أهمية شبكة رووداو بالنسبة إلى إقليم كوردستان من الناحية الجيوإعلامية

آخر تحديث 2018-12-11 00:00:00 - المصدر: رووداو

تكريم (مجيد نظام الدين كلي) من شبكة رووداو الإعلامية، فرصة جيدة لتقييم الأهمية الجيوإعلامية لهذه الماركة الكوردية. فقد احتلت شبكة رووداو منذ فترة ليست بالقصيرة موقعها على الخريطة الجيوإعلامية المحلية والدولية، واستطاعت كوسيلة "دبلوماسية نيتشوية" كوردية هامة، إضافة إلى عملها الإعلامي، أن تنتج ماركة كوردية وأن يكون لها تأثير مباشر على المسألة الكوردية. هذه هي الخطوة الأولى، ولا شك أن شعار "الأولى بلا منافس" صحيح، لكن رووداو بحاجة إلى قفزة أخرى لتستطيع الحفاظ على موقعها في الخريطة الجيوإعلامية الكوردستانية والعالمية، وتعزيز نفسها كماركة كوردية.

مكانة رووداو في كوردستان

عندما كان هنري كيسنجر يقول: "في ما مضى، كان المسؤولون يسألونني ماذا علينا أن نفعل، لكنهم الآن يريدون أن يعرفوا ماذا عليهم أن يقولوا"، هذه المقولة أوضحت الأهمية التي لا يمكن إنكارها للإعلام وقنوات الاتصال الجماهيري للسياسيين. أهميةُ ثلاثيةِ "الكثرة، الذهب والمعلومة" في إنتاج واستبدال القوى، زادت من تركيز الأنظار على دور الإعلام كمصدر هام لصنع المعلومة – الوعي في المعادلة الجيوسياسية المحلية والخارجية. ربما استطاعت القوة أن تصنع الإعلام، لكن الإعلام بالنتيجة يتحول إلى مصدر لإعادة إنتاج القوة، لذا نستطيع من خلال البحوث المتعلقة بالجيوإعلام والتمعن في عامل الإعلام كعنصر جيوسياسي، أن نتحدث عن علاقة متبادلة بين القوة الإعلام.

ولو نظرنا إلى رووداو من هذا المنطلق، يمكننا القول بأن رووداو رمز لظهور وبروز عامل المعلومة في دورة القوة والسلطة المحلية والخارجية لكوردستان. فمن الناحية المحلية، تجاوزت الحدود وتغلبت على الواقع الجيوسياسي المفروض على كوردستان. فلم تتوقف ضمن حدود إقليم كوردستان واحتلت لنفسها مساحة واسعة في جميع جغرافيا كوردستان وحتى بين كورد المهجر، وبهذا لعبت دورها في إقامة كوردستان مجازي يمكن أن يكون بداية للتغيير في كوردستان الحقيقي.

وإذا مضت الأمور على هذا النحو، فإن التأثير السياسي لهذه المؤسسة الإعلامية على الجيوسياسة المحلية لكوردستان سيظهر على شكل سيادة خطاب وتأثير إقليم كوردستان السياسي على بقية أجزاء كوردستان وكورد المهجر، وهذا ما جعل كثيراً من دول المنطقة وحتى بعض القوى الكوردية تشعر بحساسية تجاه رووداو. فكلما خلقت القوى إعلاماً لإيصال خطابها ورسائلها ونمّتها، سيكون للإعلام تأثير مماثل على القوى نفسها أيضاً. أي أن الإعلام سيصبح مصدراً لبناء القوة يستطيع تعزيزها وإنقاصها. لذا فإن واحدة من عناصر الأهمية الجيوإعلامية لرووداو تكمن في أنها تستطيع أن تلعب دوراً كمصدر للانتماء الكوردستاني وانتشار القوة السياسية لإقليم كوردستان، وأن يكون لها ثقلها كمصدر لتغيير تصرفات وطبيعة القوى السياسية في إقليم كوردستان، لذا فإن لرووداو دور في السياسة الداخلية لإقليم كوردستان والعراق، كقطب يغير قواعد اللعبة. فمن خلال رووداو، وللمرة الأولى، بدأت نخبة إعلاموقراطية تنشأ في كوردستان لها رؤية عالمية وحركة، يؤثران على سير التغييرات السياسية في إقليم كوردستان، وهذه قوة لا يمكن إنكارها.

لا شك أن الحياد في الإعلام مجرد كلام كبير، والمراسل ومعد البرامج لا بد أن يخلط اختياره المادة وصولاً إلى استخدام المصطلحات، مع رؤيته للعالم وتوجهاته، بشكل مقصود أو بدون قصد! والمهنية تحدد من خلال قياس مدى هذا الخلط. الحكمة هنا لا تكمن في كونك حيادياً، بل تكمن في أنك إلى جانب حيادك أن تجعل الآخرين يجدون لأنفسهم مساحة في عملك، وقد فعلت رووداو هذا، ولهذا فإن محبي رووداو ومخالفيها يواصلون متابعة رووداو!

الأهمية الخارجية لرووداو: دبلوماسية نيتشوية للكورد

تبوأت رووداو لنفسها مكانة في الإعلام العالمي، خاصة من خلال تغطياتها الحصرية لحرب داعش وعمليات الموصل التي حققت انعطافة في هذا المجال، فإلى جانب عرض البيشمركة قدراتهم كقوة مشاة فعالة في محاربة الإرهاب، أبدت رووداو قدرة كبيرة في نقل المعلومة وحققت نجاحاً شبيهاً بنجاحات قناة الجزيرة في تغطية أحداث الربيع العربي، وبهذا لفتت أنظار العالم إلى الإعلام الكوردي.

وهنا يجب أن تراعي رووداو، في حال بنت ستراتيجيتها على أساس التنافس مع كبرى القوى الإعلامية العالمية، حاجتها إلى ثروة مادية وبشرية تمكّنها من خوض المنافسة. أما إن بنَت ستراتيجيتها على بناء ماركة كوردية، فإنها ستنجح، وهو نفس ما فعلته الجزيرة لبلد صغير كقطر.

بهذا الصدد، وضع غريت أيفانز، وهو أحد وزراء خارجية أستراليا، نظرية أطلق عليها "الدبلوماسية النيتشوية" يمكن أن يفيد منها الكورد، وفحوى هذه النظرية يتحدث عن أن الدول الصغيرة ذات الإمكانيات المحدودة من ناحية القوة الخشنة، تستطيع لفت انتباه العالم إليها من خلال التركيز على مجال معين وتخصيص قوة مادية وبشرية لتطويره، وبهذا تستطيع صنع ماركة قومية خاصة بها وتعزز مكانتها في السياسة الدولية من خلالها. فقطر الصغيرة من حيث مساحتها، 12000 كيلومتر مربع، وعدد سكانها، احتلت من خلال الإعلام مكاناً في المعادلة الجيوسياسية المحلية العربية والدولية، وخلقت ماركة قطرية. كما استطاع إقليم كتلونيا الإسباني من خلال فريق كرة قدم أن ينتج لنفسه ماركة كتلونية، وكوردستان كمنطقة جغرافية صغيرة ذات موارد قليلة للقوة الخشنة، أو أن هذه الموارد مصادَرةٌ منه على الأقل، يستطيع استخدام الإعلام كبوابة لكسر الحواجز الجيوسياسية، ورووداو لديها فرصة كبيرة للنهوض بأعباء هذا الواجب الستراتيجي. وكلنا يعرف الدور الفعال لرووداو في السنوات الأخيرة، وخاصة في المرحلة التي تلت الاستفتاء، في مجال إحباط محاولات تجريد إقليم كوردستان.

النتيجة

شعار "رووداو هي الأولى بلا منافس" صحيح، لكن أهمية الفوز بمكانة في جيوسياسة الإعلام، تضاهيها في الأهمية المحافظة على تلك المكانة وتعزيزها، لأن طبيعة القوة، سواء أكانت قوة سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم إعلامية، متغيرةٌ وتنتقلُ من شخص إلى آخر ومن دولة أو مؤسسة أو شبكة إلى أخرى غيرها، لذا يجب أن تواضب رووداو على التحليل والتفسير المستمرَين لمكانتها هذه، لتتعرف على الفرص والتهديدات التي تواجهها.

أولاً: الجيوسياسة المعلوماتية التي ترتبط طردياً بالعمل الإعلامي، تضم ثلاثة عوامل حاسمة، هي: التفوق المعلوماتي، السيادة المعلوماتية، والاختلاف المعلوماتي. فهناك خطأ شائع في الإعلام الكوردي وهو أنه متلقٍ للمعلومات التي تنتَج في بلاد أخرى بدلاً أن يكون منتجاً للمعلومات. هذا الأمر يُفقد الكورد الاختلافَ والتفوقَ والسيادة المعلوماتية، ويجلبُ الأوضاع المعنوية للمعلومات المنتَجة الأخرى إلى ذهن الإنسان الكوردستاني، الأمرُ الذي سيعيدُ إنتاج الاستعمار واحتلال ذهن الإنسان الكوردي.

حطمت رووداو هذا إلى حد بعيد، وتحاول من خلال شبكة مراسليها نقل المعلومات الخاصة بها، لكنها يجب أن لا تغفل أبداً عن مخاطر التراخي في هذا المجال.

ثانياً: من أجل تعزيز وتوطيد رووداو كماركة قومية كوردية، لا بد لها من قفزة، ومن هذا المنطلق، فإن افتتاح قناة رووداو انجليزية وأخرى عربية، يمكن أن يحقق انعطافة كبيرة، فلا ينبغي أن يظل الكورد يخاطبون أنفسهم.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.