وسط صمت وإهمال من الحكومة العراقية
وسط صمت وإهمال من الحكومة العراقية ، تتعالى أصوات أهالي محافظة البصرة العراقية المحتجَّة، والتي تتهم إيران بتلويث شط العرب من خلال نفايات المصانع والمفاعلات النووية التابعة لها جرّاء مخلَّفاتها التي تؤثر على المياه في البصرة؛ ما تسبَّب في ارتفاع معدلات تلوث المياه وتسمم المواطنين.
ومنذ أواسط شهر يوليو/تموز الماضي، تستمر الاحتجاجات في البصرة والعديد من محافظات وسط وجنوب العراق، للمطالبة بالخدمات وتحسين الأوضاع المعيشية.
وأعلنت مفوضية حقوق الإنسان، في الـ 30 من أغسطس/آب الماضي، عن توثيق 18 ألف حالة مرضية في البصرة ، من الفئات العمرية كافة ، فيما شملت بعض الحالات عائلات بأكملها نتيجة تلوث المياه ، مؤكدة تسجيلها ما يقارب 1200 حالة يوميًا في عموم المحافظة.
وقدم مجلس محافظة البصرة، الأربعاء الماضي، مشروع قرار لإعلان المناطق التي تُعاني من أزمة الملوحة وتلوث المياه، مناطق كارثة، وفق القانون رقم 44 لسنة 2013، بهدف أن يترتب عليها الآثار القانونية المنصوص عليها في القانون المدني.
ويرى مراقبون بأن التظاهرات والاعتصامات المستمرة في البصرة للمطالبة بتحسين الخدمات واتخاذ إجراءات كفيلة بتجاوز أزمة المياه وتفشي الأمراض والأوبئة بالمحافظة ستتسع خاصة مع تجاهل الحكومة المحلية والمركزية لمطالب المتظاهرين المشروعة، والتضييق الأمني عليهم .
وبالإضافة الى تردي الكهرباء وشيوع الفساد يندد متظاهروا البصرة بالإهمال الحكومي الذي قاد الى ارتفاع نسبة الملوحة في مياه الشرب بالبصرة التي تعد المنفذ البحري الوحيد للعراق.
نفايات إيران ومفاعلاتها النووية
ولم يكن تلوث مياه البصرة، وليد اللحظة، الا أن الأمر تفاقم بسبب الإهمال الحكومي العراقي، وعدم إيجاد حلول جذرية لحل مشاكل الملوحة، وتحول تلك المياه إلى مصب للمياه الإيرانية، المحملة بالملح، والنفايات الكيماوية، وتأثيرات المفاعلات النووية عليها.
وقال عضو مجلس محافظة البصرة كريم الشواك، إن “إيران دولة تعمل على مراعاة مصالحها، وتحتفظ بالمياه داخليًا كونها تملك أراضي زراعية ومحطات توليد كهرباء ومصانع”.
موضحاً ، أن “مخلفات المياه لهذه المعامل والمصانع تذهب إلى العراق عن طريق الأحواز وشط العرب، وهذه المياه تحمل مواد ملحية وحشرات ضارة وخاصة تلك التي تخرج من مصانع قصب السكر”.
وأضاف الشواك أن “حاجة مركز محافظة البصرة من المياه فقط وفق دراسة إيطالية تم إعدادها بوقت سابق تصل إلى 50 م مكعب في الثانية خاصة في لسان شط العرب لكي تتمكن من دفع لسان الملوحة باتجاه البحر”، موضحًا أنه “في الوقت الحاضر، لا تتجاوز المياه 30م مكعب في الثانية وهي غير كافية للبصرة”.
وتشكل النفايات والمخلفات الحربية والنباتية في شط العرب من الجانب الايراني الجزء الأكبر من هذا التلوث، والذي دفع الحكومة العراقية قبل بضع سنوات إلى الاحتجاج على الكارثة البيئية التي تسببها ايران للعراق، عن طريق تحويل مجرى نهر “الكارون”، والذي كان يمد شط العرب بكميات كبيرة من المياه، لكن جرى التعتيم على القضية بسبب ضغوط مارستها أحزاب موالية لايران.
وبحسب مصادر محلية في البصرة ، فإن، “نشاط إيران النووي المستمر، خلال الفترة الماضية والحالية، ساهم كثيرًا في تفاقم تلوث مياه شط العرب”.
وأكدت المصادر، أن “إيران لا تزال تواصل إلقاء نفايات مفاعل بوشهر النووي في المياه الواصلة إلى العراق، مع قلة الإطلاقات المائية عبر نهر الفرات ودجلة؛ ما تسبب بملوحة شط العرب، إلى جانب نفايات المصانع الكيماوية الإيرانية الأخرى”.
وأوضحت المصادر ذاتها، أن “نسبة التلوث في شط العرب، وأنهار البصرة، أكثر من 80% كما أكدت تجارب مختبرية أجرتها الحكومة المحلية في البصرة قبل مدة قليلة، أن الوضع يحتاج إلى أكثر من 20 عامًا لمعالجة نسب التلوث”.
وعلى الرغم من أن البصرة، تعتبر مركز صناعة النفط العراقي واحدى اغنى مدن العالم، إلا ان بنيتها التحتية في اسوأ حالاتها رغم مرور 15 عاما على سقوط النظام السابق عام 2003.
قطع مياه نهر الكارون
ومنذُ عام 2002 بدأت إيران بإنشاء سدود على نهر “الكارون” الذي يقع في الأحواز المتاخمة للحدود العراقية؛ ما أدّى لانخفاض كميات المياه الواصلة لشط العرب، مع تحوّل مسار النهر ليصب في نهر آخر داخل الأراضي الإيرانية؛ ما أدى إلى تراجع في منسوب مياه الشط وارتفاع نسبة التلوث والملوحة.
وقال خبير ومفاوض في دائرة الموارد المائية بالبصرة، إن “الجانب الإيراني لطالما كان مراوغًا في المفاوضات التي تجري بيننا خلال الفترة الماضية، بعد موجة الجفاف التي ضربت العراق، بشأن فتح مياه نهر الكارون على شط العرب لتقليل اللسان الملحي الذي بدأ يزحف ويأخذ مساحة واسعة من المياه الداخلة للبصرة”.
مضيفاً ، أنه “لا توجد نوايا حسنة من قبل الإيرانيين، فهم يعدوننا بأشياء جيدة خلال المفاوضات ويتم فتح النهر على العراق، وحينما نعود للبلاد، يتم إغلاق النهر، وهذا الأمر يتكرر في كل جلسة تفاوضية، في الحقيقة هم لا يعنيهم ما يحدث أو ما تشهده البصرة، بقدر إنجاح مشاريعهم”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن “معدلات مياه نهر الكارون التي كانت تتدفق على شط العرب، في الثانية 765 مترًا مكعبًا في الثمانينيات، لا تتجاوز حاليًا 50 مترًا مكعبًا، كما أن تكدّس النفايات الكيماوية والعضوية أثر بشكل واضح على تلك المياه، في الوقت نفسه لم نجد أي تدخل من قبل السلطات العراقية لمنع ذلك”.
كارثة إنسانية وإهمال حكومي
وقال أطباء، إن “الوضع الصحي في البصرة يتجه إلى الكارثة، وقد تتحول الإصابات جراء التلوث إلى أوبئة لا يمكن السيطرة عليها، ويحتاج هذا الأمر إلى جهد حقيقي وكبير على الصعيد المحلي والمركزي، سيما بعد توقف ضخ المياه في عدد من المشاريع المائية الكبيرة، بعد اكتشاف وجود طحالب سامة فيها”.
ومن الأمراض التي ارتفعت الإصابة بها الأورام السرطانية والفشل الكلوي، وفقاً لما ذكره أطباء في مستشفى الفيحاء وسط مدينة البصرة ، مؤكدين أنهم يتلقون على مدار الأسبوع حالات مرضية أغلبها التسمم والسرطان، وتعتبر البصرة من أكثر المدن تسجيلًا للإصابة بهذه الأمراض الخطيرة.
ويرى نشطاء بصريون، أنّ استمرار أوضاع البصرة مثلما هي عليه الآن، سوف يدفع المدينة إلى الموت سريعًا، فيما اعتبروا إيران أبرز أسباب خراب البصرة ودمارها، في أكثر من ناحية، آخرها رمي نفايات خطيرة تُسبب أمراضًا في دولة جارة.
وقال الناشط والمدون نسيم شهاب: “اعتقد أن الأعراف الدولية ترفض كل ما تفعله إيران في البصرة، سيما ما يتعلق بالنفايات النووية التي تحملها المياه الداخلة إلى البصرة”.
معلقاً: “يبدو أننا في البصرة، كنا نتجرع السم طوال السنوات الماضية، دون أن نشعر، وأن السكوت عن تلك الكوارث، من قبل المسؤولين يجعلهم شركاء في هذه الجريمة التي نتعرض لها، الفساد أوصلنا إلى هذه المرحلة، لو كانت لدينا حكومة شجاعة لوقفت بوجه إيران، وأوقفتها عند حدها ومنعتها من إيذاء البصرة”.
واتهمت وزارة الموارد المائية العراقية في عام 2010، طهران بقطع عشرات الروافد المائية عن العراق، وقذف مياه البزل المالحة والثقيلة في شط العرب، والتي أدت إلى انخفاض منسوب المياه، بشكل كبير خلال السنوات اللاحقة، ما أدى إلى ارتفاع الملوحة، والتي أثرت على الإنسان والحيوان على حدّ سواء.