين وزيراً للتعليم وفي غضون 4 سنوات أصبح نائباً لرئيس الحزب ورئيساً للوزراء في عام 1981.
في ظل قيادة "مهاتير" أصبحت ماليزيا أحد النمور الأسيوية في التسعينيات، وهي مجموعة الدول التي شهدت توسعاً اقتصادياً بشكل سريع في فترة التسعينيات.
لكنه كان معروفاً بأنه شخصية لا ترحب بالديقراطية بسبب استخدامه قوانين أمنية مثيرة للجدل لحبس خصومه السياسيين.
وكان "مهاتير" مستشاراً لـ"نجيب رزاق" الذي أصبح رئيساً للحكومة الماليزية في عام 2008، وبات يواجه اتهامات بالفساد واختلاس نحو 700 مليون دولار من صندوق استثماري حكومي وهو ما نفاه مراراً، لكن لا يزال الأمر قيد التحقيق.
وتمثل هذه المزاعم المتعلقة بالفساد أحد دوافع انشقاق "مهاتير" المفاجئ من "باسيان ناسيونال" لينضم إلى "باكاتان هاربان" في عام 2016 ثم يعلن خلال يناير الماضي اعتزامه الترشح للانتخابات مجدداً.
ورغم أن شخصية "مهاتير" دفعته للحصول على التأييد السياسي والدعم الشعبي في ماليزيا لكنه فشل في الجانب المتعلق بحقوق الإنسان.
وكان نائبه "أنور إيراهيم"أبرز الحالات التي تعرضت للسجن دون محاكمه خلال حكمه والذي تم إقالته من منصبه واتهم بالفساد بعد أن دعا إلى إصلاحات سياسية واقتصادية عام 1998.
كما أشعل غضب الغرب قبل أيام من استقالته في أكتوبر 2003، عندما قال إن اليهود "يحكمون العالم".
وكان المبرر وراء استقالة "مهاتير" من منصبه قبل 15 عاماً تقريباً أنه تعرض لخيبة أمل كونه لم يحقق سوى القليل من النجاح في المسار الذي كان يرغب أن يكون محترماً، على حد قوله.
وقيل عن فترة حكم "مهاتير" السابقة في أحد الكتب الشهيرة: "إنه يسير في طريقه ويؤمن أن الطريق الذي يسلكه هو الطريق الوحيد".
كيف يستلم "مهاتير" اقتصاد ماليزيا؟
ومن المقرر أن يستلم "مهاتير" السلطة في الدولة التي تشهد نمواً اقتصادياً بنحو 5.9% في العام الماضي وتوقعات أن يتراوح المعدل بين 5.5% و6% خلال العام الحالي، وفقاً للبنك المركزي في البلاد.
وتقف معدلات الفائدة في ماليزيا عند مستوى 3.25%، حسبما أظهرت نتائج الاجتماع الأخير للبنك المركزي في ماليزيا مايو الجاري، بعد زيادة في اجتماع يناير الماضي، وفي الوقت نفسه تشير التوقعات إلى عدم وجود أي تغيير في أي وقت قريب.
في حين تباطأ معدل التضخم لينمو مؤشر أسعار المستهلكين بنحو 1.3% خلال مارس الماضي، في حين من المتوقع أن يتراوح التضخم بين 2.5% إلى 3.5% للعام الحالي، وفقاً للحكومة الماليزية.
أما على مستوى عملة ماليزيا، فيعتبر "الرينجت الماليزي" واحداً من العملات الأفضل أداءً في آسيا هذا العام، حيث سجلت مكاسب قدرها 2.5% مقابل الدولار.
وعود "مهاتير"
اختار الفائز الجديد برئاسة الحكومة الماليزية أكثر القرارات الاقتصادية التي ينتقدها المواطنين داخل البلاد ليعلن خلال حملته الانتخابية إلغاءها في غضون 100 يوم من توليه المنصب رسمياً.
وأكد تحالف المعارضة أنه سيقوم بإلغاء ضريبة السلع والخدمات البالغة 6% ليحل مكانها خدمات أكثر عدلاً.
وكذلك تعهد بإعادة تقديم إعانات البنزين كما يخطط لزيادة عوائد النفط في الولايات المنتجة للخام إضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور.
لكن في الوقت نفسه هناك مخاوف بشأن وعود "مهاتير"، حيث تؤكد وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني أن هناك نقصاً في التفاصيل حول التعهدات الانتخابية مشيرة إلى بعض هذه الوعود ستكون سلبية بالنسبة لماليزيا.
وترى "موديز" أن التخلي عن ضريبة السلع والخدمات دون اتخاذ أيّ تدابير لتعويض الخسارة في الإيرادات من شأنه أن يزيد من اعتماد الاقتصاد على الدخل النفطي ويضيق قاعدة الإيرادات الحكومية.
ووفقاً لتصريحات سابقة لـ"رزاق"، فإن إلغاء ضريبة السلع والخدمات البالغ قدرها 6% سوف يضيف 416 مليار رينجت (105 مليارات دولار) إلى ديون بلاده.
ومن المقرر أن يحصل البنك المركزي على تفويضاً لوضع استراتيجية لإعادة "الرينجت الماليزي" إلى قيمته الفعلية في غضون 3 سنوات، وفقاً للبيان الصادر عن ائتلاف "مهاتير" مؤخراً.
كما حذر تجار العملة من أنه سيكون مستعداً لإعادة تقديم ربط عملة "الرينجت" إذا دعت الضرورة لمنع عمليات التلاعب بالعملة.
وكان "مهاتير" فرض ضوابط لرأس المال كما رفض برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي، في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية عام 1998، وهي الخطوة التي أثارت غضب المستثمرين حينذاك.
كيف استقبلت الأسواق صدمة الانتخابات؟
عاشت الأسواق المالية في ماليزيا تحولات مختلفة في الاتجاهات عقب صدمة الانتخابات وفوز الائتلاف المعارض بالأغلبية، وهو ما يشير إلى أن حالة عدم اليقين سوف تسيطر على الأسواق في المدى القصير.
وبطريقة مفاجئة، انخفض مؤشر صندوق الاستثمار المتداول لبورصة ماليزيا بنحو 6.03%.
كما هبط "الرينجيت الماليزي" في التعاملات الخارجية بأكثر من 2% عقب فوز "مهاتير" قبل أن يبدأ في التعافي النسبي.
وتغلق البورصة الماليزية أبوابها يومي الخميس والجمعة في عطلة رسمية بالبلاد بالإضافة إلى يومي العطلة الأسبوعية، وسط توقعات بضربة أخرى عندما يعاد فتحها يوم الإثنين.
وتشير العقود المستقبلية إلى هبوط بنحو 2% في عملة "الرينجت الماليزي" و3% في أسواق الأسهم.