داخل مبنى متواضع توجد شركة "دايشي أوريمونو"، البعيدة آلاف الأميال عن عواصم الموضة الأوروبية مثل باريس وميلان ولندن، إلا أن من زوار الشركة الدائمين ممثلين عن شركات كبرى مثل "لوي فيتون" و"جوتشي"، الراغبين في التعامل معها، بحسب "بي بي سي.
وذلك لأن هذا المبنى يضم داخله 100 نول نسيج يمكنك أن تسمع صوتها المرتفع وهي تحيك منسوجات من أقمشة صناعية، تشهد طلبًا كبيرًا في الفترة الحالية، وهي تبدو وكأنها منسوجات من القطن أو الكتّان.
قد يكون لملابس البوليستر والنايلون سمعة سيئة منذ القدم بأنها رخيصة وغير مريحة، لكن النوعية التي يقدمها مصنع "دايشي أوريمونو" تُستخدم بشكل واسع من قبل أكثر الأسماء التجارية شهرة وغلاء.
أغلب الأنسجة المستخدمة في الكثير من الأزياء من معاطف مونكلير الإيطالية إلى سُترات برادا وسيلين صنعت في معمل دايشي أوريمونو على الساحل الياباني الشمالي من منطقة فوكوي على جزيرة هونشو.
استطاعت الشركة الصغيرة التي يبغ عمرها 70 عامًا، وبدأت حياتها بصناعة أقمشة المراكب الشراعية أن تحول نفسها إلى مصدر أساسي للعديد من أغلى وأرقى العلامات التجارية في عالم الأزياء حول العالم.
ووصلت مبيعاتها السنوية إلى 23 مليار ين أي ما يقارب 210 مليون دولار، رغم أن عدد موظفيها ما زال 60 شخصًا فقط.
وقاد الشركة نحو النجاح، ريوجي يوشيوكا المدير التنفيذي لشركة دايشي أوريمونو الأعمال، الذي استلهم النجاح عن والده منذ 35 عامًا عندما كان مجرد مُصنّع ملابس رياضية متواضع.
في أوائل التسعينيات بنى يوشيوكا ما كان وقتها مصنعًا جديدًا في فوكوي، وهي منطقة في اليابان مشهورة بصناعة النسيج الصناعي واستثمر بشكل كبير في أول آلة غزل من الطراز الأول، لكنه كان أسوأ توقيت ليوشيوكا.
ويقول "يوشيوكا": "عندما بنيت المصنع، انفجرت فقاعة الكساد الاقتصادي، وخسرنا زبائن في اليابان، كان علي أن أكون شجاعًا لأن لدي مسؤولية كبرى أمام الموظفين".
وعرف يوشيوكا أن الشركة قد تفشل إذا اعتمدت على السوق الياباني المضطرب في ذلك الوقت، فكان هناك شيء واحد يمكن عمله، وهو جذب المشترين من أنحاء أخرى من العالم.
ويضيف رئيس الشركة: "لم يكن هناك من يتحدث بلغة أجنبية آنذاك في الشركة، ولم يكن للموظفين خبرة في المبيعات الخارجية، لذلك من موقعي كمدير للشركة كان يجب أن أذهب بنفسي، كنت تحت ضغط كبير لكن حس المسؤولية والواجب دفعني قُدماً".
بدأ يوشيوكا باستهداف كوريا الجنوبية وإيطاليا، لأن ليس لديهما انطباع سلبي حول المواد الصناعية، ولم يكن في ذاك الوقت يبحث أحد من مصنعي النسيج اليابانيين عن سوق خارجي، والقطاعات التي كانت تصدّر إنتاجها استخدمت شركات تجارية تقوم بذلك بالنيابة عنها.
وقرر يوشيوكا أن يتخطى الوساطة وأن يقوم بالبيع بنفسه للزبائن، وقال إن هذا كان ضرورياً لإنه كان من الأفضل أن يشرح بنفسه التفاصيل المتعلقة بالقماش الذي تنتجه شركته.
وقرر أن يطبّق طريقة الضيافة اليابانية التقليدية مع الزبائن، ويدعوهم للعشاء: "أنا أحب الطعام، وليس هناك ما لا أستطيع أكله، كما أحب الشرب، وحيثما أذهب لا أتوقف عن الشرب قبل أن يتوقف الزبون عن ذلك".
واليوم تبيع الشركة ما يقارب من 70% من منتجاتها لزبائن خارج اليابان، 30% إلى أوروبا، و30% إلى آسيا، و10% إلى أمريكا الشمالية.
وتميزت الشركة بحياكة البوليستر والنايلون بطريقة تجعله أكثر سمكًا من باقي الأسواق الأخرى. كما ان هناك عامل جوهري في نجاح الشركة وهو اليابانين لأدق التفاصيل، ومراقبة الجودة، فالموظفون في "دايشي أوريمونو" يتفقدون الغزل باليد والعين للتأكد من أن تفاصيل حياكة النسيج صحيحة تمامًا.
ورغم أن يوشيوكا ورث الشركة عن والده، لكن ليس لديه حاليا من يورث له الأعمال، وهو يعتبر موظفي الشركة أولاده، ويقول موضحًا: "لدي موظفون موهوبون، وأعتقد أنهم سيدعمون ويطورون الشركة لتكون حتى أفضل مما أسستها".