ما أدركته أحلام مستغانمي ولم يدركه روبين وريبيري

آخر تحديث 2018-12-03 00:00:00 - المصدر: جول

 


يوسف حمدي    فيسبوك      تويتر



البعض يحتاج إلى ترجمة كلمات أحلام مستغانمي التي قالت يومًا: "هناك عظمة ما، في ان نغادر المكان ونحن في قمة نجاحنا، إنه الفرق بين عامة الناس والرجال الاستثنائيين" يحتاجون إلى ترجمتها كي لا يفسدون الأشياء الجميلة بسوء النهايات، النهايات التي تترك الانطباع الأخير دومًا، الانطباع الأخير الذي يكون سلبيًا في حال لم نشعر باقتراب النهاية، اقتراب النهاية الذي من المفترض أن نغادر حين نشعر به، وبين كل هذا تدور الدائرة إلى ما لانهاية.

أحد أفضل الثنائيات في التاريخ المعاصر لكرة القدم، لا أحد بمقدوره نفي ذلك، إلا وأن تلك الصورة قد غابت منذ حوالي 4 أعوام، غابت عن اللمعان، ولكنها ظلت حاضرة بلا بريق، وبصورة باهتة لم تصبح محببة للجمهور، الجمهور الذي بات لا يكرهها وفي نفس الوقت لا يحبها، رغم أنها استحقت نهاية أفضل من هذه بكثير.

في لحظات كتلك يتم نسيان التفاصيل، ولا يصبح هناك مجالًا لإلقاء اللوم، فقط لأن لحظات الوداع قد حانت، وهي لحظات عاطفية جدًا لا دخل للمنطق بالحديث عنها، لذا الكل يحب روبين وريبيري، والكل أيضًا يشعر بالحزن لأن حقبتهما التاريخية مع بايرن قد انتهت للتو، تمامًا كما كانت المشاعر نحو أرسين فينجر وآخرين، إلا أن تلك المشاعر لم تمحُ ما قالته أحلام مستغانمي، وكيف أوضحت الفارق بين عامة الناس والرجال الاستثنائيين.

بين روبين وريبيري أوجه شبه كثيرة، أبرزهما بالطبع كان الإصابات، الأول عانى منها على مدار مسيرته تقريبًا في أوقات أكثر من التي لعبها، والثاني ظل كاحله لا يستجيب للعلاج لأشهر حتى أثير الشك بأنه لن يستطيع السير على قدميه مرة أخرى، الجدير بالذكر أنهما عادا، ولم تهزمهما الإصابات، إلا أنهما سمحا لأشياء أخرى أن تهزمهما.

في العقد الثاني من هذا القرن سقط البايرن على حافة اللقب الأوروبي لعامين، قبل أن يرفع ذات الأذنين في العام الثالث، في 2013 توج الفريق البافاري بالخماسية التاريخية، تلك التي كادت أن تتحول إلى سداسية لولا عقدة جوارديولا التي بدأنت على يد كلوب ليلتها، وظلت مستمرة حتى الآن بلا حل، ولكنها أجبرت المدرب الإسباني على تغيير بعض التفاصيل في مواجهاته أمام غريمه الألماني، التغيير جعل الأمور تبدو أفضل، من الجميل في كرة القدم هذا الترابط الذي يجمع كل قضاياها خلف بعض النقاط العامة.

نعود مرة أخرى لموضوعنا، بعد خماسية 2013 تم الحكم على أولي هونيس رئيس النادي البافاري بالسجن لثلاثة سنوات، تولى خلالهم كارل هاينس رومينيجه رئاسة النادي حتى خروج انتهاء فترة عقوبة هونيس، وخلال هذه السنوات أراد بايرن أن تستمر النجاحات مع جوارديولا دون أن يصرف النادي الكثير من الأموال على التعاقدات، الأمر الذي لم يجدِ نفعًا، لأن العجلات الحربية لا يمكنها أن تناطح الدبابات في دنيا العقلاء، حتى ولو أقسمت 100 مرة أن هذه العجلات كانت تجدي نفعًا في الماضي.

المهم أن هونيس خرج من السجن بالفعل في 2016، ليجد مرحلة جوارديولا قد انتهت دون تحقيق المأمول، وليعود مرة أخرى لرئاسة البايرن من أجل بدء المشروع الجديد، ذلك الذي لم يشهد أية تغييرات، وسار على نفس النهج الذي تم إثبات فشله للتو، يبدو أنه لم يعلم بأن قمة الحماقة هي تكرار الشيء ذاته ومن ثم انتظار نتائج مختلفة، أنت بالطبع تعلم أن تلك البديهيات غائبة تمامًا عن عقل هونيس، والدليل أن الرجل كان يطلب من صانع ألعاب رقم 10 القيام بافتكاك الكرة، ويرى أن عدم قيامه بذلك يعد فشلًا، ألم أحدثك بداية عن أن كل شيء في هذه اللعبة مترابط بشكل مرعب؟

المهم أن هونيس قد عاد، ولا أعلم تحديدًا هل عاد من السجن أم من فجوة زمنية سقط فيها، ذلك لأنه قرر الاعتماد على لاعبين كروبين وريبيري وفيليب لام دون أن يشعر بأنهم يحتاجون إلى بدلاء، ولا أن حقبتهم التاريخية تشارف على النهاية، بل أنه دخل في صراعات مباشرة مع أنشيلوتي لأنه كان يشترط عليه مشاركة ريبيري أساسيًا، وحين قرر أن يجلب له لاعبين جلب له ساندرو فاجنر صاحب الـ 32 عامًا، ومن قبلها قرر المقامرة على صاحب الـ 18 عامًا ريناتو سانشيز، المهم أننا لن ننظر إلى ما بين هذا وذاك، فإما أطفال وإما لاعبين على مشارف الاعتزال، وإما مشروح أحمق يقضي بأن 11 لاعبًا ألمانيًا سيشكلون القوام الأساسي للبايرن ولمنتخب ألمانيا، لا تستغرب فهذا التصريح قد تفوه به هونيس مطلع الموسم الحالي بالفعل.

وبين هذه القضايا لم يدرك روبين ولا ريبيري أن وقت الرحيل قد حان، وأن الاستمرار حول هذا الهراء هراءٌ مشابه، لن يجدي نفعًا، بل على العكس فإنه سيحول كليهما إلى موضعي انتقاد، وسيُنسي جودة التاريخ أمام سوء الحاضر، خاصة وأن المؤشرات لم تكن تشير إلى أن أحدهما كان قد أبدى امتعاضه بخصوص ما تسير به الأمور من قبل هونيس ورفاقه.

صعوبة قرار الرحيل وتوقيته تم البرهنة عليه كثيرًا في الماضي، فالفارق بين رحلة زيدان مع ريال مدريد ورحلة سيميوني مع أتلتيكو مدريد كان حسن قراءة الطالع ليس إلا، الشيء الذي جعل زيدان مدربًا تاريخيًا على الرغم من كونه ليس على نفس القدر مع سيميوني المدرب على أية حال، ولكنه عرف متى يقول وداعًا، وهو أمر ليس بالسهل نظرًا لأن الشواهد تقول أن كثيرين فشلوا في إداركه على الرغم من تمتعهم بالجودة الكافية، بالأحرى كانوا عظماء ولكنهم لم يدركوا الفارق بين الرجال العاديين والإستثنائيين.