إميل أمين يكتب: «نتنياهو – بوتين»… أوكرانيا مقابل سوريا

آخر تحديث 2018-07-11 00:00:00 - المصدر: قناة الغد

مساء اليوم يلتقي في العاصمة الروسية موسكو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مع  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء يأتي للمرة الثالثة خلال ستة أشهر، الأمر الذي يستدعي عددا من الأسئلة الجوهرية عن السبب وراء الزيارات المتعددة، والدرجة التي أضحت معها موسكو قبلة لنتنياهو بأكثر ربما كثيرا جدا من زياراته في نفس الفترة الى  واشنطن ، حيث المقر والمستقر لاكبر لوبي داعم للدولة العبرية  منذ ان ظهرت على سطح الاحداث .

خلال جلسة الحكومة الإسرائيلية الأسبوعية كان نتنياهو يوضح السبب وراء زيارته لروسيا  الاتحادية التي أضحت رقما صعبا على  مائدة كافة مفاوضات الشرق الأوسط  وبنوع خاص الملف السوري، مشيرا إلى أنه سيوضح للزعيم الروسي أن إسرائيل ثابتة على مبادءها التي ميزت دائما  وابدا سياساتها، وفي المقدمة من تلك المبادئ  عدم القبول بوجود قوات إيرانية أو أية ميليشيات موالية لها  على  اي جزء من الأراضي السورية.

عطفا على ذلك، فإن نتنياهو يتمنى على  بوتين ان يفعل دوره مع النظام السوري والجيش العربي السوري، للحفاظ على اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974.

وللمرء أن يتساءل.. هل أضحت موسكو الفاعل واللاعب الرئيس والأول على  الساحة السورية خاصة، والشرق أوسطية عامة؟ ومن أجل ذلك بات بوتين رجل المرحلة، وعلى رئيس وزراء إسرائيل الحج للكرملين ثلاث مرات في ستة أشهر بهدف الحفاظ على التوازنات الاستراتيجية، و في الأزمنة التي أصيب فيها العالم بسيولة استراتيجية  وانصهار للرقائق التكتونية المكونة للنظام الدولي.

الجواب الصريح المريح ،هو نعم ، فقد أحرزت روسيا الأسد نجاحات عريضة في الملف السوري بنوع متميز، ناهيك عن إعادة نسج شبكة من الخيوط  القوية ورسم الخطوط الاستراتيجية  مع بقية دول المنطقة، سواء أكانت الدول الخليجية السنية أو إيران الشيعية ، وصولا إلى أرض الكنانة مصر، ومحاولات جادة للعودة إلى ليبيا.

والشاهد أن كل المربعات الخالية من النفوذ الدولي لا سيما الأمريكي استطاع بوتين أن يملاها بمهارة وجدارة فائقتين، وفيما كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يحجم عن المشاركة الفاعلة والمؤثرة في مسارات أحداث المنطقة كان بوتين يقدم على  ذلك حتى  وإن كانت دوافعه براجماتية مطلقة، بمعنى قطع الطريق على القوى الأصولية التي أرادات واشنطن لها  التصعيد إلى الداخل الروسي وإعادة تفكيك وتفخيخ الدولة الروسية الآتية من صحراء التيه في زمن جورباتشوف، وأضحت في عهد بوتين  تشبه العنقاء القادم والقائم من رماده مرة أخرى.

ترك أوباما الساحة الشرق أوسطية خلوا من أي حضور أمريكي فاعل، وربما هذا ما أدركه نتنياهو بشكل أكيد، وعليه فلم يكن هناك بد من التعاطي مع الدب الروسي الذي أضحى لاحقا ثعلبا صغيرا يقفز بنشاط وهمة من البر إلى البحر، ومن جبال الأورال إلى ما وراء المحيط الأطلسي، لا شيئ يعيقه عن تحقيق أهدافه الواضحة في اعينه، والذي يقدر دوما لرجله قبل الخطو موضعها.

يزعج إسرائيل اليوم أن تكون سوريا في قبضة إيران، ويعلم نتنياهو تمام العلم أن القرار السوري بات رهن ساكن الكرملين بالدرجة الأولى، عطفا على التأثير القوي لنظام الملالي في الداخل السوري، وعليه فهل هناك صفقة ما يمكن لبوتين أن ينجزها  لإسرائيل؟

يكاد المراقبون للمشهد الروسي القطع بأن بوتين عزف على أزمات الشرق الأوسط كأوراق للمقايضة مع الجانب الأمريكي وجل ما يهمه أمن وسلامة بلاده وإنهاء الأزمات التي تحيط بها، وعليه فالبعض يرى أن نتنياهو ماض إلى موسكو وفي جعبته صفقة بين واشنطن وموسكو  مفادها أن يقوم الجانب الروسي بممارسة ضغوطات على الإيرانيين للخروج بالمرة من سوريا ، وفي المقابل تكثف تل أبيب جهودها في الداخل  الأمريكي بغرض دفع الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات الاقتصادية الموقعة أمريكيا وأوروبيا على  روسيا بسبب أزمة أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم .

ذات مرة من القرن الماضي تحدث رمز فرنسا الأشهر ورئيسها الأكبر شارل ديجول بالقول أنه في عالم السياسة الدولية لا يوجد ما يعرف بدولة  صديقة، إنما هناك دول لها مصالح تتصالح أو تتقاطع سلبا مع أخرى.

من هذا المنظور يمكن الحكم على الدور الذي يمكن لموسكو أن تقوم به تجاه إيران .. ماذا عن ذلك؟

بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، ومع بدايات تغيير الأوربيين لمواقفهم من إيران والتضحية بإيران كشريك اقتصادي مهم، من أجل ألا يغضب الحليف الأمريكي الذي لا ينفك يهدد بعقوبات مالية كبيرة على الاتحاد الأوروبي ، نقول بعد الانسحاب يجد نظام الملالي وحدهم خلوا من أي سند دولي سوى  الدعم الروسي على أكثر من صعيد.

نعم ربما لا تكون القوة الشرائية الروسية تعادل مثيلتها الأوربية، لكن لدى الروس أدوات وآليات عدة جوهرية يمكن تفعيلها بشكل يخدم أوضاع إيران المأزومة، أو العكس أي استخدامها كأوراق ضد إن جاز التعبير.

يعلم الإيرانيون أن برنامجهم النووي وبقية منشاتهم ستكون تحت رحمة الجانب الروسي وأن لا أحد يمكنه أن يعينهم على  إكمال ما يرجونه من اهداف نووية سلمية كما  يدعون، في حين أن الجميع يدرك حقيقة ورغبة الملالي في حيازة سلاح نووي يحدث توازن ردع استراتيجي مع إسرائيل.

وفي مواجهة الحظر النفطي  الأمريكي والذي رويدا رويدا يقترب من الدولي، ربما تضحى روسيا المنفذ الوحيد لتصريف النفط الإيراني أن بطريق الشراء المباشر أو من خلال تسويقه في القارة الأسيوية، وبذلك تدفع الحياة في إيران للاستمرار، لا سيما بعد الاضطرابات الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها مؤخرا والمرشحة أن تتفاقم كلما ازدادات العقوبات والحضار الاقتصادي الأمريكي  تجاهها.

أما عن برنامج إيران الصاروخي فبدوره سوف يضحى عديم الفاعلية أن لم يجد ما يحتاجه من قطع غيار ووقود بنوعيات خاصة، وتعاون تكنولوجي متقدم ليكمل نضوجه إلى الحد الذي يهدد معه الحدود الجغرافية لأوروبا وأمريكا .

باختصار القول تكاد موسكو تكون المسرب الوحيد المفتوح لإيران الآن على  العالم وهو الأمر الذي يدركه نتنياهو جيدا وفي هذا الإطار باتت هناك معادلة رائجة يسعى  الإسرائيليون إلى تحقيقها على  الأرض .. معادلة “أوكرانيا مقابل سوريا “.

ويبقى التساؤل هل سينجح  نتنياهو في إقناع الروس بهذه المعادلة؟

يمكن له بالفعل أن يفعل ذلك، لكن السؤال الأخطر هل سيقبل الإيرانيون الأوامر والنواهي الروسية؟ وإذا لم يقبلوها ما يفيد بأنهم فضلوا لف الحبل حول رقابهم، وهذا امر مرجح بشدة فهل سنرى سعيا حثيثا من قبلهم، لإشعال المنطقة والعالم انطلاقا  من  الخيار شمشمون أي هدم المعبد علي رؤوسهم ورؤوس أعدائهم دفعة واحدة؟