بعد سبع سنوات على مقتله.. تفاصيل جديدة عن هوية قتلة القذافي
متابعة/.. تحل السبت المقبل الذكرى السابعة لمصرع الزعيم الليبي معمر القذافي في ظروف وتفاصيل لا تزال ضبابية، فلا روايات نهائية وحاسمة بشأن مقتله، ليظل السؤال القديم مطروحا، هل تم اغتياله بناء على أوامر خارجية أم قتله المسلحون في "لحظة غضب"؟
سرت.. آخر المعاقل
جوا وبرا، وجد القذافي والمقربون منه أنفسهم معزولين في مدينة سرت الساحلية، آخر المعاقل الموالية للقائد الليبي، فراحوا يتنقلون بين البيوت المهجورة، هربا من قصف الناتو وحصار ميليشيات قادمة من مصراتة وبنغازي ومناطق أخرى.
صباح يوم 20 أكتوبر 2011، أمر معتصم القذافي، نجل الزعيم الليبي، جميع الموالين له سواء كانوا مدنيين أو عسكريين في المدينة، بمغادرة المنطقة الثانية بسرت، حيث كانوا يقيمون، ليخرجوا في قافلة من نحو 50 سيارة مدججة بالأسلحة.
وفي هذه اللحظة، أصاب صاروخ عنقودي وقنابل عدة أطلقها حلف الناتو القافلة، مما أدى إلى تدمير السيارات، واحتراق وتفحم العشرات من مقاتلي القذافي.
تحركت السيارات الناجية من ضربة الناتو بضعة مئات من الأمتار إلى الغرب، لتجد نفسها في مواجهة ميليشيا قدمت لتوها من مصراتة، ليشتبك الطرفان، بينما فر القذافي وعدد من الناجين الآخرين.
إلى أين؟
يقول مصدر كان مسؤولا في المجلس العسكري بمصراتة عام 2011، إن القذافي كان موجودا في مدينة سرت (موطنه الأصلي)، وأن ميليشيا من مصراتة كانت تقتفي أثره بمحاذاة ساحل البحر، قبل أن يعتقل بعدما حاول مع الناجين الهروب من ماسورتي صرف صحي تحت طريق رئيسية قريبة من مجمع فيلات محاط بأسوار، على مقربة من موقع حيث كان القذافي ومقاتليه يقيمون.
وعلى عكس تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تحدث عن أعمال ضرب وحشي، ثم إعدام للعشرات، ارتكبته ميليشيات مصراتة بحق القذافي وعناصر قافلته، قال المصدر: "حاول الثوار أن يسعفوه، أن يبقوه حيا، لم يقتل شخص بعينه القذافي".
لكن مقطع فيديو صور بكاميرا هاتف خلوي، اطلعت عليه هيومن رايتس ووتش، يوثق 3 دقائق و38 ثانية، بعد القبض على القذافي، ويناقض الحديث السابق.
ويظهر المقطع أن مقاتلي الميليشيا بدأوا في تعذيب القذافي فور القبض عليه، إذ كان الدم يتدفق بغزارة من جرح في رأسه من شظية.
ووُضع القذافي على طريق رئيسية في موقع القبض عليه، ثم طعنه أحد رجال الميليشيا في مؤخرته، بما يبدو أنه سكين سونكي، مما أدى لجرح نازف آخر، بحسب تحليل هيومن رايتس ووتش لمقطع الفيديو الذي اطلعت عليه.
وأضاف "كان لدينا تفويضا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية المدنيين من هجمات القوات الموالية للقذافي.. نفذ الناتو هذه العملية بنجاح في ظل ظروف صعبة".
لكن من أبلغ ميليشيات مصراتة بمكان القذافي؟
يقول المصدر إن الميليشيات كانت على علم بأمر قافلة لمسؤولين قريبين من القذافي في سرت، ثم عرفوا أن القذافي نفسه ضمن القافلة فبدأوا في التحرك لمطاردته، ثم كان الصاروخ العنقودي الذي أطلقته طائرات الناتو سبيلا لهم لمعرفة الطريق الدقيقة للقذافي وقافلته.
وعما أثاره مسؤول العلاقات مع أجهزة الأمن الخارجية في المجلس الانتقالي حينها، رامي العبيدي، بشأن اتصال هاتفي أجراه القذافي مع أحد أتباعه، كان لاجئا في سوريا، أدى إلى تحديد مكانه بدقة، وأن الرئيس السوري بشار الأسد هو من نقل رقم الهاتف إلى "المخابرات الفرنسية"، قال المصدر: "لا علم لدي بذلك".
حاولنا الاتصال بالعبيدي للوقوف على التفاصيل الدقيقة التي ظل صامتا بشأنها منذ أن صرح بهذه المعلومة لأول مرة في 2012 لصحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية، لكنه لم يرد.
ما علاقة قطر؟
إلقاء بن جريد المسؤولية "المباشرة" على ساركوزي لا ينفي مسؤولية حلف شمال الأطلسي، بحسب ما قال، مضيفا "الناتو كان يريد من ليبيا القذافي فقط، والدليل عدم اقترابه من البلاد منذ اغتياله". ويؤكد "الميليشيات كانت على تواصل بالناتو، الميليشيات كانت بمثابة رجال الناتو على الأرض".
وتابع "ميليشيات مصراتة كان لها دور في هذه الواقعة، كانت جزءا من لعبة مخابراتية دعمتها دولا عربية، على رأسها قطر". وكانت التقارير الأولية عن اعتقال القذافي وقتله بلغت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاري كلينتون، خلال زيارة تقوم بها للعاصمة الأفغانية كابل، حيث جلست للتو لمقابلة تلفزيونية. فقالت وهي تنظر إلى هاتف لأحد مساعديها، قبل أن تلاحظ التقارير: "يا له من خبر رائع".
ويتذكر الجميع رد فعل كلينتون فور وردود أنباء مقتل القذافي، حين ارتفعت ضحكتها وقالت لمذيعة قناة سي بي إس: "أتينا، رأينا، مات"، على نمط المقولة الشهيرة للقائد الروماني يوليوس قيصر "أتينا، رأينا، انتصرنا".
وقبل يومين فحسب من الاغتيال، قامت كلينتون بـ"جولة انتصار" في العاصمة الليبية طرابلس. وقال محمد إسماعيل، أحد كبار مساعدي سيف القذافي ومبعوثه إلى الغرب، لصحيفة "نيويورك تايمز" في 2016 إن الأميركيين حينها "أرادوا فقط التخلص من القذافي".. لكن كيف؟
في أبريل 2011، قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إن الدوحة "مهمة" لنجاح التحالف الدولي في ليبيا، مشيدا بالدولة الخليجية التي أكدت أنها تمد السلاح للمتمردين الليبيين، بغرض الإطاحة بالقذافي.
أين قُتل القذافي؟
يقول العميد سويسي بن جريد، الذي كان حينها آمر المنطقة الخلفية في باب العزيزية: "القذافي عُذب في سرت، صُفي في سرت، بعد أن قصفه الناتو أولا". ويقول مدير العمليات الأمنية في سرت آنذاك سالم الجحي: "كان هناك تحركا لمجموعة من السيارات" في إشارة إلى قافلة القذافي "من المربع رقم 2 في سرت، أغلقنا المداخل من رقم 2 وحتى مناطق سرت المختلفة".
ومضى يقول: "رصدنا هذه الحركة غير الطبيعية من المنطقة المحاصرة، عبر بلاغ، في الرابعة فجرا، يفيد بأن قوة تريد أن تتحرك من هذا الاتجاه، لا أحد كان على علم بأن القذافي في هذا الموكب".
ويضيف "على الأقل، الأطراف الليبية لم تكن على علم بمكان القذافي، ربما كان الناتو على علم بذلك (..) استهدفت طائرات الناتو القافلة، فترجل أفراد موكب القذافي".
ويكمل مدير العمليات الأمنية في سرت "حدث ذلك في الوقت الذي خرجت فيه قوة تشكيلات قتالية مسلحة من مصراتة وراحت تنتشر شرق وغرب سرت التي كانت المعقل الأخير للقذافي، أعتقد أن الصدفة لعبت دورها في عثورهم على القذافي".
وتابع "كنت في قلب الحدث، لكن المعلومات كانت متضاربة، والأمور متداخلة، قوى شعبية ومجموعات مسلحة تضم أكثر من 17 ألف عنصر وفدت إلى سرت، لا أحد يعلم كيف وقع القذافي في قبضة تلك المجموعات".
"إصابة بسيطة جدا في الوجه"
ويستكمل "القذافي كان مسنا ومريضا أصلا، لكن لا أعتقد أنه توفي متأثرا بإصابته من قصف الناتو، فالإصابة في وجهه كانت بسيطة جدا، هو قُتل فيما بعد، لكن لا أعلم كيف ومن قتله؟".
وفيما يتعلق بلقطات الفيديو التي تكشف ضربا وحشيا من عناصر ميليشيات مصراتة للقذافي المصاب، قال الجحي: "تعذيب التشكيلات المسلحة للقذافي لم يكن مخططا، كانت الفوضى تسيطر على الوضع، كانوا شبانا صغارا يحركهم الإعلام والأجندات".
"اغتيال داخل سيارة الإسعاف"
ويتفق رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا حينها محمود جبريل مع قالته مصادر سابقة بشأن "الجهات الخارجية"، قائلا إن أطرافا عدة كان من صالحها أن يصمت القذافي للأبد، "كانت مخابرات دول كثيرة تعمل على الأرض".
وأضاف "القذافي كان يعرف الكثير من الملفات والخبايا عن دول عدة وعلاقاتها". وعن ضرب المقاتلين للقذافي، قال: "ما حدث لا يقره دين أو عرف أو قانون، لكن كانت حالة الفوضى والانفلات سائدة". وفيما يتعلق بعدم خضوعهم للمحاكمة، قال: "الدولة كانت منهارة، ولا توجد مؤسسات، من سيقوم بمحاكمتهم؟ رئيس أركان جيش التحرير الوطني الليبي خلال ثورة 17 فبراير، عبد الفتاح يونس، اغتيل في يوليو 2011 (أي قبل مقتل القذافي) وحتى الآن لم يحاكم قاتليه".
وعن واقعة اغتيال القذافي، قال: "كنت في العاصمة طرابلس، ما أعرفه أنه اغتيل وهو في عربة الإسعاف التي نقلته من سرت لمصراتة، الطبيب الشرعي قال ذلك، اغتيل أثناء تبادل لإطلاق النار". وتقول هيومن رايتس ووتش، بعد إطلاع "قصير" لأحد باحثيها على جثمان القذافي في 21 أكتوبر، إنه "ظهر بوضوح جرح ناجم عن رصاصة دخلت في الجانب الأيسر من جبين القذافي، ولم تشاهد دلائل على وجود جرح آخر لخروج الرصاصة على الجانب الآخر". وبعد مرور 7 سنوات على مصرع العقيد، تظل ظروف وتفاصيل مقتله ضبابية، لا روايات نهائية وحاسمة بشأنها.. ربما كان ذلك مقصودا من قبل الجهات المسؤولة عن اغتياله. انتهى6
المصدر: سكاي نيوز