تحليل - كيف يهدد الدولار القوي الأسواق الناشئة؟

آخر تحديث 2018-05-15 00:00:00 - المصدر: موقع مباشر

 

تحرير - نهى النحاس:

مباشر: رغم أن البعض يرى أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي يتناسق من إعادة التوازن طويل المدى في الاقتصاد العالمي، إلا أن طلب الأرجنتين الأخير الحصول على تمويل من صندوق النقد  يوضح أن الارتفاع الحاد والمفاجئ للدولار يهدد بعدم التوازن في كل مكان.

ويقول الاقتصادي "محمد العريان" في تحليل نشره موقع "بروجيكت ساينديكيت" إن طلب حكومة الرئيس الأرجنتيني "ماوريسيو ماكري" قرضاً من صندوق النقد الدولي على أمل أن يوقف تهاوي العملة المحلية الذي ساهم في رفع معدل الفائدة ويهدد بإبطاء النمو الاقتصادي وإيقاف البرنامج الإصلاحي الاقتصادي.

ويعكس التدهور في الأرجنتين ضغط أوسع نطاقاً نتج عن ارتفاع الدولار الأمريكي الأخير، وهي عملية من المتوقع أن تتسارع، لأن كل من السياسة النقدية وفوارق النمو في صالح الولايات المتحدة حالياً.

وحتى الآن فإن الفيدرالي الأمريكي متقدمًا جدًا على البنوك المركزية الأخرى ذات الأهمية النظامية في تطبيع السياسة النقدية، والتي تتضمن رفع سعر الفائدة، وإنهاء  برنامج مشتريات السندات، وتقليص ميزانيته العمومية.

وتضاعفت الحوافز الداعمة للدولار في العام الجاري من خلال التباعد بين البيانات الاقتصادية الفعلية والتوقعات في بقية دول العالم.

وخلال معظم 2017، كانت الأسواق تتدافع للحاق بمؤشرات النمو خارج الولايات المتحدة التي كانت أكثر ملاءمة بشكل ملحوظ وتتجاوز التوقعات، ونتيجة لذلك انخفض مؤشر الدولار المرجح بحركة التجارة بنحو 10% في العام الماضي.

وارتفعت التدفقات النقدية في أوروبا والاقتصاديات الناشئة الرئيسية في العام السابق، حيث أن المستثمرين سعوا للاستفادة من النمو في الوقت الذي يستمتعوا فيه بالعوائد المرتفعة واحتمالية المكاسب الرأسمالية من تحركات العملة.

الآثار السلبية لقوة الدولار

لكن في الأشهر القليلة الماضية تحولت البيانات الاقتصادية إلى النطاق السلبي، حيث أن زخم النمو ضعف في أوروبا وغيرها من الاقتصادات.

والآن تراجع رأس المال الخارجي الوافد إلى أوروبا والاقتصادات الناشئة، كما أن بعضاً من الأموال الموجودة بالفعل بدأت في الخروج والعودة إلى موطنها.

ومن المتوقع أن تستمر العوامل الاقتصادية والمالية في دعك الدولار الأمريكي في الفترة المقبلة، بينما يبدو الحل الوجيد لتقليص هذاا الاتجاه الصاعد وتخفيف الآثار الجانبية هو ردود أفعال السياسات الفعالة.

والأخبار الجيدة في هذا الصدد هو وجود وسائل كافية للحد مخاطر الاضطرابات، لكن هناك حاجة إلى تنفيذ أوسع ضمن الاقتصادات الفردية، وتنسيق أفضل عبر الحدود.

ومن المؤكد أن البعض قد ينظر إلى ارتفاع الدولار الأمريكي أنه متسق مع إعادة التوازن على المدى الطويل للاقتصاد العالمي ولكن كما يتبين من موقف الأرجنتين، فإن التقدير المفرط والمفاجئ لمثل هذه العملة الهامة من الناحية النظامية يهدد بعدم توازن واسع.

الماضي يبرهن على التأثير السلبي لارتفاع الدولار

ولوقت طويل كانت الأسواق الناشئة عرضة لتك الظاهرة، وفي التسعينات خلال الفترة التي سبقت الأزمة المالية الآسيوية أبقت العديد من الاقتصاديات عملتها مرتبطة بالدولار، وسعت الكثير من الحكومات نحو الاقتراض بقوة باستخدام العملة الأمريكية، على الرغم من أن معظم إيراداتهم من العملة المحلية.

ومع ارتفاع قيمة الدولار في الأسواق الدولية فإن تلك الاقتصاديات أصبحت أقل تنافسية وتعرضت إلى تدهور حاد فيما يتعلق بمراكزهم بالحساب الجاري.

كما أجبرت التدفقات النقدية الحقيقية والمتوقعة البنوك المركزية على زيادة معدل الفائدة وتقويض الجدارة الائتمانية لقطاع الشركات المحلية، كما أن قرار تعويم العملة المحلية لم يكن خياراً سهلاً أيضاً، حيث يؤدي في النهاية إلى قفزة بمعدل التضخم ورفع تكاليف خدمة الديون الخارجية بشكل حاد.

وعلى الرغم أن العديد من الدول النامية لديها الآن أسعار صرف مرنة، كما أنها تحولت إلى مصادر اقتراض محلية، إلا أنه لايزال هناك عاملان ضغط تعاني منهما.

ويُشير العريان إلى أن العامل الأول هو فترة التقلبات غير العادية الأخيرة في الأسواق المالية، حيث أدت أسعار الفائدة المنخفضة وضعف الدولار إلى اندفاع جديد في تدفقات رأس المال في الدول الناشئة، بما فيها الدولارات الآتية من السياحة والتي تميل إلى التدفق للخارج عند وجود أول مشكلة.

أما المشكلة الثانية فهي شروط تمويل عالمية استثنائية، حيث لجأت العديد من الشركات نحو الاقتراض الخارجي بالدولار، الأمر الذي تسبب في زيادة كبيرة في تعرضهم لأسعار الفائدة المرتفعة والتحركات السلبية للعملة.

ولذلك فإن التغيرات الخارجية في المتغيرات المالية أصبحت مصدر خطر جسيم في بعض الدول مثل الأرجنتين، التي لها تاريخ طويل من سوء الإدارة الاقتصادية، وعجز كبير في الحساب الجاري، واختلالات مالية والسعي وراء أهداف كبيرة بأدوات قليلة.

وبما أن اقتصاديات الأسواق الناشئة لاتزال تخضع هيكلياً لمخاطر قصيرة الآجل فيما يتعلق بالعدوى من تلك المشاكل، فإنها عادة ما تكون مسألة وقت قبل أن تتسبب مشاكل القليل من الدول في تشديد الظروف المالية بالنسبة لكافة فئات الأصول.

وبعيداً عن التحديات التي تهدد استقرار الأسواق الناشئة، فإن الارتفاع المفاجئ والحاد في قيمة الدولار الأمريكي والخسائر في القدرة التنافسية التجارية التي تسببها يهدد بتعقيد المفاوضات التجارية الدقيقة.

وبشكل خاص يمكن تعريض جهود تحديث اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "النافتا"، وإقامة علاقات تجارية أكثر عدلا بين الولايات المتحدة والصين للخطر.

أين المخرج؟

يجب على صانعي السياسة النقدية أن ينفذوا إجراءات تُزيل الضغط من على أسواق الصرف الأجنبي.

وتشمل تلك التدابير أولاً سياسات داعمة للنمو خاصة في أوروبا التي تواجه بالرغم من المكاسب الاقتصادية رياح معاكسة هيكيلية كبيرة.

كما ينبغي على الاقتصاديات الناشئة أن تركز على الحفاظ على موازنة عامة قوية، وتحاول فهم ديناميكيات السوق وحماية مصداقية سياستها.

وعلى المستوى العالمي يجب تنسيق أفضل للسياسات العالمية، وهنا يظهر دور صندوق النقد الدولي الذي قد يواجه قريباً مزيد من طلبات التمويل.