’’يجب جعل هذا المطلب جزءً رئيساً من حوارات تشكيل الحكومة القادمة’’ ...
بحضور رئيس وزراء إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني وعدد كبير من مسؤولي الإقليم، جرت مساء السبت في مدينة دهوك. مراسم إحياء الذكرى الثلاثين لأنفلة منطقة بهدينان، ودفن رفاة 13 شهيداً من شهداء أنفال قلعة نزاركي.
وخلال المراسم، ألقى بارزاني كلمة استعرض خلالها جرائم الأنفال التي تعرض لها شعب كوردستان، مطالباً الحكومة العراقية بتعويض المؤنفلين مادياً ومعنوياً وجعل هذا المطلب جزءً رئيساً من حوارات إقليم كوردستان لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها رئيس وزراء إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني:
أقارب وذوي المؤنفلين الأحبة
يا أهل بهدينان الصامدين
أيها الضيوف الكرام...
مرحباً بكم جميعا في هذه المراسم..
أود أن أرحب ترحيباً خاصا بالقناصل الأجانب الذين شاركونا في المراسيم، وأن أشكرهم لأنهم تحملوا عناء السفر وجاءوا من أربيل الى هنا للمشاركة في هذه المراسم، أهلا بكم.
نحن اليوم هنا وفي هذا المساء نستذكر فاجعة أليمة، مٲساة أنفال بهدينان، هنا في قلعة نزاركی وقبل ثلاثين سنة اقترفت جريمة ضد الإنسانية بأبشع صورة. حيث تم تعذيب وقتل الأب أمام أنظار أطفاله، وتم تفريق الأخوات والإخوة والآباء عن بعضهم البعض. ولكن أين الجاني؟ هو اليوم في مزبلة التاريخ وبهدينان ودهوك وكوردستان تعيش حرة ٲبيّة.
نعم نحن نجتمع اليوم هنا لاستذكار الأرواح الطاهرة لآلاف الشهداء، الذين تعرضوا آواخر شهر آب من سنة 1988لأبشع الجرائم علی مّر التاريخ ضد الإنسانية. في الخامس والعشرين من آب ولغاية السادس من أيلول وعقب انتهاء الحرب العراقية الإيرانية سنة 1988، شنت خمسة فيالق من الجيش العراقي أكبر عملية عسكرية ضد أهالي بهدينان. حيث استهدفوا القری والمناطق التابعة لحدود دهوك، زاخو،آميدي وشيخان، أهالي المنطقة من المسلمين، الإيزديين والمسيحيين ولم يسلم أحد من أياديهم.
اليوم رأيت في هذه المراسم ثلاثة نماذج، أم تمت أنفلة خمسة من أبنائها، وأخ تعرض خمسة أشخاص من عائلته للأنفال، وفتاة مسيحية بقيت وحدها من عائلتها، هذه الجرائم كلها قد ارتكبت في بهدينان.
أنفال بهدينان التي كانت آخر عملية من عمليات الأنفال، استهدفت أوسع جغرافية من هذه المنطقة. حيث تعرضت (٦۲۰) قرية للعملية، واقترفت فيها جرائم القتل الجماعي، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد المدنيين في بهدينان، وتم استخدام الأسلحة الكيميائية في سبعين منطقة متنوعة! وجری في بعض المناطق إعدام المواطنين رمياً بالرصاص، وتشردت حوالی خمس وعشرون ألف عائلة. حيث لجٲت آلاف منهم إلی تركيا، وتم ترحيل آلاف منهم إلی أطراف أربيل. تمت محاصرتهم في جزنيكان وبحركة.
وأبدى أهالي أربيل الشرفاء، جزنيكان وبحركة وغيرها، موقفاً إنسانياً وكوردستانياً مشرفاً عظيما، وسخروا كافة إمكانياتهم لمساعدتهم ولم يتركوهم لوحدهم، وشهامتهم هذه صفحة مشرقة وجميلة من تاريخ كوردستان ولا يمكن نسيانها أبداً، وستظل ما بقي التاريخ موضع الاحترام والتقدير والفخر.
وفي هذه الذكری نكرر هنا احترامنا وتقديرنا لأهالي أربيل، جزنيكان، بحركة والمناطق المحاذية، وكذلك للاجئين الكورد في أوروبا الذين أوصلوا حينذاك أصوات وصرخات المؤنفلين إلی العالم.
وخلال هذه الجريمة اللاإنسانية استشهد الآلاف منهم ولم يتم العثور علی رفاتهم. ولحد اليوم بقي رفات ۲۱ شهيداً منهم في أربيل الذين وجدوا في مقبرة جماعية، ولم تنته الإجراءات الطبية والقانونية للتعرف عليهم. وأدعو الأطراف المعنية وذوي المؤنفلين أن يقوموا معاً بكافة التسهيلات وأن يجروا كافة فحوصات الدم المطلوبة والـ (DNA)، ليتم التعرف عليهم وإعادتهم باحترام في مراسم إلی بهدينان وأن يواروا الثری.
اليوم نقوم خلال هذه المراسم بدفن ثلاثة عشرة رفاة لشهداء أنفال بهدينان الذين تم العثور علی رفاتهم في مقبرة جماعية .
أيها الحضور الكرام ...
انطلاقاً من اعتقال وقتل وتشريد أخواتنا وإخواننا الفيليين، ولغاية الوصول إلى أنفلة البارزانيين والقصف الكيميائي على مدينة حلبجة وعمليات الأنفال في منطقة كرميان وخوشناوتي وبهدينان ومن ثم عمليات القتل الجماعي التي طالت أخواتنا وإخواننا الإيزديين وقتل وتشريد كافة المكونات الدينية والقومية لشعب كوردستان، إنما هي نتاج عقلية واحدة. العقلية التي لا تقدر على قبول التعايش، التسامح، والتنوع الديني والقومي. بيد أنه ومن خلال صمود ومقاومة شعب كوردستان، وبشجاعة بيشمركة كوردستان، بقي شعب كوردستان بكافة مكوناته الدينية والقومية صامداً وسيظل كذلك.
بعد كل هذا الظلم والاستبداد وكل هذه الأسلحة والهجمات التي شنها الأعداء على هذا الوطن، لم يقدروا على التفريق بين شعب كوردستان والتعايش، شعب كوردستان وتنوعه الديني والقومي. بقي شعب كوردستان صامداً واثبت للجميع بأنه شعب مسالم ويحب الحياة والإنسانية. وأثبت للجميع أنه ليس بمقدور أية قوة أوأسلحة أو ضغط أن يفرق بيننا وبين السلام، بيننا وبين التعايش.
بهدينان الحبيبة، بهدينان الزاهية، بهدينان التعايش والاستقرار، بهدينان الملتزمة بالقانون والمصالح العليا لشعبنا، بهدينان المقاومة والصمود، بهدينان مفتوحة الأبواب والقلوب دائماً لأي إنسان قصدها، بهدينان الأبطال والشهداء، أفضل نموذج للتعايش وحب الحياة والسلام في كوردستان.
اليوم، في الأول من أيلول (اليوم العالمي للسلام) وفي الوقت الذي نقوم باستذكار واحدة من أكبر المآسي والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفت ضد شعب كوردستان، في الوقت الذي نقوم باستذكار عملية القتل الجماعي لشعب، نبعث برسالة سلام وتعايش للعالم. نحن شعب مسالم. نريد أن نعيش على أرضنا بحرية وسلام.
في اليوم العالمي للسلام نؤكد للجميع أن إقليم كوردستان سيبقى كما كان مكانا للتعايش والسلام، ورسالة الحكومة وأهالي الضحايا وشعب كوردستان كافة هي أن التعايش الموجود في كوردستان سيستمر.
وفي هذه الذكرى أود أن أدعو الحكومة العراقية لأن تقوم بواجبها الدستوري، القانوني والأخلاقي تجاه ذوي الضحايا والمؤنفلين وأن تقوم بتعويضهم من الناحيتين المادية والمعنوية. وعلى برلمان وحكومة العراق الالتزام بقرار المحكمة الجنائية العراقية العليا التي عرفت الأنفال كعمليات (القتل الجماعي، الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب).
هذا القرار للمحكمة والمادة (132) من الدستور العراقي يلزم الحكومة العراقية أن تقوم بتعويض المناطق التي تعرضت للأنفال، وكذلك عليها أن تؤمن حياة عوائل وذوي الضحايا، بيد أنه لحد الآن لم يقم العراق بأداء واجبه أمام إقليم كوردستان لا بموجب هذا القرار للمحكمة الجنائية العراقية العليا ولا بهذه المادة الدستورية!.
على الحكومة العراقية والبرلمان العراقي الالتزام بهذه المسؤولية وأن يتم تعويض ذوي الضحايا مادياً ومعنوياً. وكذلك يجب أن يكون هذا الطلب جزءً رئيسا من حوارات إقليم كوردستان لتشكيل الحكومة العراقية القادمة وأن يكون إحدى الواجبات الأساسية لبرلمانيي إقليم كوردستان في المجلس الوطني العراقي الجديد.
أيها الأعزاء من ذوي المؤنفلين
إن حكومة إقليم كوردستان مطلعة بشكل جيد على أوضاعكم وإن خدمتكم هي إحدى أولويات الحكومة. وإن تشكيل وزارة باسم وزارة شؤون الشهداء والمؤنفلين لهو مؤشر على اهتمام الحكومة بسير حياة ومستقبل هؤلاء الأعزاء. ولحد الآن قدمت الحكومة ما استطاعت ولم تقصر! لكننا نعلم جيداً أن هناك الكثير من الخدمات يجب أن تقدم لكم، والتي قدمت لكم لحد الآن، أقل بكثير من التي نريد أن نقدمها لكم، لأنكم تستحقون كافة الخدمات .
أود أن أؤكد لكم أن حكومة إقليم كوردستان سوف لن تقصر فيما تقدر عليه لصالحكم. وسوف نستمر في محاولاتنا مع الحكومة العراقية بغية تعويضكم. وعقب قرار البرلمان العراقي بتوحيد حقوق ومستحقات ذوي الأنفال والشهداء مع الشهداء العراقيين، تقرر تشكيل لجنة من مجلس وزراء إقليم كوردستان للتحاور مع بغداد بهذا الشأن، أرجو أن يتوصلوا إلى نتائج جيدة من أجل ذوي الشهداء والضحايا .
وعلى المستوى الدولي يجب القيام بعمل أفضل من أجل تعريف عمليات الأنفال والقصف بالأسلحة الكيميائية والاعتقال والانسياق نحو المصائر المجهولة لآلاف مواطني كوردستان بعمليات الإبادة الجماعية. ومن أجل ذلك وكذلك ملف الإبادة الجماعية لأخواتنا وإخواننا الإيزديين، سوف تستمر حكومة إقليم كوردستان في بذل كافة جهودها لتقوم المحكمة الدولية بتعريف هذه الملفات بملفات الإبادة الجماعية وبغية الحيلولة دون وقوع مثل هذه الفاجعات ضد شعبنا مرة أخرى.
أيها الحضور الكرام
الأهالي الصامدون لبهدينان...
أنا أسمع في بعض الأحيان بأن دهوك أو بهدينان قد تم إهمالها، إن دهوك وبهدينان كانتا دائماً خندقاً عصياً أمام الأعداء وستظل كذلك نفس الخندق الذي نعتمد عليه. أنا أؤكد لكم أن دهوك وبهدينان في قلوبنا دائماً. أنا أطمئنكم أن الأيام العصيبة قد ولَت وأن الأيام المشرقة بانتظارنا. ولا يمكن نسيان مواقفكم في الأيام العصيبة. وإن نضالكم وصمودكم وصمود المدن الأخرى لكوردستان يفتح الطريق أمام مستقبل مشرق ووضاء لشعبنا.
نحن نعيش هذه الأيام في وضع حساس. وإن توحيدنا ورص صفوفنا هو مفتاح باب مستقبلنا المشرق المليء بالإباء. نحن أصحاب قضية عادلة، ونحن مستعدون لأي احتمال وكيفما نجحنا في السابق، سننجح اليوم. نحن نحب السلم والحوار ونرى هذا السبيل أفضل من أي سبيل آخر لمعالجة كافة مشاكل ومعوقات كوردستان، ولكن في الوقت نفسه نحن مستعدون للدفاع عن مكتسباتنا، نحن أقوياء معاً وسنظل مع بعض.
وفي الختام، تحية واحترام للأرواح الطاهرة للشهداء، شهداء الأنفال وكافة الشهداء الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن أرض كوردستان.