محمد أيمن حبيب - فيسبوك
واحده من أنجح الأساليب التي حدثت في كرة القدم -إن لم تكن الأنجح على الإطلاق-، نعم كما جاء في عقلك الآن، الكرة الشاملة التي يريد المنتخب الهولندي إعادة إحياء ولو جزء منها، ولإعادة ذلك الأسلوب بعد الفشل الذريع الذي بدأ منذ فشل الطواحين في التأهل ليورو فرنسا في 2016 وعدم التأهل لكأس عالم 2018 خرج لنا جيل جديد من مجموعة من اللاعبين ليسوا هم الأبرز بالتأكيد لكنهم متميزين في الخِفة والمهارة وسرعة التحولات التي تريدها تلك الخطة وذلك الأسلوب.
بعد فشل المدرب ديك أدفوكات لم يجد المنتخب أنسب من رونالد كومان لقيادة ذلك الجيل الشاب فنيًا وتكتيكيًا، المدرب الذي شرب ذلك الأسلوب من معلمه الكبير يوهان كرويف والذي تأسس كلاعب أيضًا في أياكس أمستردام.
يظهر ذلك الجيل بلاعبين شباب مثل ديباي وفرانك دي يونج ودي ليخت، ولاعبين آخرين ليسوا الأفضل لكن هوية المنتخب بدأت في الظهور رغم نواقص المنتخب، دي يونج ودي ليخت اللذان يتكلم عليهما فرق مثل برشلونة ومان سيتي، وديباي الذي فرط فيه اليونايتد المدمر للمواهب في الفترة الأخيرة، إحصائيًا اللاعب لعب 53 مباراة، ساهم فيهم بـ41 هدف، 24 هدف له، 18 أسيست، رقم كبير للاعب موهوب.
اللعب التموضعي، الأسلوب الذي يستخدمه كومان بشكل واضح مع اللاعبين، المبدأ والهدف الأساسي منه هو خلق التفوق سواء كان عددي أو تمركزي أو نوعي، ففي حالة تحقيق الفريق لهذا التفوق أيًا كان نوعه حسب مجريات المباراة يستطيع التحكم في المباراة والسيطرة على مجريات اللعب ومن أجل خلق التفوق خلف خطوط الخصم..
ولهذا آمنوا بأهمية بناء اللعب من الخلف من أجل الإحتفاظ بالكرة والإستحواذ بها لضرب المنافسين خلف خطوطهم، فمثلًا في حالة ضغط الفريق الخصم بنفس عدد لاعبي الدفاع في الفريق الآخر يقوم مدرب الفريق بإعطاء تعليمات للاعب الإرتكاز من أجل السقوط لمنطقة الجزاء، أي وضع لاعب إضافي مع قلبي الدفاع من أجل خلق التفوق العددي من أجل الخروج بالكرة بالشكل المناسب، مع صعود لاعبي الأظهرة إلى وسط الملعب لنفس الهدف وهو التفوق العددي في وسط الملعب، هذا كله للسيطرة على الكرة.
ظهرت بوادر أسلوب الكرة الشاملة وليس الأسلوب نفسه بالطبع مع كومان، عملية الترحيل، سرعة التحولات، البحث عن المساحة، صعود الأظهرة من أجل تشتيت دور الرقابة في العمق وتظهر المساحات خلف الخطوط.
4-3-3، يبدأ فان دايك بتدوير الكرة، وقتها يتقدم بليند قليلًا للترحيل أو التنقل المركزي، بمعنى أن بليند يتحول دوره من ظهير أيسر لإرتكاز حركي، هنا تنتقل الكرات لمنتصف الملعب ومن ثم على الأطراف، دي يونج يعود قليلًا و دي رون يساعد في نقل حركية اللاعبين للأمام، وفينادلوم يأخذ حريته في المساحة في الأمام، يتمركز لاعبي الشق الهجومي خلف المدافعين أحيانًا إن لُعبَت كرة طولية في الأمام، أو بتمريرة بينية ووقتها يتمركزوا بين الخطوط، الأمر الذي جعل مدافعي فرنسا يتقدموا قليلًا كدفاع منطقة لإلغاء تلك الفكرة، فتحركوا جيدًا بدون كرة لكنهم أضاعوا كثيرًا من الكرات.
ديباي وبابل وبريجوين، الحركية واللا مركزية بينهم تصنع الثغرات في الأمام، نجد ديباي أحيانًا يتقدم كمهاجم، وبابل يسقط قليلًا على اليسار، وتلك هي أهم نقطة في اللعب التموضعي، أن تصنع التفوق في المساحة الأفضل حسب مركزية مدافعي الخصم.
في تصريح سابق قال بيب جوارديولا : حرك الخصم لا الكرة، إدعوه للضغط في الجانب الأيمن مثلًا لتحول اللعب إلى الجانب الأيسر وتنهي الهجمة منها، فنفهم من تصريح بيب أنه يبحث عن ما يُسمى بالتفوق النوعي، أي خلق موقف 1 ضد 1 أو 2 ضد 2 وخِلافه من خلال تمرير الكرة من قبل أربعة أو خمسة لاعبين من فريقه في الجانب الأيمن مثلًا في الملعب ودعوة الخصم للضغط على حامل الكرة، وتحويل اللعب إلى الجانب الأيسر من خلال تمريرة قُطرية لخلق تفوق نوعي.
ذلك ما يفعله رونالد كومان مع لاعبيه، ديفيز يحرك الكرات مع دي يونج و دي رون، بعدها يضغط الخصم ومن ثم تكون الكرة مع ديباي، لكن رونالد يفعل ذلك أيضًا في العمق، بتشتيت الخصم على الأطراف ومن ثم يستغل تشتيت الرقابة في العمق، وذلك أساسه صعود الأظهرة بالطبع.
يعتقد أغلب المتابعين أن الظهير يتحول إلى وسط الملعب لسبب واحد فقط وهو لمساندة لاعب الإرتكاز في مسألة بناء اللعب والخروج بالكرة وخلق زوايا تمرير إضافية، ولكن لسبب آخر مهم بل أهم في ذلك الأسلوب مع كومان، وهو خلق تفوق نوعي على الأطراف، فالظهير عندما يتحول إلى وسط الملعب يسحب معه جناح الخصم وذلك من أجل خلق الفراغ المناسب لجناح الفريق وهو ديباي، بل وجعله في موقف 1 ضد 1 مع ظهير الخصم.
"الضغط الحركي"، أهم الأساليب الدفاعية بالإضافة للإستحواذ السلبي لعدم جعل الخصم بحوذته الكرة، الضغط الحركي هو مُسمى الضغط لسرعة التحولات والإنتشار، إشتهرت فرق برسا بيب، بايرن هاينكس، كلوب دورتموند وليفربول بذلك الأسلوب، وهو إسترجاع الكرة من مناطق الخصم، أي وقت فقدانها، ففي حالة إسترجاع الكرة من وسط ملعب الخصم تكون المسافة إلى المرمى أصغر وأقرب، بالإضافة إلى ذلك، يتمركز لاعبي المنافس بشكل خاطئ نظرًا لعدم لحاقهم لتنظيم أنفسهم بسبب الضغظ، لكن الأمر يحتاج للتمركز السليم من أجل إرباك الخصم بقطع الكرة سريعًا، في تصريح قديم للراحل يوهان كرويف قال: ”هل تعلموا لماذا يسترجع لاعبي البرسا الكرة بشكل سريع؟ نظرًا لتمركزهم بالشكل الصحيح والمناسب”.
في مباراة ألمانيا بخطة 4-2-3-1 فشل المنتخب الهولندي في تطبيق كل ذلك ضد ألمانيا التي لعبت بخطة 3-4-2-1 رغم تحقيق التعادل والصعود لنصف نهائي بطولة دوري الأمم الأوروبية، الضغط بعد فقد الكرة إنعدم تقريبًا مع ضغط المنتخب الألماني على أهم مناطق البناء لهولندا والتي عجز حينها اللاعبين على الإحتفاظ بالكرة بشكل كبير وسليم، ليروي ساني كان حر، ليس جناحًا ولا صانعًا، إنما لاعب حر، يأخذ الكرة عند قطعها ويرتد بسرعة التحولات، في المساحة الفارغة التي أخذها جنابري أيضًا بين خط وسط ومدافعي هولندا.
جودة المنتخب لم تظهر بشكل كلي حتى الآن، اللاعبين مميزين، لكنهم ليسوا الأفضل وتوجد نواقص في المنتخب، نطمح من رونالد كومان أن يُعيد هيبة ذلك المنتخب، لأنه إن عاد الطواحين فبالتأكيد سنرى عودة لجزء كبير من كرة القدم.