بقلم:هادي حسن عليوي
أعظم دولتان إسلاميتان.. لا تغيب الشمس عن أراضيهما.. وصلتا من العلم والتقدم ما لم تصله أية دولة قبلهما أو بعدهما في كل أنحاء العالم حتى أوائل القرن الثامن عشر.. فالإسلام أول الأديان التي جعل العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.. وحث المسلمين على شد الرحال لطلب العلم.. ولو كان خلف أسوار الصين.
الإسلام حرم تعذيب ألإنسان.. كما حرم قتل النفس بلا ذنب.. أو اتهامها بتهم باطلة.. كما حرم التمثيل بالجثة مهما كان المقتول.. أو تقطيعها.. أو حرقها.. لكن حكام هاتين الدولتين وهم في أعلى رقيهم.. اتهموا أفضل علمائنا بالكفر والزندقة.. فتم إما قتلهم.. أو نفيهم.. أو صلبهم.. والتمثيل بجثثهم أبشع تمثيل.
نحن في عراق اليوم نعيد إنتاج.. ما قام به خلفاء المسلمين في تلك الدولتين اتجاه علمائنا وعلمهم.. واتجاه فقهائها وفقهم.. ونعيد ممارساتهم.. ونعيد ارتكاب جرائمهم بعد مرور ألف سنة.. وبنفس الأساليب.. على الرغم من تقدمنا.. ومواكبتنا التطور العالمي.. وأخذنا للديمقراطية الحديثة.. وإدارة الدولة.. وقد نستخدم أحدث التقنيات في الكثير من أعمالنا.. بل أحدث التقنيات يلعب بها أطفالنا.
حالات كثير استخدمها أسلافنا باسم الإسلام.. نعيد إنتاجها اليوم.. والكثير منا موافقون.. بل الكثير من عمائمنا تجد الفتاوى لتبرير جرائم ارتكبناها سابقاً حكام هاتين الدولتين.. ونعيد إنتاجها اليوم فرحين بانتصاراتنا.. على “الكفر والإلحاد”.
ـ أبو حنيفة النعمان (699-767م).. أفتى بأنّ الثورة على مُلك الأمويين جائزة شرعًا.. ورفض أبو حنيفة التعاون مع الخليفة أبو جعفر المنصور.. فأمر المنصور بحبسه وجلده عشر جلدات يوميا.
ـ ابن المقفع (724 ـ 759م).. في رسالته المُعنونة “رسالة الصحابة” لا يقصد بها صحابة رسول الله (ص).. بل بطانة الحاكم.. وأرسلها الى أبو جعفر المنصور بكثير من المدح والحذر.. “من ناصح أمين لا يُريد غير الإصلاح”.. يطرح ابن المقفع الى أبي جعفر المنصور خطة إصلاحية متكاملة أمام الفساد الذي ينخر دولته الفتية.. وتدل الرسالة على عبقرية مبكرة.. وجدً المنصور في (رسالة الصحابة) إنذاراً بوجود أدمغة واعية في المجتمع.. فاتهم ابن المقفع بالزندقة.. وبأمر أبو جعفر المنصور قتله سفيان بن معاوية والي البصرة.. حيث قام بصلبه.. وتقطيع لحمه قطعة.. قطعة.. وشيها في النار.. أمام ناظريه.!
وها نحن في العراق الديمقراطي اليوم.. نكمم أفواه مثقفينا.. نهمش علماءنا.. ونجوعهم.. والمريض منه لا نساعد في علاجه.. ويتم تصفية من لا يعجبنا منهم.. ونختطف من نريد.. ومن يدعي إن هناك فساداً في مؤسساتنا.. فنكتم صوته بكل التقنيات الحديثة.. ومن نجا يهرب بجلده مهاجراً.. وقد يتلقفه اليمُ في أحد البحار أو المحيطات.. أو ينقذه “الكفرة” !!.
ـ أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (805 – 873م) برع في الفلك.. والفلسفة.. والكيمياء.. والفيزياء.. والطب.. والرياضيات.. والموسيقى.. وعلم النفس.. والمنطق.. (الذي كان يعرف بعلم الكلام).. ويعد الكندي أول الفلاسفة المسلمين المتجولين.. الكندي.. جرد من ملابسه وهو في الستين.. وجلد ستون جلدة في ميدان عام وسط تهليل العامة.
ـ أبو بكر محمد الرازي (864 م /19 نوفمبر 923م).. عالم وطبيب مسلم.. من علماء العصر الذهبي للعلوم.. درس الرياضيات.. والطب.. والفلسفة.. والفلك.. والكيمياء.. والمنطق. والأدب.. اشتهر الرازي وجاب البلاد.. وعمل رئيسا لمستشفى.. وله الكثير من الرسائل في شتى مجالات الأمراض.. وكتب في كل فروع الطب والمعرفة في ذلك العصر.. الرازي.. ضرب على رأسه بكتبه حتى فقد البصر.. وعندما طلب أحد تلاميذه علاجه.. رفضً وقال: “لقد نظرت إلى الدنيا حتى مللت”.
ـ أحمد بن حنبل (780-855م).. في كتابه (محنة خلق القرآن).. يقول: “إن القرآن كلام الله ووحيه.. وهو مخلوق محدث.. أنزله الله على نبيه ليكون علماً ودالاً على نبوته.. وجعله دلالة لنا على الأحكام.. لنرجع إليه في الحلال والحرام.. واستوجب منا بذلك الحمد والشكر.. والتحميد.. والتقديس.. ويكمل ابن حنبل قائلاً: القرآن يتقدم بعضه على بعض.. وما هذا سبيله لا يجوز أن يكون قديماً.. إذ القديم هو ما لا يتقدمه غيره.. وآخر.. ونصف.. وربع.. وسدس.. وسبع.. وما يكون بهذا الوصف.. كيف يجوز أن يكون قديما؟”… انتهى الأمر بسجنه 28 شهراً.. حيث كان يُـضرب بالسياط يومياً حتى يُغمى عليه.
ـ الحسن بن منصور الحلاج (858- 922م).. دعا الى إمكان الاستعاضة عن الوسائط في العبادة.. والتوفيق بين الدين والفلسفة.. على أساس من التجربة الصوفية.. اتهمه الخليفة المقتدر بالله بالكفر.. وحكم عليه بالموت.. فضربً بالسياط نحو ألف سوط.. ثم قطعت يداه ورجلاه.. ثم ضربت عنقه.. وأحرقت جثته بالنار.. ثم ألقي ما بقيً من تراب جثته في نهر دجلة.
ـ الفيلسوف السهْروَردى.. ( 1153- 1191م).. حامي حمى الدين.. والمدافع عن بيضته.. والقاهر لأعدائه من الفرنجة والزنادقة والمتفلسفة والشعراء وغيرهم.. إلا إن صلاح الدين الأيوبي كان مبغضاً لكتب الفلسفة وأرباب المنطق ومن يعاند شريعته.. فقتل الفيلسوف السهْروَردى تجويعاً.. أكرر (تجويعاً)…… (داعش ما سوها).
ومن يثور اليوم على كتلنا السياسية الإسلامية في العراق فهو ملحد وكافر.. والشرع حلل قتله!. بأية طريقة يقرها الحاكم.. سواء بالخطف.. أو التعذيب حتى الموت.. أم القتل بتفجيره وسيارته.. أم بالتعذيب حتى الموت.. أم تجويعاً !!
ـ محي الدين بن عربي ( 1165- 1240م).. مؤلف الفتوحات المكية.. وكتابه (ترجمان الأشواق).. من أقواله:” الحكم نتيجة الحكمة.. والعلم نتيجة المعرفة.. فمن لا حكمة له لا حكم له.. ومن لا معرفة له لا علم له”.. كذلك يقول: “لا تعترضوا على المجتهدين من علماء الرسوم.. ولا تجعلوهم محجوبين على الإطلاق.. فإن لهم القدم الكبيرة في الغيوب.. وإن كانوا غير عارفين وعلى غير بصيرة بذلك.. ويحكمون بالظنون”.. ثار عليه الفقهاء بدعوى الضلالة.. واتهموه باستعمال الرمز كستار لإخفاء ما يُـنافي الدين.
نحن اليوم من يكتب سطرين على صفحته في الفيسبوك .. في التاريخ الإسلامي بحقيقته.. يتهم بالزندقة تماماً.. كما كان يتهم أجدادنا المفكرين ذووا النظرة التطورية.. فانتظروا اليوم الذبح التطوري.. على طريقة خلفاؤنا وسلاطيننا في تاريخنا المجيد.. لكن بإسلوب أكثر بغياً.. وباستخدام أحدت تقنيات القتل الحديثة!.
ـ ابن رُشد (1126ـ 1198م).. الفيلسوف.. والطبيب.. والفقيه.. والقاضي.. والفلكي.. والفيزيائي.. وهو عربي مسلم أندلسي.. رأى ابن رُشد: إن الإنسان يحتاج للعقل والدين معاً.. داعياً الى إخضاع النص الديني للبرهان العقلي عند الخلاف.
تعرض ابن رشد لمحنة حيث اتهمه علماء الأندلس والمعارضون له بالكفر والإلحاد.. ونفاه الخليفة العربي في الأندلس من قرطبة الى مراكش.. وفي آخر حياته حرقت داره.. وكتبه.. حتى مات هناك… فيما أفاد الأوربيون من فكر ابن رُشد.. هذا الفكر المعتدل.
ـ علماؤنا اليوم.. يجولون في العالم.. لان حكام بلدهم همشوهم.. وهددوهم.. بل قتلوا بعضهم.. ومن بقى في عراق اليوم.. يعيش حد الكفاف.. وإذا مرضً لا يملك أجور دوائه.. وشواهد كثيرة وأسماء لامعة.. نخجل عن ذكرها اليوم.
ـ اليوم يتهم جميع المثقفين العلمانيين والإسلاميين الحقيقيين.. يتهمون بالكفر مع سبق الإصرار والترصد.. انتظروا حرقكم!! أيها المثقفون في العصر الحديث.. على طريقة حكامنا قبل ألف سنة.
ـ أعدم السيد محمد باقر الصدر بأبشع صيغه.. بسبب أفكاره وعبقريته التي سبقت زمانه.
ـ إعصار الإرهاب الفكري بدأ يطغى على العراق دون رحمة أو هوادة.. وعاجلا أم آجلا.. سوف نصل إلى ما وصلت إليه أوروبا في العصور المظلمة.. والفرق بيننا وبين أوروبا هو أن أوروبا استطاعت أن تنجو من هذا الوباء.. لكننا كل يوم نطمس في وحل التخلف.. فهل نستطيع أن ننجو ؟؟؟؟؟.
التقدم له أسبابه.. والتخلف لا يأتي من فراغ.. وإذا لم نراجع أنفسنا ونعيد حساباتنا.. سوف نضيع.. وقد ضاعت أمم قبلنا كثيرة حين اختلط عليها الأمر.. وحجبت الرأي.. وحاربت العقل وتحكم فيها رجال فرضوا آراءهم باعتبارها حكم الدين.. فلم تعد تفرق بين الخطأ والصواب.. أو الظلم والعدل.
في عراق اليوم.. انتخاباتنا تجري بطريقة لا وجود لها حتى في السماء.. حيث يمنح كل مواطن صوتان.. صوت لمن ينتخبه.. والصوت الثاني لرئيس الكتلة السياسية.. يوزعها كما يشاء.. بربكم.. هل سمعتكم بالتاريخ الإسلامي.. وتاريخ الديمقراطية منذ أول ديمقراطية أقيمت في العالم والى ما شاء الله.. للشخص صوتين.. صوت لمن ينتخبه .. وصوت لرئيس الكتل الفاسدة بالسحت الحرام.. نعم في عراق اليوم فقط.. سمعنا وشاهدنا وتمارس أمامنا.. وهي حلال شرعاً في قاموس قانونيينا وعمائمنا.
ـ الكل تقرأ بتزوير الانتخابات هذا العام “2018”..حتى الحكومة ومفوضية الانتخابات نفسها.. وكل ما فعلوه حرق صناديق الاقتراح .. وإسقاط الأجهزة العالية من رفوفها وتحطيمها.. وسجلت الجريمتان بفعل مجهول!!.. وجرى عد وفرز لصناديق معدودة.. واتفاقات ترضية.. إلا إن حليمة عادت الى عادتها القديمة.. وكأن شيئاً لم يكن.. وستجري انتخابات مجالس المحافظات.. بيد نفس الأشخاص.. ومن يريد مقعداً في مجلس المحافظات.. يراجع مفوضيتنا الجليلة!
لقد وصل الأمر بنا اليوم باتهام من كان رضيعاً في عهد البعث.. بعثياً.. وأبوه الذي قاتل داعش واستشهد.. تصادر أمواله المنقولة وغير المنقولة.. بقانون كتبه وأقره مجلس الوزراء.. وشرعه وصوت عليه مجلس النواب.. وصادق عليه رئيس الجمهورية.. ونشر في الجريدة الرسمية!! ومن لا يصدق أحلف له بالقران ألف مرة.. والذي يصر على عدم التصديق يشتري نسخة من جريدة الوقائع العراقية لشهر كانون الثاني 2018.. المنشور بها نص هذا القانون.
تظاهرات المواطنين المطلبية تضرب بالرصاص الحي.. تحت يافطة مندسون!!
ـ أيها العراقيون: واقعة ألطف تعيد إنتاج نفسها عندنا يومياً الآن.. يعاد إنتاجها بصور ليس على أبناء بنت نبينا.. بل على أبناء شعبي ممن لا يفسدون في الأرض.. وبالتأكيد يكون وقعها أخف وطأةً.. أو حتى تمر بلا بضجيج.. وتنسى.. والأمثلة كثيرة: القتل على الهوية خلال الحرب الطائفية.. مجزرة سبايكر.. كذلك قتل الشيعة والسنة والمسيحيين والشبك واليزيديين في الموصل على يد داعش.. وعلى يد سياسي اليوم من الدواعش.
ـ اليوم بعض محتكري الحقيقة.. وسدنة السلطة والصحابة.. وبعض مسؤولينا.. يكفروننا.. ويهددوننا بالويل والثبور.. وغداً يصفوننا بأية طريقة عرفناها خلال ال 14 سنة الماضية.. تحت يافطة: نحن كفرة وزناديق.
ـ أفتونا يرحمكم الله.. كيف يُكَفرْ من يصلي خمسة مرات في اليوم؟.. ولم يرتكب جريمة؟.. ولم يسرق؟.. ولم يغش بضاعته؟.. ويزن بالقسطاط؟.. ويساعد الفقراء؟.. يهدد.. لأن ابنته وقفت مع المتظاهرات ضد مشروع قانون زواج من عمرها تسع سنوات؟؟
أفً على كل الكتبة.. الذين يسمون أنفسهم (مثقفون).. وهم خدمة سلطان اليوم.. يبررون سرقاته وجرائمه.. والأنكى من ذلك من يسمون أنفسهم مثقفين.. ويحاربون الفساد عبر الفضائيات.. وهم أصلاً مطرودون من مناصبهم لأنهم سراق بالجرم المشهود!!