من - سالي إسماعيل:
مباشر: "ملك أم كتابة"، هذان هما الوجهان الشهيران للعملات المعدنية لكن أحدهما فقط سيكون من نصيب رجب طيب أردوغان في غضون ساعات قليلة تفصلنا عن نتائج انتخابات مبكرة ستشهدها تركيا.
ودعا الرئيس التركي إلى انتخابات مبكرة خلال يونيو من العام الجاري من أجل تعزيز سلطته داخل البلاد، على حد وصف مراقبون، وهو الرهان الذي قد يكون محتملاً لكن في الوقت نفسه قد تكون هناك نتائج عكسية لـ"أردوغان".
ومن المقرر أن يخرج الشعب التركي يوم الأحد من أجل المشاركة في انتخابات رئاسية وكذلك برلمانية.
وتعهد رجب طيب أردوغان في حوار أجراه مؤخراً مع محطة "سي.إن.إن" بمناقشة إلغاء حالة الطوارئ في تركيا عقب الانتهاء من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وكانت أنقرة أعلنت حالة الطوارئ في البلاد عقب محاولة فاشلة للانقلاب على الحكم في يونيو عام 2016.
ويغلب على غالبية خطابات "أردوغان" نبرة السخرية مما أسماه بـ"تركيا القديمة"، حيث يقول: "أمراض النظام القديم تواجهنا في كل خطوة نتخذها".
لكنه في الوقت نفسه يواجه مجموعة من المرشحين الأقوياء للمرة الأولى في أكثر من عقد من الزمان.
ويتواجد رئيس تركيا الحالي وحزبه العدالة والتنمية في السلطة منذ 16 عاماً تقريباً.
وشغل رجب طيب أردوغان منصب رئيس وزراء تركيا في مارس 2003 قبل أن يتولى مهامه كالرئيس رقم 12 للبلاد في أغسطس 2014 ليشغل المنصب حتى اليوم.
ويتزاحم مع أردوغان البالغ من العمر 64 عاماً، على المنصب مرشح المعارضة الرئيسي "محرم إنجيه" والذي يعتبر المرشح الأكثر حشداً حتى الآن.
ووصف " إنجيه " المرشح الرئاسي نظيره "أردوغان" بأنه "متكبر" قائلاً: "من ناحية يوجد رجل متعب في إشارة إلى أردوغان ومن ناحية أخرى توجد دماء جديدة، في إشارة للمرشحين الجدد".
وتشير استطلاعات حديثة للرأي إلى أن أردوغان سوف يحصد 48.7% من الأصوات المؤيدة خلال جولة الانتخابات لكن في المقابل تصل فرص دعم مرشح المعارضة الرئيسي "محرم إنجيه" إلى 25.8%.
كما من المتوقع أن تحصل المرشحة الرئاسية "ميرال أكشيناز" زعيمة حزب الخير على 14.4% من الأصوات، وفقاً لمسح أجرته شركة "جيزيك".
وعلى صعيد الوضع داخل البرلمان التركي والمزمع إجراؤها بالتزامن مع نظيرتها الرئاسية، فأوضح الاستطلاع أن تحالف العدالة والتنمية مع الحركة القومية سيحصد 48.7% من الأصوات أيّ أنه لن يتمكن من تحقيق الأغلبية بالبرلمان الذي يضم 600 مقعد.
خريطة الوضع الاقتصادي في تركيا
أياً كان الفائز في الانتخابات الحالية في تركيا سواء الرئاسية أو البرلمانية فإنه من المقرر أن يواجه وضعاً اقتصادياً أقل ما يقال عنه أنه "مخيباً للآمال".
وفي مايو الماضي، تسارع معدل التضخم التركي بأكثر من التوقعات ليصل إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر الماضي في حين شهد الاقتصاد بالربع الأول من 2018 نمواً على أساس فصلي وسنوي.
وبحسب بيانات مكتب الإحصاءات الرسمي، فإن مؤشر أسعار المستهكلين في تركيا نما بنحو 12.15% خلال مايو الماضي على أساس سنوي مقابل 10.85% المسجلة في أبريل السابق له.
لكن معدل التضخم تباطأ على أساس شهري إلى 1.62% في مايو مقابل 1.78% في أبريل.
وتشير تقديرات المركزي التركي إلى أن التضخم في تركيا سوف يسجل 8.4% في العام الحالي مقابل 7.9% تقديرات سابقة لكنه أبقى على توقعات العام المقبل عند 6.5%.
ووفقاً لبيانات هيئة الإحصاءات الحكومية في البلاد، فإن الناتج المحلي الإجمالي في تركيا نما بنحو 7.4% خلال أول 3 أشهر من العام الحالي على أساس سنوي مقابل ارتفاعاً 7.3% في الربع السابق له ومقارنة مع 5.4% نمو في نفس الفترة من 2017.
وعقب الإفصاح عن بيانات الوضع الاقتصادي في تركيا، أشاد أردوغان بهذا الأداء قائلاً إنه الأسرع نمواً في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وإن بلاده ستواصل ذلك لتصبح واحدة من أسرع الدول نمواً في العالم.
وبحسب بيانات البنك الدولي، فإنه يتوقع أن يبلغ النمو الاقتصادي في تركيا 4.7% هذا العام و4.4% في 2019 مقابل 7.4% المسجل في العام الماضي.
وفي إشارة أخرى على الاختلالات داخل الاقتصاد التركي، فإن عجز الحساب الجاري صعد لمستوى قياسي جديد 5.42 مليار دولار في أبريل الماضي مقابل 4.8 مليار دولار في مارس السابق له ومقارنة مع 1.71 مليار دولار المسجلة في نفس الفترة من العام الماضي.
وعلى صعيد موازٍ، صعد عجز الموازنة في تركيا بنحو 78% خلال أول 5 أشهر من العام الجاري ليسجل 20.4 مليار ليرة (5.1 مليار دولار) مع زيادة الإنفاق الحكومي.
من جانب آخر، تورطت تركيا هي الأخرى في نزاعاً تجارياً مع الاقتصاد الأكبر حول العالم، بعدما قررت فرض تعريفات انتقامية ضد السلع الأمريكية.
وصرح وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي مؤخراً بأنه سيتم فرض تعريفات قدرها 226.5 مليون دولار على سلع أمريكية بقيمة 1.1 مليار دولار رداً على تعريفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم والبالغة 25% و10% على الترتيب.
مواجهة بين أردوغان ووكالات التصنيف الائتمائي
تتخوف الأسواق في تركيا من تصريحات أردوغان والتي تشير إلى السيطرة السياسة النقدية بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية مما أضعف استقلالية البنك المركزي، حسمبا ذكرت وكالة "موديز".
وكانت الوكالة خفضت التصنيف السيادي لتركيا إلى درجة غير استثمارية "خردة" بفعل استمرار ضعف مؤسساتها والمخاطر المتزايدة حراء العجز الضخم في الحساب الجاري، كما قامت "فيتش" بخطوة مماثلة.
واعتبر أردوغان أن وكالات التصنيف الائتماني مشغولة بمحاولة دفع البلاد إلى مأزق كما هدد باتخاذ تدابير ضد "موديز" بعد الانتخابات المرتقبة.
الوضع لم يتوقف عند هذا الأمر، حيث حذرت "فيتش" من إمكانية تعرض صناعة السياسة والنظرة المستقبلية للسياسات في تركيا إلى ضغوط عقب انتخابات يونيو، مستشهدة بتصريحات أردوغان إزاء اعتزامه السيطرة على السياسة النقدية.
وقررت "موديز" خفض توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي في تركيا خلال العامين الحالي والمقبل إلى 2.5% و2% على الترتيب مقابل تقديرات سابقة تبلغ 4% و3.5% على التوالي.
وأرجعت وكالة التصنيف الائتماني هذه النظرة المستقبلية للاقتصاد التركي إلى ضغوط السوق القوية الناجمة عن أفعال الرئيس أردوغان.
السياسة النقدية.. هل ينتظرها مأزق؟
مع كل مناسبة، وكل خطاب، وكل حدث، وكل تعليق أو تصريح، تكون الدعوة إلى خفض معدلات الفائدة في تركيا حاضرة على لسان أردوغان بحجة جذب المستثمرين إلى البلاد.
وتثير هذه الدعوات مخاوف قوية داخل الأسواق التركية حول التدخل في السياسة النقدية للبلاد من قبل الرئيس، والذي تعهد في حال الفوز بمزيد من إحكام قبضته عليها.
ويسير البنك المركزي في تركيا في الوقت الراهن في طريق عكسي لتوجه الرئيس أردوغان عبر رفع معدلات الفائدة في البلاد من أجل إنقاذ العملة المحلية من الهبوط الحاد لمستويات قياسية متدنية تقترب من 5 ليرات لكل دولار.
وفي أحدث خطوة من نوعها، قرر المركزي التركي رفع معدل الريبو لمدة أسبوع واحد بمقدار 125 نقطة أساس ليصل إلى 17.75%.
ويأتي قرار المركزي التركي عقب اتخاذ قرار بتوحيد وتبسيط السياسة النقدية في البلاد بنهاية مايو الماضي، عبر جعل معدل الفائدة على عمليات إعادة الشراء لمدة أسبوع واحد "الريبو" مساوياً لمعدل الفائدة على السيولة الطارئة.
كما شدد البنك على الإبقاء على سياسات نقدية متشددة مع استخدام كافة الأدوات لتنفيذ ذلك حتى يُبدي التضخم مؤشرات تحسن قوية.
وتعاني الليرة التركية خلال الفترة الراهنة من التراجع الحاد لمستويات متدنية بعد أن سجلت أدنى مستوى في تاريخها عند 4.9253 ليرة لكل دولار في وقت سابق من هذا الشهر.
وأنهت عملة تركيا تعاملات الجمعة الماضية (22 يونيو) عند مستوى 4.6771 ليرة مقابل كل دولار مقارنة مع المستوى المسجل في بداية هذا العام عند 3.9782 ليرة لكل دولار ما يعني أن إجمالي خسائر الليرة أمام الدولار خلال 2018 بلغت 17.6%.