وارد بدر السالم
سَتقوم مجموعة من الناشرين والكتبيين وأصحاب المكتبات ودور النشر في بغداد بتظاهرة احتجاجية منظّمة أمام وزارة الثقافة العراقية للمطالبة بالتدخل السريع لحل مشكلة جمركية جديدة يواجهها أصحاب المكتبات ودور النشر في العراق. ويأتي هذا الاحتجاج بعدما احتجزت هيئة الجمارك في ميناء الفاو الجنوبي بالبصرة عددا من الحاويات الكبيرة التي تنقل العشرات والمئات من العناوين وبأعداد ألفية كبيرة من الكتب العلمية والأدبية والدينية والفكرية وإخضاعها للتعريفة الجمركية غير المسبوقة منذ خمسة عشر عاما.
ناشرون ومثقفون يشتكون
سابقا كان الاستيراد الكتبي طبيعيا من دون عوائق أو رسوم أو حجوزات. وكانت نسبة الضريبة على الكتب لا تتجاوز 1 بالمئة غير أن الأمر اختلف كثيرا بعد وصول العشرات من الحاويات عبر البحر مؤخرا لأصحاب المكتبات ودور النشر من جهات عربية وخاصة من لبنان وسوريا ومصر، فحُجزت جميعها بدعوى وجوب دفع ضريبة الاستيراد الجديدة البالغة 15 بالمئة، مما يحمّل الكتاب كلفة إضافية تلقي بظلالها على المتلقي القارئ، وتحمّله أضعاف ما كان يتوقعه، وهذا ما يجعل تناول الكتاب فيه صعوبة أولية سيتسبب بها هذا القرار لو تم تنفيذه كما هو عليه. أصحاب دور النشر والمكتبات وجهوا رسالة علنية إلى المسؤولين في وزارات الثقافة والتجارة وهيئة الضرائب وإلى الرأي العام من المثقفين ناشدوا فيها باسم الثقافة والمعرفة مساندة الكتاب العراقي الذي يواجه حملة منظمة من قبل جهات حكومية تحاول اضطهاد ومحاصرة الحركة الفكرية في العراق من خلال فرض ضرائب تقديرية عالية الكلفة على دخول الكتاب إلى العراق على مختلف تصنيفاته (كتب ثقافية، كتب علمية، كتب دينية، وكتب أطفال) من دون العودة إلى بنود القانون العراقي والقوانين الدولية بدعم الكتاب وإعفائه من أي رسوم أو تعريفة جمركية. وقد وزعت العديد من دور النشر نداءات مكثفة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. مثلما ناشد اتحاد الناشرين العراقيين مجلس رئاسة الوزراء بأن يكون عاملا مساعدا في تخفيف العبء الضريبي على الكتاب المستورَد بدلا من هذه النسبة الجديدة التي ترفع سعر التكلفة إلى أضعافها. الغريب أن لجنة مشتركة من وزارة التجارة وهيئة الجمارك أوفدت لجنة “سرية” مشتركة إلى شارع المتنبي لمعاينة أسعار الكتب في المكتبات، لتؤسس على ضوئها ضريبة جديدة لا يُعرف مدى تقديراتها النهائية، على أساس وضْع الضريبة من مشاهدة ميدانية مباشرة يتحكم بها بطبيعة الحال حجم الكتب وليس أهميته المعرفية والثقافية. متناسية أن شارع المتنبي الثقافي هو سوق عرض وطلب وفيه ملابسات كتبية كثيرة ليس أقلها شيوع كتب الاستنساخ لمؤلفات عربية وعالمية، وبالتالي فإن مثل هذه التقديرات لا يمكن أن تكون حاسمة لضريبة ستأتي تبعاتها السلبية على القارئ، وواضح أنّ هذه اللجنة لم تُحسن ضبط الواقع الكتبي على ما يبدو من خلال زيارة واحدة ومشاهدة عيّنات عشوائية من عشرات وآلاف من الكتب.
الكتاب ليس بضاعة
المفارقة أن وزارة الثقافة ليست معنية بهذا الإجراء لأنه إجراء ضريبي تجاري، لكنها الجهة الأكثر صلة بواقع الثقافة والكتب ودور النشر؛ وأصحاب دور النشر يعتقدون أن هناك حملة “منظّمة” لإيقاف المد الثقافي الوطني الآخذ بالاتساع والانتشار عربيا وعالميا؛ ولم تُسمِّ أصحاب تلك الحملة أو الجهات التي تدفع لمحاصرة الكتاب والتقليل من حضوره البارز في الحياة اليومية العراقية. لكن يمكن استقراء واقع الحال العام الذي تهيمن عليه “جهات” حكومية وغير حكومية تنتفع من الضرائب لتمويل أجندتها، كما يبدو من صيغة البيان المواربة، ما جعل الناشرين والكتبيّين يعتبرون هذا الإجراء تعسفيا بحق الكتاب الوارد إلى البلاد التي انفتحت على الحياة الثقافية والمعرفية العامة منذ 2003 ومثل هذا الإجراء سيزيد بالضرورة من كلفة الكتب الواصلة إلى بغداد، وبالتالي سيزيد سعرها أمام مواطن يعيش وضعا اقتصاديا صعبا. خاصة وأن تعامل الجمارك مع الاستيراد الكتبي بهذه الصيغة يجعله محكوما بضرائب تجارية شأنه شأن المواد والسلعة التجارية المستوردة الأخرى. وزارة التجارة وهيئة الجمارك ومجلس الوزراء، هي الحلقات المعنية بجدولة الاستيرادات والتصديرات وفق ضوابطها، لكن أن يُزَجّ الكتاب في هذه المعمعة بتسليعه وفرض الجباية عليه لا ينسجم مع عنوان إشاعة المعرفة والثقافة في المجتمع لا سيما والكتاب بمصنفاته العلمية والدينية والأدبية وكتب الأطفال هو حاجة معرفية وليست كمالية يمكن الاستغناء عنها. ونعتقد أن وزارة الثقافة ستضع المطالب العاجلة على طاولة الانتظار، فهناك وزير جديد سيتسلم مقاليد الوزارة مع بدء هذه التظاهرة.