كشفت مجلة "The Atlantic" الامريكية، الاثنين، معلومات جديدة تكشف عن هوية الشخص الذي يعتقد أنه المؤسس الحقيقي لتنظيم داعش، والذي قدم التأويلات الدينية التي أنتجت الوحشية التي تميز بها التنظيم.
وذكر تقرير للمجلة اليوم (10 كانون الاول 2018)، انه "غالبا ما تركز الروايات التي تدور حول أصول أيديولوجية داعش على حقيقة التضارب بين الزرقاوي وأسامة بن لادن، فيما يتعلق بفكرة محاربة الشيعة والمسائل المتعلقة بالتكفير أو الحرمان، فـ (بن لادن) كان متحفظا على فكرة استهداف الشيعة في العراق، بينما (الزرقاوي) كان مصرا على ذلك، وان تعزز هذه الخلافات في العراق أدت في نهاية المطاف إلى الانشقاق بين داعش والقاعدة، واستنادا إلى تلك الافتراضات يخلص الكثيرون إلى أن الزرقاوي هو حتما من شكل الإطار الفكري لتنظيم داعش".
واضاف التقرير، إن "هناك شخصا آخر غير الزرقاوي كان هو بمثابة القوة الخفية الدافعة وراء هذا التحول من القاعدة التي تركز على محاربة الأمريكيين إلى داعش التي تحارب الجميع: احتلال، حكومات، معارضين، إخوان مسلمين، إسلاميين آخرين، وبطبيعة الحال الشيعة".
واوضح، انه "يمكن القول إن أصول داعش قد ارسيت قبل فترة طويلة من الغزو الأميركي، وإن كان ثمة مسؤول عن أسلوب إدارة الجماعة فهو عبدالرحمن القادولي، وهو عراقي ينحدر من مدينة نينوى، وعرِف باسمه الحركي أبوعلي الأنباري، وليس الزرقاوي، إذ إن الأنباري، وكان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة بالعراق بعد الزرقاوي، هو من ينسب له وضع النهج المتطرف لداعش بدرجة لا يضاهيه فيها أحد، وكانت سلطته أكثر منهجية وأطول أمدا وأعمق عن سلطة الزرقاوي".
وذكر التقرير، ان "المؤسس الحقيقي لتنظيم داعش عبدالرحمن الأنباري ولد في شمالي العراق عام 1959 لعائلة تركية من أصل عربي وأرمني، ونشأ وسط أجواء متدينة، ودرس الأنباري الشريعة بعد أن أكمل دراسته الابتدائية في معهد في مدينة تلعفر شمالي العراق، وتخرج في جامعة بغداد عام 1982، بشهادة في الدراسات الإسلامية، (وقد ارتاد الجامعة مع زعيم داعش الحالي ابوبكر البغدادي)".
انضم الأنباري إلى الجيش العراقي بعد تخرجه وخدم فيه لسبع سنوات، وشارك في الحرب الإيرانية العراقية (حرب الخليج الأولى)، و كلف الأنباري، بعد أن أنهى خدمته العسكرية، بتدريس الشريعة في بلدة صغيرة متعددة الأديان والأعراق تسمى مجمع برزان.
وتابع انه "في منتصف التسعينيات، عاد الأنباري إلى مدينة تلعفر، وهي مدينة مختلطة تجمع بين الشيعة والسنة. وعين في مدرسة محلية بواحدة من أكبر أحياء الشيعة في المدينة، حي الخضرا، وأصبح بعد ذلك إماما في مسجد قريب، ومن ثم استخدم المنبر لمهاجمة الشيعة والصوفيين، باعتبارهم أتباع طائفة منشقة، وفي وقت لاحق من العقد ذاته، انضم الأنباري إلى منظمات جهادية كردية في الشمال".
بعد أحداث 11 أيلول 2001، أنشأ مع مجموعة من طلابه السابقين نواة إمارة في شمالي العراق، كدولة إسلامية بدائية، وتدرب الطلاب على سفوح التلال المحيطة بتلعفر، على يد مساعد مقرب للأنباري يدعى إياد أبو بكر، وعلاوة على الترويج للأفكار الجهادية، يبدو أن هجمات 11 أيلول قد أعطت زخما للمشهد المرتبط بالحركات المتطرفة في العراق، إذ بدأ الأنباري والجهاديون على شاكلة تفكيره ينظرون إلى الإسلاميين المنافسين، مثل جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارهم أعداء، وهو موقف سيتحول بعد ذلك إلى سمة ملحوظة في أيديولوجية داعش".
وجاء في التقرير ان "الزرقاوي قدم إلى شمالي العراق من أفغانستان في ربيع عام 2002، ثم التقى به الأنباري بعد شهر من ذلك في بغداد، حيث استضاف الزرقاوي مبعوث من جماعة الجهاد الكردية (أنصار الإسلام)، وصديق للأنباري.
وأثناء تلك الفترة، انتقل الأنباري ذهابا وإيابا من وسط العراق إلى شماله سعيا لتسهيل النشاطات الجهادية وكل ذلك كان تحت مظلة جماعة البعث.
وعندما دخلت الولايات المتحدة العراق عام 2003، قاد الأنباري والزرقاوي جماعات منفصلة لم تكن قد انضمت بعد إلى تنظيم القاعدة في العراق.
وأقسم كلاهما يمين الولاء للقاعدة عام 2004، وعليه أصبح الأنباري نائب الزرقاوي.
وهناك أدلة كثيرة على أن الأنباري، وليس الزرقاوي، هو من حدد وتيرة خطى التطرف، ودفع بالسياسات التي شكلت ملامح داعش.
وذكر التقرير، انه "بعد فترة وجيزة من دخول القوات الامريكية الى العراق، استهدفت جماعة الأنباري في تلعفر أي شخص اعتبرته مضللا أو معرقلا لخططها، فهاجمت جماعته الشيعة وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمستنيرين المحليين، بصرف النظر عن القبيلة التي ينتمون إليها، وعلى النقيض من ذلك، استغرق الزرقاوي عاما آخر ليعتنق ذلك التحيز الطائفي المتطرف".
وبعدما تعهد الزرقاوي رسميا بالولاء لأسامة بن لادن، وأصبح رئيس تنظيم القاعدة في العراق، كتب خطابا إلى القيادة المركزية للقاعدة يرسم فيه خطة لمهاجمة المدنيين الشيعة وأماكن عبادتهم.
وربما أتت فكرة استهداف الشيعة من مواطنين عراقيين على شاكلة الأنباري، وربما كانت فكرة الأنباري نفسه، حسبما يرى كاتب المقال.
وإلى جانب ذلك، كان للأنباري دور مباشر في تحويل تنظيم القاعدة في العراق من قوة يسيطر عليها قادة أجانب إلى قوة يديرها العراقيون، كما ان الزرقاوي أرسل الأنباري إلى باكستان أواخر عام 2005، مرورا بإيران بوثائق هوية مزيفة، وكان هدف الرحلة ليوضح لقادة القاعدة حقيقة الشائعات التي ترددت بأن فرع الجماعة في العراق ينبذ الجهاديين التابعين للتنظيم، وتفاصيل رحلة الأنباري هي اعتراف نادر بحقيقة أن إيران استخدمت ممر عبور في المنطقة.
وفي عام 2006، اعتقلت القوات الأمريكية الأنباري في بغداد، وبعدها بشهرين قتل الزرقاوي، وبرغم أن الأنباري ظل محتجزا حتى اذار 2012، فقد ظل ضالعا في الأحداث عن طريق تجنيد زملائه السجناء وغرس مبادئ الجماعة فيهم، وبعد ذلك تم إطلاق سراح الأنباري، إذ يبدو أن داعش في العراق قد رتبت له الخروج من السجن بمنح رشوة لمسؤولين عراقيين، ثم دعاه ابوبكر البغدادي الى بغداد وأوكل إليه مهمة خطيرة في سوريا.
وتمثلت مهمة الأنباري الجديدة في التحقيق فيما إذا كان فرع الجماعة في سوريا، الذي كان يعرف انذاك باسم جبهة النصرة، لا يزال مخلصا للبغدادي أم لا، فوجد الأنباري أن أبومحمد الجولاني، زعيم الفرع السوري للجماعة "شخص ماكر ومنافق"، وفقا لإحدى روايات داعش المنشورة، لذا تآمر الأنباري والبغدادي ضده، فكون الاثنان علاقات مستقلة مع أعضاء رئيسيين في جبهة النصرة، ثم أعلن البغدادي من جانبه فقط دمج فرعي الجماعة، ومع أن هذا الدمج لم يدم، فقد تحول كثير من قادة جبهة النصرة إلى جماعة البغدادي، ليصبحوا لاحقا جزءا من داعش.
وكان المعارضون السوريون يعتبرون الأنباري ممثلا لداعش؛ إذ كان هو من يلتقى بهم ويتفاوض معهم منذ أواخر عام 2012 حتى صيف عام 2014.
وأصبح المروج الرئيسي لأيديولوجية التنظيم.. وأشرف على إحراق الطيار الأردني
وعقب استيلاء داعش على الموصل، وجه الأنباري اهتمامه بأكمله إلى صقل أيديولوجية المنظمة، وبالفعل، أصبح هو مروج أيديولوجية التنظيم الرئيسي، وأهلته مكانته لتدريب كبار رجال الدين، وإصدار الفتاوى في قضايا رئيسية تؤثر على الخلافة، وإرشاد الأعضاء لصياغة نصوص دينية، وبإشراف منه، حكم على طيار أردني بالموت حرقا، كما وذبِح الإيزيديون الذين كانوا على اتصال بالمجموعة أو اسروا، وذبِحت كذلك قبيلتان في سوريا والعراق للتحذير ضد التمرد، وذلك في أعقاب سيطرة الجماعة على ثلث العراق ونحو نصف الأراضي السورية.
ووصف الأنباري المعارضين المعتدلين السوريين بأنهم مرتدون عام 2013، والف فتوى مفصلة ضدهم.
وفي وقت لاحق، عين البغدادي الأنباري المسؤول المالي في المجموعة، وهي وظيفة انطوت على إجراء رحلات مستمرة بين العراق وسوريا، وفي آذار 2016، وفي إحدى تلك الرحلات المتكررة، قتل الأنباري بالقرب من مدينة الشدادي السورية، على طول الحدود مع العراق، ووفقا للسيرة الذاتية، شن الجنود الأمريكيون غارة في محاولة لقتله، لكنه فجر نفسه بحزام انتحاري، عمرالأنباري لعشر سنوات بعد الزرقاوي، وفاق نفوذه ما وصل إليه الزرقاوي.
وذكرت المجلة نقلا عن مستشار الحكومة العراقية بشأن داعش هشام الهاشمي قوله، ان ثلاثة منظرين عراقيين، شكلوا تفكير الزرقاوي ونهجه بشكل مباشر، ويتشابه ثلاثتهم مع الأنباري فيما يتعلق بحصولهم على تدريب ديني وأنهم جميعا كانوا مطلوبين لدى النظام العراقي السابق لأفكارهم ونشاطاتهم المتطرفة؛ وهم: أبو عبدالرحمن العراقي مساعد سابق للزرقاوي وقابع حاليا في السجون، ونظام الدين رفاعي الذي سجن عدة مرات ابتداء من عام 1978 لتورطه في حركة الموحدين السلفيين والمحتجز حاليا في السجن. وعبدالله عبدالصمد المفتي المطلوب منذ عام 1991 ومنظر سلفي بارز في العراق، فأفكارهم كانت متطرفة لدرجة أن القاعدة رفضتها.
فرجال الدين الجهاديين العراقيين هؤلاء قدموا أفكارا رفضتها القاعدة في النهاية، في حين اعتنقتها داعش، وانطوت على الطائفية المتطرفة ومفهوم إقامة دولة إسلامية.
وأوضح الهاشمي، انه "رجال الدين هؤلاء وضعوا مدرسة كاملة لعلوم الفقه والمنهجية، فضلا عن النصوص الدينية التأسيسية، ولم يكن الزرقاوي سوى مجرد قائد يطبق نهجهم، وهذا هو السبب في أنّ منهجه حاد عن المقدسي (يعتبر أستاذه الأول) وبن لادن بعد اختلاطه بأهل العراق".
وخلصت المجلة الى ان "ما يميز الأنباري عن رجال الدين الثلاثة أنه بالإضافة إلى تشبثه بآراء طائفية متطرفة قبل عقد على الأقل من ظهور الزرقاوي، أنه اضطلع بدورٍ تنظيمي رفيع المستوى داخل تنظيم القاعدة في العراق وبعدها في داعش، وتعد مدة خدمته في الجماعة الأطول من بين رجال الدين كافة وكان أعلاهم شأنا داخل التنظيم منذ بداية إنشائه إلى حين وفاته، وإجمالا،يبرهن الاعتراف بالدور المركزي الذي ضلع فيه الأنباري في تشكيل داعش، والأحداث التي أدت لظهور قادة مثله قبل غزو عام 2003، أن الجماعة لم تكن مجرد تشكيل ابتدعه جهادي أردني ماكر، إذ يبدو أن الزرقاوي نزل إلى بلدٍ تحددت فيه بالفعل الملامح الأيديولوجية لمجموعة قدر له أن يتولى قيادتها يوما ما، وقد تأثر بالبيئة الموجودة وبالمنظرين الأصليين الذين شكلوا تلك الملامح على مرأى منه، فقصة المؤسس الحقيقي لتنظيم داعش عبدالرحمن الأنباري تفسر سر نجاح التنظيم في السيطرة على العراق، فنظرا لأن داعش تطورت في العراق دون مؤثرات خارجية قبل عقد واحد على الأقل من الغزو الأمريكي وقبل وصول الزرقاوي، فهذا يساعد في تفسير قدرتها على النهوض، ومن ثم السيطرة على دولة متنوعة من الناحية الديموغرافية مثل العراق، فالجماعة لديها جذور متأصلة في العراق أعمق بكثير مما عرِف عنها سابقا.