حكاية إدلب و"الجهاديين" في سوريا

آخر تحديث 2018-07-05 00:00:00 - المصدر: خندان

يبدو أن اشتياق النقيب سعيد نقرش (أبو جمال) للقاء إخوانه، كان أقوى من احتياطاته الأمنية التي يتخذها منذ أن وجه الجهاديون له تهديدا قبل أشهر.

نقرش وهو من أوائل المنشقين عن الجيش السوري النظامي قاد لواء عسكرياً يطلق عليه "شهداء الإسلام" في داريا، إحدى ضواحي دمشق، بدأ كفصيل لحماية المتظاهرين السلميين من السلطات السورية.

لاحقا أصبح نقرش مدير المكتب السياسي للواء "شهداء الإسلام" في الشمال السوري، وشارك في محادثات استانة التي ترعاها تركيا وروسيا وإيران.

لكن مقاتلي اللواء، وحتى اللجنة المدنية، أخرجت إلى تركيا الآن.

ويبدو أن نقرش دفع ثمن مشاركته في المحادثات، فما أن عبر إلى ادلب من تركيا للقاء أقاربه، حتى تم اختطافه في الخامس والعشرين من ابريل/ نيسان من العام الجاري.

ويعتقد "أبو وائل" (مؤيد حبيب) الذي ترأس اللواء لاحقاً، وكان مطلعاً على مفاوضات الافراج عن رفيقه، يقول إن "هيئة تحرير الشام" تقف وراء خطفه.

محافظة إدلب السورية ساحة حرب مجدداً

الهيئة أنكرت ذلك، في بيان نشرته على الانترنت، لكن أبو وائل يقول إن مكان اختطافه (سرمدا) هي منطقة نفوذ للجبهة، على اطراف المحافظة.

منذ أن بدأت عملية اجبار المسلحين، والمدنيين في حالات كثيرة، بالانتقال إلى ادلب في الشمال السوري، تحولت المحافظة التي تضاعف عدد سكانها إلى مليونين ونصف تقريبا، إلى مراكز قوى ونفوذ لفصائل المعارضة.

نأى "لواء الإسلام" بنفسه عن التفاوض المباشر حول مصير النقيب المخطوف، وبدأت المفاوضات مع أشقائه، ولكن باطلاع أبو وائل.

أبحث عن التمويل

يقول أبو وائل: "بدآنا التواصل مع كافة الفصائل. وقد أنكر أبو محمد الجولاني القائد العام للجبهة وجود أبو جمال لديهم".

ومع استمرار غياب أي معلومات "فتح الهاتف الجوال لنقرش، وظهرت الإشارة، بأنه في مركز مدينة إدلب. التي تخضع لسيطرة الجبهة".

ثم اختفت الإشارة.

ما هي الجماعات الجهادية والمعارضة التي تقاتل في إدلب؟

ومن ثم تم الافراج عن شخص آخر من داريا اختطف سابقاً، و"أفرج عنه لقاء 17 الف دولار".

هذا الشخص أكد لأبو وائل وأشقاء نقرش وجود النقيب المخطوف مع الهيئة، مشيراً إلى أنه تعرض للضرب والاهانة هناك.

يقول أبو وائل الذي التقيته في مقهى اسطنبولي، يطل على مسجد الفاتح المشهور، في منطقة بات الوجود العربي فيها باديا بحكم تزايد عدد اللاجئين السوريين فيه: "سكرت الأبواب بوجهنا. العمل العسكري لإنقاذ أبو جمال مستحيل في ظل قوة الجبهة المهيمنة في مناطق كثيرة من ادلب".

هنا بدأت المفاوضات عبر شخص يدعي أنه وسيط. طالب الخاطفون بمبلغ 300 الف دولار أمريكي لقاء الافراج عن القيادي في الجيش الحر.

تظهر التسجيلات التي اطلعت عليها بي بي سي، أن التفاوض اخذ أياماً، ليقبل الخاطفون بمبلغ 75 الف دولار، ويجري التسليم في إحدى مناطق الساحل.

يدخل أحد أشقاء أبو جمال إلى منطقة يحددها الخاطفون، وفي الليل يقترب منه أحدهم على دراجة نارية، ويأخذ المبلغ.

في اليوم التالي تم اطلاق سراح أبو جمال.

تتراوح أسعار الفدى من 300 دولار إلى 300 الف دولار، وفقاً لأحد المطلعين الذي فضل عدم الكشف عن اسمه.

جهازك لا يدعم تشغيل الفيديو

لدى الكثير من فصائل المعارضة اعتقاد بأن جبهة تحرير الشام تطلق مجموعات كتلك التي خطفت أبو جمال، وتنأى بنفسها عن تلك العمليات، خاصة وأنها تريد تقديم أوراق اعتماد للجارة الأهم في الشمال السوري، تركيا.

هذا يضمن تدفق الأموال للجبهة في الوقت ذاته.

العامل التركي

تركيا التي نشرت نقاط مراقبة وصولا للداخل السوري في إدلب، باتت الضامن الأساسي لمناطق "خفض التوتر" هناك.

لكن تركيا، كما يقول أورهان سالي، الصحفي المقرب من الحكومة التركية، "لن تفتح خطاً مع الجهاديين فنحن لا ننس من أساء لنا. والجهاديون آذوا الدولة التركية".

لكن الجهاديين في إدلب، يبقون الرقم الأصعب.

فهم يسيطرون، على النقطة 106، حسب مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته.

النقطة 106 تقع على الطريق إلى إدلب من تركيا.

"ومن يسيطر على هذه النقطة يسيطر على معبر باب الهوى من الجانب السوري"، يقول المصدر.

يفرض "الجهاديون" رسوماً على الشاحنات، التي يتجاوز عددها 150 شاحنة بمعدل يومي، حسب مصادر رسمية تركية.

الشاحنات التركية تفرغ حمولتها على المعبر، لشاحنات محلية. والأخيرة تضطر إلى أن تدفع "الرسوم" للجهاديين.

"حراس الدين"

أبو محمد المقدسي، منظر الجهاديين الأشهر، يرى أن شرعيي الجبهة، باتوا يعتبرون التعاون مع تركيا - رغم علمانيتها وديمقراطيتها- خياراً أساسياً، بل ينظًرون لذلك الخيار.

وكان المقدسي، وجه نقداً لتوجه جبهة تحرير الشام هذا، بشكل متكرر على قناته على التيلغرام.

ويرى المقدسي أن الجولاني بات كـ "الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة، لم يتقنها فحسب، لا بل نسي مشيته الأصلية".

كان الجولاني قد فك ارتباطه بالقاعدة في تموز/ يوليو عام 2016، وغير اسم النصرة إلى الجبهة.

وقد شهدت "جبهة تحرير الشام" خروجاً من قبل الأفراد الأقرب إلى خط تنظيم القاعدة، وتشكيل تنظيم جديد يعرف باسم "حراس الدين".

وبالمقابل أقدم الجولاني على اعتقال قيادات التنظيم الجديد، مثيرا ردة فعل غاضبة بين أوساط الجهاديين، والفصائل المسلحة في المنطقة.

ويسعى تنظيم "حراس الدين"، إلى إعادة ربط الجهاديين في سوريا، بتنظيم القاعدة، بزعامة أيمن الظواهري، ومسؤول الفرع السوري للتنظيم نجل أسامة بن لادن، حمزة.

لكن احتجاج الأفراد الجهاديين على اعتقال قيادات "حراس الدين"، "دفع الجولاني إلى التراجع واطلاق سراحهم خشية فقدان شرعيته"، حسب المحلل والناشط السوري أحمد أبازيد، المقرب من المعارضة السورية.

ويقول أبازيد إن الجولاني "بات يقدم خطاباً جديداً يحاول من خلاله تقديم بناء جديد لا يخالف شرعيته الجهادية".

"الجولاني يقدم الفوضى بديلا له أمام تركيا"، حسب أبازيد، الذي يرى أن الجولاني، حاول حتى التواصل مع الأمريكيين عبر منظمات انسانية تعمل في الشمال السوري.

ووضعت الولايات المتحدة "جبهة تحرير الشام" على لائحة الإرهاب مما دفع الجولاني إلى العودة جزئياً إلى تعميق شرعيته الجهادية، وأعاد تمويل "حراس الدين".

"تعنت تنظيم الدولة الإسلامية"

وقال مصدر جهادي مطلع إن "حراس الدين" حاول مراراً دعوة جهاديي تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية إلى التعاون معهم، "لكن تعنت قيادات تنظيم الدولة كان يفسد هذا الجهد".

طبعا هذا يتم وفق شروط، أهمها "تراجع تنظيم الدولة عن غلوها".

هذا التعنت انعكس في افتتاحية مجلة النبأ التي يصدرها تنظيم الدولة، حيث انتقدت "حراس الدين" بشدة: "أما وصفنا لهم بأنهم "حراس الشرك" فهو حقيقة ثابتة فيهم، فزيادة على الشرك الذي تلبسوا به بانتمائهم إلى طائفة كفر يعلمون حالها "جبهة الجولاني" المرتدة، فأتباع هذا التنظيم يدعون إلى قتال الدولة الإسلامية إن غزت ديار الكفر التي يحكمها اخوانهم المرتدون، ولو لإزالة الشرك الذي يعلوها وإقامة الدين فيها، فهم رضوا أن يكونوا "حراسا للشرك" الذي يحكم الأرض".

لكن أفراداً من تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية باتوا يتعاونون مع جهاديي القاعدة في سوريا، وفقا لمصادر محلية.

كما ان تنظيم الدولة بات يصدر رسائل تظهر مرونةً أكثر في خطه، كما تقول "مينا اللامي"، الصحفية في قسم المتابعة الإعلامية في بي بي سي، حيث أن رسائل التنظيم الإعلامية تغيرت في الأشهر الأخيرة.

حقائق عن سوريا

التنظيم الذي خسر مواقعه في سوريا، والعراق، وحتى الكثير من شبكاته، بدأ يعيد تشكيل نفسه في مناطق مختلفة من صحراء العراق، والمناطق الحدودية بين سوريا والعراق.

لكن قدرته على إعادة تشكيل قوته كما كان عليه الحال عام 2014 حين أعلن الخلافة، وكان يستقطب الشبان من أنحاء العالم كافة، بات محل تساؤل.

وعليه فإن التعاون مع تنظيم القاعدة يبقى أحد الخيارات المتاحة أمام أفراد تنظيم الدولة لا القيادات.

لكن العامل المؤثر يبقى قدرة القاعدة وأخواتها على الاستمرار والتوسع في سوريا.