قصة جحيم داعش الذي خيَّم على الرقة ترويها آلاف الجثث العالقة تحت أنقاض المدينة

آخر تحديث 2018-07-18 00:00:00 - المصدر: رووداو

رووداو - أربيل

أدت ضربات طائرات التحالف الدولي من جهة، وحرب قوات سوريا الديمقراطية ضد تنظيم داعش من جهة أخرى، إلى سقوط الآلاف، ضحايا لنيران الحرب في مدينة الرقة، فضلاً عن تدمير 80% من المدينة.
وتفيد إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن طائرات التحالف الدولي قصفت الرقة عشرين ألف مرة، فيما لا تزال هناك قرابة ثلاثة آلاف جثة تحت أنقاض مباني وبيوت الرقة.

نسي سكان الرقة حياتهم الهادئة الماضية، وكل ما يشغل ذاكرتهم الآن هو الدمار الذي أصاب مساكنهم، وفقدان أقاربهم ومعارفهم في الرقة المدمرة كما الموصل، ربما لو وقف مالك هذا المنزل الآن هنا لما تعرف على منزله، وربما جثته وجثث أولاده مدفونة الآن تحت أنقاض المنزل، ولم تصل الفرق المختصة إلى هنا لانتشالها.

عند البحث عن الجثث، يراقب الأطفال العملية ولا يرمش لهم جفن لدى رؤية المشاهد المأساوية، من بينهم عادل، وهو طفل لا يخاف شيئاً، ويتابع يومياً عمليات استخراج الجثث.

يحصل عادل نمر، على دولارين كأجرة يومية، ويعمل مع والده على استخراج الجثث، ويقول لشبكة رووداو الإعلامية: "أعمل مع والدي في انتشال الجثث خلال النهار، وأنا لا أخاف من شيء لأنني اعتدتُ على ذلك، لقد تهدمت المدرسة التي كنت أدرس فيها، حيث درستُ فيها لمدة شهر واحد".

وإضافة إلى عادل ووالده، جاءت فرق أولية إلى هنا لانتشال الجثث، حيث يراقب أحد ذوي الضحايا، صبحي مصطفى، من بعيد جثث ابنيه وابنته، ولأن الجثث تشوهت، لا يُسمح بالاقتراب منها، فيما يتم جمع أشلاء الجثث الممزقة.

وأفاد صبحي مصطفى، لرووداو: "جئنا من إدلب إلى الرقة لانتشال الجثث، حيث هناك الكثير منها تحت الأنقاض، وفي هذا المكان يقال إن هناك 7 إلى 8 عوائل تحت الأنقاض".

توجد جثث أربعٍ من بنات شمسة حمادي، وأمها وزوجة ابنها، تحت أنقاض هذا المبنى، وهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً غير البكاء عليهم، وقد تحدثت لرووداو بالقول: "كان الوالد مريضاً واصطحبناه إلى الطبيب، وبقيت الزوجة وأمها و4 بنات هنا، وقد سمعنا بأنهم تعرضوا للقصف، وهذا كل ما نعرفه".

يتم تجميع أجزاء الجثث، ويريد صبحي الاطمئنان ورؤية جثث ابنيه وابنته، لكن لا يُسمح له بذلك، أما شمسة فتريد من خلال التقاط صورة أن تقنع نفسها بأن هذه الجثث هي لأمها وزوجة ابنها وبناتها الأربعة.

وإضافة إلى الجثث المدفونة تحت أنقاض الأبنية والبيوت، تم العثور على تسع مقابر جماعية في الرقة، ويوجد فيها أكثر من 1500 جثة.

حديقة الرشيد تضم واحدة من تلك المقابر الجماعية، ويقول مسؤولو هذا الفريق إن هناك قرابة 420 جثة هنا، وكانت شدة المعارك والمواجهات قد أجبرت أهالي الرقة على دفن موتاهم في هذه المقابر الجماعية، وفي بعض الأحيان، جلب مسلحو داعش جثث قتلاهم إلى هذه المقبرة.

وقال فائق ستار، وهو أحد عناصر فريق البحث عن الجثث مجهولة الهوية: "هذا الرجل لديه إصابة في رأسه ويده اليمنى، ويبدو أن هذا أحد رجليه وقد بُتر".

تأتي "وعد كريم" إلى هنا كل يوم للعثور على جثتي أمها وأختها، إنها واثقة من أن والدتها وأختها مدفونتان هنا، وهي تعتمد على عدة علامات للتعرف عليهما، وأوضحت لشبكة رووداو الإعلامية، أن "الطيران قصف منزل جيرانهم، فبدأوا بالصراخ والاستنجاد، فتوجهت والدتي وأختي للمساعدة في إسعاف المصابين، ومن ثم عادتا إلى المنزل، إلا أنهما توجهتا مجدداً للاطمئنان على المصابين، فتعرضتا لقصف الطيران، وفي اليوم التالي سلمتُ جثتيهما للمستشفى من أجل دفنهما، حيث دُفنت أكثر من 10 جثث في هذه المنطقة، وفي حال شاهدتُ الجثث، فلا شكَّ في أنني سأتعرف عليهما، حيث لا تزال البطاقة الشخصية في جيب والدتي".

لا يمكن التفريق بين جثث الرجال والنساء في هذه المقبرة الجماعية، وبسبب ارتفاع عدد الضحايا، هناك في بعض المواقع ثلاث أو أربع جثث دفنت فوق بعضها البعض، كما فقد ذوو بعض الضحايا الأمل في العثور على جثث أقاربهم.

تعرض خمسةٌ من عائلة فاطمة محمد، معاً لقصف الطائرات الحربية، وهي الآن هناك في محاولة للعثور على جثثهم، وفي هذا السياق، تقول فاطمة: "الله أعلم، قد تكون هذه القطعة لأحدهم، لم يُخرجوا أحمد بعد، يا إلهي، لقد كانوا صغاراً، حتى والدتي كانت لا تزال شابة، لا حول ولا قوة إلا بالله".

إنها تظن أن هذه قطعة من ثياب والدتها، حيث تم العثور على ثلاث من الجثث، ولم يبقَ غير جثتي أخيها أحمد وأختها بيان، وتضيف فاطمة محمد، وهي تجهش بالبكاء: "نعم، هذه جثة بيان، حلق الأذن هذا يعود لأختي وكانت تضعه قبل مقتلها".

تستخرج هذه الفرق ما بين خمسين وسبعين جثة في اليوم، لكنها تفتقر للمعدات اللازمة للتعرف إلى أصحاب الجثث وتسريع انتشالها.

رئيس فريق الاستجابة الأولية في مجلس الرقة المدني، ياسر خميس، قال من جهته: "لدينا طبيب شرعي، ويتم التعرف على الجثث، ولكن لا نملك وسائل علمية حديثة، وإنما يتم الكشف عن الجثث عن طريق اللباس أو الأسنان أو الشعر، ونحن نأتي للعمل هنا يومياً منذ الصباح الباكر، ولدينا نقص في الآليات والمعدات والعناصر، وهذه معوقات كبيرة، ونطالب بدعم المجتمع الدولي، حيث أن لدينا مئة طلب لاستخراج الجثث، وحتى الآن نفذنا منها بعض الطلبات".

يتم جمع الجثث ونقلها بعد ذلك إلى مقبرة الشهداء في الرقة، ويصلى عليها حسب الشريعة الإسلامية، وليس هناك اختلاف في الأمر، فالجثث تنقل من مقبرة جماعية إلى أخرى، الأمر المختلف هو أن المسؤولين الإداريين في الرقة يريدون تنظيف المدينة من الجثث.

ويقول فاروق جلال، وهو عامل انتشال جثث: "هذه الجثث استخرجناها من مقبرة الرشيد الجماعية، بينهم أطفال ونساء، وهذه الجثث تعود لطفلين وفتاة، كما أن هناك جثث لثلاث نساء، فضلاً عن 10 جثث لرجال، وهي مجهولة الهوية، وهؤلاء أصيبوا خلال القصف حسب تقرير الطبيب الشرعي".

تعرضت المساجد والكنائس والفنادق والأبنية مع 75% من المؤسسات الحكومية لقصف الطائرات الحربية، كما تم تفجير سبعة وثلاثين جسراً في المدينة، وأدى تفجير تلك الجسور، ومن بينها جسور رئيسة، إلى قطع حركة التنقل بين منطقتي الشامية والجزيرة، لذا يجد الناس أنفسهم مضطرين لاستخدام العبارات، فحتى سيارات الحمل تَستخدم هذه الطريقة.

يتنقل حوالي مئتي ألف شخص بين مناطق الشامية ومناطق الجزيرة يومياً بهذه الطريقة، ويقول هؤلاء إن المنظمات الدولية تعهدت مراراً بإعادة بناء هذه الجسور، لكن أياً من تلك الوعود لم ينفذ حتى الآن.

يجب على أصحاب العبارات فحص عباراتهم بصورة يومية، لكن الناس مع ذلك ليسوا مطمئنين، وهم يتنقلون بهذه الطريقة، لأنهم رأوا بأنفسهم غرق عدد من هذه العبارات وغرق مواطنين نتيجة لذلك.

وتحدث مالك إحدى العبارات، أحمد سعد: "أنا صاحبُ عبارة، وفي حال أعيد تشييد الجسور فسوف أتضرر، ولكن لا مشكلة في ذلك، من أجل الناس، لأن 13 شخصاً فقدوا حياتهم دفعةً واحدة قبل مدة، انظروا إلى أحوال الناس، لماذا لا يشيدون الجسور؟، فالجسر لا يكلف شيئاً، لا نريد منهم سوى جسر حتى لو كان حربياً، عوضاً عن مساعدات الرز والبرغل الذي يرسلونها إلى الأهالي، في حين يسرقها المندوبون".

الوضع صعب على الأطفال والشيوخ والعجزة، والأصعب من ذلك هو اضطرار البعض لنقل مرضاهم بهذه الطريقة إلى المشافي.

وقالت هدية عطا، من سكان القرى المحيطة بالرقة: "لم نجد أدويةً لعلاج مريضنا في كل المشافي، فاضطررنا للذهاب إلى مدينة الطبقة، والمريض منهك، ولا يوجد إسعاف، نسأل الله أن يزيح عنا هذا الهم ويعيد الاستقرار".

لا يزال 75% من سكان الرقة نازحين إلى الآن، وإضافة إلى المخاوف الأمنية وغياب الخدمات، هناك أسباب أخرى تمنع عودة سكان الرقة إلى ديارهم، أما العائدون فيقولون إنهم مضطرون للعودة، لأنهم يفضلون الحياة بين أطلال دورهم المهدمة على حياة النزوح.

ويعمل محمد علي، بمهنة التدريس، ويقول: "لقد عدنا إلى بيوتنا، لأن ذلك أفضل من البقاء في بيوت مستأجرة في ظل النزوح، لذلك أعدنا ترميم منزلنا، وحتى الآن لم نتلق أي مساعدة من المنظمات".

"حارة البدو ودوار النعيم" في مدينة الرقة، من أكثر أحياء الرقة دماراً، لأن أمراء ومسؤولي داعش كانوا يقيمون فيهما.

عندما غادر مسلحو داعش الرقة، تعهدوا بالاستمرار في القتال في الرقة بدون أن يصاب أحد منهم أو يقتل، وقد تبين الآن أن داعش ترك وراءه قرابة سبعة آلاف عبوة متفجرة مزروعة، وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الضحايا في الرقة بعد السيطرة عليها أكبر من عدد الذين قتلوا خلال معركة السيطرة على الرقة، بسبب ذلك العدد الكبير من العبوات المزروعة في الرقة والتي تمثل المشكلة الرئيسة التي تعيق عودة الأهالي إلى المدينة.

يعمل "علي رحيم" يومياً في هذه الأحياء، ويؤكد أن الناس معدمون وكسب لقمة العيش ليس سهلاً، ويقول في هذا السياق: "المياه لا تتوفر سوى ساعة أو ساعتين في الأسبوع، كما لا توجد كهرباء، ونحن العمال لا نجد ما نسدُّ به رمقنا في اليوم الذي لا نعمل فيه، فضلاً عن أن أسعار الخبز مرتفعة للغاية، حيث تُباع الربطة الواحدة بـ180 ليرة، وهذا مبلغ كبير".

بعد مرور شهر على استعادة السيطرة على المدينة، تم تشكيل مجلس الرقة المدني، ويتولى هذا المجلس إدارة شؤون المدينة، كما أنه يشرف على عشر فرق لإزالة العبوات المتفجرة المزروعة، وست فرق لانتشال الجثث، وإضافة إلى هذا.

ويتحدث الرئيس المشترك للمجلس، حمد حامد، لرووداو، عن الأعمال التي تدخل ضمن الخطة الأولى للعمل في الرقة، بالقول: "يعاني أهلنا في منطقة شرق الرقة وصولاً إلى حدود محافظة ديرالزور من صعوبة التنقل بين المدينة والقرى، أو بالعكس، وحالياً تعمل الفرق الهندسية لإعادة الإعمار، على إعادة بناء أحد الجسور، ربما ليس بالطريقة الهندسية الصحيحة والمثالية، إلا أنه بطريقة وإمكانيات بسيطة، فلدينا في مجلس الرقة المدني أولويات نعمل عليها لإعادة بناء الجسور".

وخصصت بريطانيا 13 مليون دولار لإعادة إعمار الرقة، في حين خصصت فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، قرابة 19 مليون دولار لهذا الغرض، لكن الجهود التي تبذل لإعادة إعمار الرقة لا ترقى إلى مستوى الدمار الذي لحق بها.

قراءة: أوميد عبدالكريم إبراهيم