تصاعد ملفت للجريمة في الجنوب العراقي بشكل لافت
بعد احتجاجات واسعة استمرت لعدة أشهر، يمضي أهالي مدينة البصرة العراقية أيامهم ولسان حالهم يقول: "وكأن مظاهرات لم تقم وكأن وعودا لم تقطع"، وذلك بعد حملة اعتقالات واختفاء قسري واختطاف واغتيال طالت عددا من النشطاء الذين أيدوا المسيرات المناهضة للحكومة.
ففي وضح نهار الثلاثاء، اغتيلت الناشطة العراقية سعاد العلي (46 عاما) في منطقة العباسية بالبصرة، حيث اقترب منها شخص، ثم أطلق الرصاص، عليها بينما كانت تستقل سيارتها، حسبما أظهر مقطع مصور انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وترأست الناشطة القتيلة منظمة "الود العالمي" لحقوق الإنسان التي نشرت على موقعها الإلكتروني صورة لها، يبدو أنها التقطت مطلع الشهر الحالي، أثناء مشاركتها مع مجموعة نساء في مظاهرات البصرة.
وكتب الموقع "شاركت رئيسة المنظمة سعاد العلي أبناء البصرة الذين خرجوا في تظاهراتهم للمطالبة بالحقوق المشروعة، والوقوف جنبا إلى جنب مع إخواننا وأبنائنا وأهلنا في بصرتنا الفيحاء".
وقالت العلي: "إننا أحرار وصامدون لمواجهة الظلم، وسنستمر في المشاركة مهما كانت المخاطر والمعوقات".
ويأتي مقتل العلي ضمن سلسلة استهدافات طالت الحقوقيين المؤيدين للمظاهرات، وكان أعنفها اغتيال محامي الدفاع عن المتظاهرين في البصرة جبار عبد الكريم، في يوليو/ تموز الماضي، بأكثر من 15 طلقة نارية على يد مسلحين "مجهولين" أمام مركز شرطة الهادي وسط المحافظة.
كما لقي ناشطون آخرون مصرعهم بيد مسلحين "مجهولين" في كل من البصرة وذي قار في جنوبي العراق ، ونجا عدد آخر منهم من محاولات اغتيال بأسلحة كاتمة في العاصمة بغداد .
وكانت هيئة الحشد الشعبي في العراق، أعلنت عن تشكيل قوات “التعبئة الاحتياطية”، وذلك تحسبًا لتجدد الاحتجاجات في المحافظة الجنوبية.
وقال قسم التعبئة في الحشد الشعبي فرع البصرة، في بيان، إنّه “تم تشكيل قوات (التعبئة الاحتياطية) ردًا على الأحداث التي شهدتها محافظة البصرة مؤخرًا”.
وعلى الرغم من تأكيد مليشيات “الحشد الشعبي” على الطابع الخدمي والتطوعي لـ”قوات التعبئة” الخاصة بها وادعائها بأن هذا التشكيل “جاء على خلفية الأحداث الأخيرة في البصرة وما جرى من استغلال لمطالب المتظاهرين”، إلاّ أن متابعين يتحدثون عن انتهاكات كثيرة ترتكبها هذه القوات، وصلت حد التصفية الجسدية والاعتقال والتغييب في سجون سرية.
وأصبح وصف "مجهولين" السمة المشتركة للمسلحين الذين ينفذون عمليات الاغتيال ، والخاطفين الذين يستهدفون ناشطين وحقوقيين أيدوا المظاهرات التي نظمت في البصرة ضد الحكومة المركزية، بسبب نقص مياه الشرب النظيفة والكهرباء، وارتفاع معدلات البطالة في المحافظة الغنية بالنفط.
ميليشيات إيران
وكانت وسائل إعلام تحدثت عن إصابة شخص آخر في الهجوم على سعاد العلي، يعتقد أنه زوجها، لكن سرعان ما أصدرت شرطة محافظة البصرة بيانا قالت فيه: "في الساعة 15:30 أطلق المتهم الهارب عماد طالب مبارك النار، وقتل طليقته الدكتورة سعاد حبيب لجلاج العلي الناشطة في منظمة حقوق الإنسان المولودة عام 1972".
وأضاف البيان "أصيبت سعاد بإطلاقة في الرأس، وأصيب سائقها المدعو حسين حسن طعمة الحلفي المولود عام 1987 بطلقة في الظهر عندما كانا يستقلان سيارتها في منطقة العباسية قرب شركة سامسونغ".
وبحسب مصدر حقوقي اشترط عدم ذكر اسمه: ان "رواية الشرطة، وتعمدها ذكر سنة مولدها ومولد سائقها، تسعى إلى تشويه سمعة الناشطة الحقوقية".
وأضاف المصدر أن الميليشيات الموالية لإيران، محددا إياها بـ"عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء" تسلموا "قوائم تصفية" من القنصلية الإيرانية في البصرة تضم عددا كبيرا من النشطاء، مشيرا إلى اختطافهم 14 ناشطا مدنيا.
وشهدت البصرة، التي يقطنها أكثر من مليوني شخص، احتجاجات أضرم خلالها محتجون النار في عدد من المباني الحكومية ومقرات احزاب واخرى لمليشيات الحشد الشعبي المعروفة بولاءها المطلق لايران ، وكذلك القنصلية الإيرانية ، بعد مقتل محتجين في مواجهات مع الشرطة.
ويتهم سكان محليون الحكومة بـ"الفساد"، ويحملونها مسؤولية تدهور البنية التحتية في منطقة غنية بالنفط، وتساهم بنسبة هائلة في ثروة العراق النفطية.
كما وجهوا انتقادات لتدخل إيران في شؤون البلاد.
وتستعد تنسيقيات التظاهرات في البصرة لتنظيم احتجاجات جديدة ، حين الانتهاء من مراسم إحياء عاشوراء.
وقال ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، إنّ “الوضع الحالي في البصرة، مستقر، حتى يوم الـ 13 من شهر محرم ، حيث ستعاود تنسيقيات التظاهرات التحشيد من جديد لمظاهرات بنفس المطالب السابقة”.
"متلازمة المظاهرات"
وقال الناشط الحقوقي العراقي محمد الربيعي في تصريحات صحفية ، إن ما يحدث من عمليات اغتيال وتصفية واختطاف للناشطين ليس جديدا، فعمليات الاختطاف والاغتيال والاختفاء القسري أصبحت متلازمة للتظاهرات.
وأضاف "شهدت بغداد حوادث مشابهة، فمنذ 2015 لم يعثر على الناشطين جلال الشحماني وواعي المنصوري، ولا حتى في السجون".
وكان الناشط وأحد أبرز منظمي مظاهرات ساحة التحرير جلال الشحماني اختطف في سبتمبر/أيلول عام 2015 من أحد المطاعم وسط بغداد، من قبل "مسحلين مجهولين"، في وضح النهار، ولا يزال مصيره مجهولا.
لكن الجديد فيما يحدث في البصرة، بحسب الربيعي، أن الأجهزة الأمنية أصبحت تتحدث عن "سلامة الناشطين المختطفين لدى الجهة الخاطفة"، واصفا ذلك بـ"التصعيد الذي تقوم به عصابات منظمة، وتتخذ من البصرة ملاذا آمنا لها".
وعن اعتقاده فيمن يقف وراء اغتيال ناشطة البصرة سعاد العلي، قال: "لا أعلم، لكن الجريمة تتصاعد في الجنوب بشكل لافت".