بقلم:باسل عباس خضير
أعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، ( الأحد الماضي ) عن موافقة المجلس على مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019 ، وذكر بيان للأمانة، تناقلته وكالات الإنباء ، إن مجلس الوزراء وافق على مشروع الموازنة العامة الاتحادية لجمهورية العراق للسنة المالية 2019 مبيناً انه تمت إحالته إلى مجلس النواب ، وأضاف البيان ، إن الإحالة تمت استناداً إلى أحكام المادتين (61/ البند أولا و80 / البند ثانياً ) من الدستور العراقي .
ويبدو الخبر اعتياديا من الوهلة الأولى ولا غبار عليه ، ولكنه ليس كذلك قط فمشروع الموازنة الذي تم تمريره بطريقة الاستنساخ والنقل الحرفي قد يصلح لان يكون قانونا لموازنة حكومة العبادي ولكنه لا يصلح لحكومة عادل عبد المهدي من جوانب عديدة ، أبرزها إن الأولويات والأسبقيات التي وعد بها المهدي في حكومته تختلف اختلافا كبيرا عن سابقه ، فالموازنات التي أعدها العبادي خلال مدة رئاسته لمجلس الوزراء هي لمقارعة داعش وتحرير كامل الأراضي المحتلة وإعلان النصر النهائي على الأعداء ،ولهذا فقد كانت موازنة تقشف وهدفها توفير متطلبات المعارك المقدسة إلى حد كبير لدرجة السماح له بتوسيع القروض وزيادة المديونية الداخلية والخارجية ، كما إن منهاج وبرنامج الحكومة الحالية تختلف عن سابقاتها من حيث توسيع التخصيصات الاستثمارية ومعالجة نقص الخدمات والشروع بالتخلص التدريجي من الاقتصاد ألريعي من خلال زيادة الإنتاج المحلي الإجمالي وتنمية الصادرات لإجراء جانب من المعالجات في ميزان المدفوعات وزيادة حجم الناتج والدخل القومي وغيرها من التفاصيل التي اضطرته لإجراء مشاورات عديدة عند اقتراح وزراء حكومته مع الكتل والكيانات السياسية لغرض إعطائه الهامش المطلوب من المرونة ليكون جانبا مهما من حكومته مبنيا على أساس ( التكنوقراط ) والخروج من قاعدة المحاصصة والاستحقاقات التي سادت خلال تشكيل الحكومات السابقة .
ومن خلال مقارنة بسيطة بين مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 التي أعدتها حكومة العبادي مع مشروع قانون الموازنة التي أحالها مجلس الوزراء الحالي على البرلمان لم نجد فروقات من حيث الأهداف والاستراتيجيات وغيرها من المؤشرات مع موازنة 2018 مما يدل بان القانون الحالي لم تجري أية تغييرات عليه ، وقد يكون النقص في التشكيلة الوزارية ( بواقع 8 وزراء ) والحرص على تقديم الموازنة بموعدها الدستوري ( 15 أيلول من كل سنة مالية ) من الأسباب المهمة في استعجال تقديم الموازنة بشكلها الحالي الذي ربما سيوفر مادة دسمة للمناقشات في جلسات مجلس النواب سيما فيما يتعلق بحصة إقليم كردستان والأعباء التي فرضت على المواطن كزيادة ضريبة العقار إلى 12 % وعدم الإيفاء بالوعود التي تم تبنيها في زيادة عدد الدرجات الوظيفية وتقليل البطالة ومعالجة الاختناقات في الخدمات وغيرها من الأمور العديدة التي تضمنها البرنامج الحكومي للأربعة سنوات القادمة والتي أوقفت التظاهرات في بعض المحافظات بانتظار رد الفعل على الفعل .
ومن الأمور التي ينظر لها المختصون وعموم الشعب في قراءتهم للموازنة الاتحادية هي القدرة على معالجة الاختلال في الاقتصاد بشكل جذري وليس عن طريق الترقيع والمناقلات والعائد من الاقتراض والقدرة على خدمة وتسديد القروض بما يقلل المخاطرة ويحدث التنمية المستدامة ويكون ذلك من خلال حسابات متخصصة تهدف لزيادة العائد وتشغيل القطاعات الاقتصادية المختلفة لزيادة الناتج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد كلما أمكن ذلك ، آخذين بعين الاعتبار توفر العديد من وسائل الإنتاج الوطني من الأيدي العاملة (متدنية الأجور مقارنة ببعض دول العالم ) وتوفر العديد من المواد الأولية إلى جانب المساحة والبيئة والمياه ( عند استخدامها بشكل كفوء ) وتوفر الأسواق التي يعدها البعض من ابرز عوامل النجاح في العراق ناهيك عن عوامل أخرى لا مجال لذكرها هنا بالتفصيل ، وبوجود هذه العوامل ( مجتمعة أو بعناصرها الأساسية ) التي هي نقاط قوة لأي اقتصاد يفترض وجود تشريعات مشجعة تدعم المنتج المحلي وتمنع منافسته بشكل تسقيطي أو مقصود ، فضلا عن تقديم الدعم بإشكاله المختلفة لإنشاء قوة اقتصادية تقلل من ظاهرة الاقتصاد أحادي الجوانب وبما يغطي جزءا أو كلا من الاحتياجات الفعلية ويفتح آفاقا لدخول الأسواق العالمية للحصول على العملات الصعبة أو من خلال إتباع سياسات المقايضة لتقليل خروج العملات من الدولار .
ولعل من الغريب فعلا أن نجد نصا في مواد مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 وضمن المادة 25 ورد فيه (( تلتزم الوزارات الاتحادية والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات بشراء احتياجاتها من منتجات الوزارات الاتحادية على إلا تقل نسبة القيمة المضافة إلى قيمة الإنتاج لهذه المنتجات المصنعة على 20% وعلى إلا تزيد أسعار منتجات الوزارات عن مثيلاتها المستوردة بنسبة تزيد عن 10% مع مراعاة مواصفات النوعية والجودة وتتولى وزارة التخطيط تحديد القيمة المضافة ومواصفات الجودة والنوعية بشكل سنوي )) ، ووجه الغرابة في هذا النص هو تفرده بذكر الوزارات الاتحادية دون توسيع النص ليذكر ( الإنتاج المحلي ) ليشمل كل ما ينتج محليا وعدم حصر الموضوع بالوزارات الاتحادية ، لان من المفترض إن تكون الموازنة الاتحادية راعية لجميع القطاعات الاقتصادية للبلد وليس الوزارات الاتحادية فحسب ، ومن الناحية العملية فان الناتج المحلي اعم واشمل من كمية ونوعية الإنتاج في القطاع الحكومي فالدولة تسير باتجاه اقتصاد السوق الذي يشمل الإنتاج المحلي عموما كما إنها تشجع تحول القطاع الحكومي إلى الإنتاج المحلي وبذلك يكون النص الحالي مخالفا للمعنى والأهداف والاتجاهات والبرنامج الحكومي الجديد ، لذا من الواجب المبادرة إلى تغييره وتحويله إلى المعنى الصحيح ( الإنتاج المحلي ) لإجراء إصلاح اقتصادي بالقول والفعل وان في ذلك تصويب للأخطاء دون جدل ومناقشات ستظهر فيما بعد ، ونشير بهذا الخصوص بان مدة الموازنة في بلدنا هي سنة كاملة وان بقاء نصوص في القانون عاجزة عن الاستجابة للمتطلبات يعني الانتظار لعام كامل إن تم إقناع المشرع بالتغيير بعد انقضاء هذا الوقت الطويل وخلال هذه المدة قد تحصل العديد من التغييرات سلبا أو إيجاب .
وان مما يثبت سلامة ما ذهبنا إليه وان ذكر تلك العبارة هو جاءت إقحاما بعيدا عن الواقع والتوجهات هو إن نص المادة 27 – أ من قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2017 المنشور بجريدة الوقائع العراقية بالعدد 4430 في 9 / 1 / 2017 قد نص على (( تلتزم الوزارات الاتحادية والمحافظات والجهات غير المرتبطة بوزارة في شراء احتياجاتها من منتجات الوزارات الاتحادية أو المنتج المحلي على أن لا تقل القيمة المضافة لهذه المنتجات المجمعة والمصنعة على 25%من الكلفة الاستيرادية للقيمة المضافة لها وعلى أن لا تكون أسعار المنتجات المحلية أعلى من مثيلاتها المستوردة بنسبة تزيد على 10% مع مراعاة مواصفات النوعية والجودة )) ، وكما يلاحظ من النص الوارد في موازنة 2017 يانه أكثر شمولية وقد أعطى نوعا من الحماية والحصانة ل( المنتج المحلي ) وليس للوزارات فحسب ، ( وتم ذكر هذه المادة في موازنة 2018 بصيغة مرتبكة لأسباب لم يعلن عنها لان الموازنة انشغلت بالصراعات ) ومما لا يشك فيه إن إعادة الحصانة للمنتج المحلي ضمن نص صريح يذكر في الموازنة الاتحادية لعام 2019 سيعطي الاطمئنان للأموال في ولوج القطاعات الاقتصادية والاستثمار بها وهو ما يتطابق مع تصريحات السيد عادل عبد المهدي رئيس مجلس الوزراء الحالي (المعروف بخبراته الواسعة في الاقتصاد ) الذي تعهد بالعمل بكل الجهود الممكنة لجذب الاستثمارات وتعويض المستورد بالمنتج المحلي والمعالجة العملية للمشكلات الاقتصادية في البلاد التي تعاني من ضعف مساهمة وسائل الإنتاج المحلية من خلال القطاعات الاقتصادية المعنية وليس من خلال الوزارات بما يحدث تأثيرا ملموسا في تفعيل الاقتصاد بصب في أهداف الإصلاح والتنمية والبناء.